موضوع: المسؤولية التاريخية لشعب العراق في اسقاط الحكومة الأربعاء فبراير 23, 2011 12:28 am
المسؤولية التاريخية لشعب العراق في اسقاط الحكومة 32/02/2011 اذا كان من المسلمات الاساسية في التاريخ السياسي الحديث وفي دساتير العالم، أن الشعوب هي مصدر السلطات، فان اسقاط الحكومات وتغيير السلطات هو حق شرعي لهذه الشعوب، كما أنه واجب عليها لضمان مستقبل الاجيال الانسانية، وعدم فسح المجال للطغاة أن يتحكموا بارادتها ويستولوا على خياراتها. قد لا تمارس الشعوب هذا الحق في بعض الاحيان لطبيعة الظروف التي تمر بها، خاصة في ظل التهديدات الخارجية التي تجعل مصير الامة وكيان الدولة على المحك، فتتنازل الشعوب عن حقوقها حتى يبدو الحكام وكأنهم امتلكوا ماضي وحاضر ومستقبل الامة، لكن الحقيقة هي غير ذلك اطلاقا، فلا وجود لشعب استكان الى حكامه المتلاعبين بالعقد الاجتماعي معه مهما طال الزمن، ومهما امتلك أولائك الحكام من سبل القوة والبطش والاضطهاد، ولازالت تجربة شعبنا العربي في تونس ومصر حية أمام الاعين ومستمرة حتى اليوم، ودماء شهدائها مازالت طرية ولم تجف بعد. واذا كان الشعب العربي في تونس ومصر قد انتزع الريادة في الفعل التاريخي، والتغيير الثوري في الوطن العربي والعالم أجمع، بأيادي شبابه، من دون ايديولوجيات ثورية وشعارات براقة وقادة تاريخيين يتقدمون الصفوف. واذا كان الفعل قد جرى بسبب القمع والاضطهاد والبطالة والاثراء الفاحش لرأس النظام وحاشيته، الذين كانوا يمتلكون بعض الشرعية، حسب اصحاب المذهب الواقعي في السياسة، فان الاحق باستلهام هذه التجربة الفريدة والتعلم منها هو شعبنا في العراق، الذي يرزح منذ ثماني سنوات تحت حكم مجموعة من المرتزقة واللصوص، الذين أهدروا المال العام وأثروا على حساب الوطن، حتى باتت مؤسساته الخدمية أثرا بعد عين، وبات المواطن فيه يشحذ قوته وقوت أطفاله بشق الانفس، في بلد نفطي بلغت موازنته الحالية 81.9 بليون دولار، كما هو معلن، بينما يقترض وزير المالية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مبلغ 6.5 بليون دولار، ولا أثر يتبين لكل هذه المليارات من الدولارات على الواقع العراقي، بعد أن احتل البلد المراكز المتقدمة الاولى في قائمة الدول الفاسدة ماليا واداريا في العالم. كما مارسوا أبشع الجرائم بما يفوق ما جرى في مصر وتونس في الثلاثة عقود الماضية من حكم بن علي ومبارك، بل تغولوا في فعلهم الاجرامي حتى بات تمزيق النسيج الوطني الاجتماعي أولى مهامهم، واستخدموا جهد الدولة بمؤسساتها المدنية لهذا الغرض، فجعلوها معسكرات طائفية لهذه الجهة أو تلك، حسب الانتماء الطائفي لمن يحتل الموقع الاول فيها، كما استخدموا جهد الدولة بمؤسساتها العسكرية والامنية والاستخباراتية فجعلوا منها فرق موت، تداهم البيوت بحثا عن المعارضين للمشروعين الامريكي والايراني في العراق، وسجون سرية لازالت الطغمة الحاكمة تصر على ادارتها، كما كشف عن ذلك تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في الثامن من الشهر الجاري، والمعنون (أجساد محطمة، عقول محطمة)، الذي أكد أن (العراق يدير سجونا سرية يتعرض فيها السجناء لعمليات تعذيب روتينية من أجل انتزاع اعترفات يتم استخدامها لادانتهم) وأن عمليات التعذيب شملت (الاغتصاب والتهديد بالاغتصاب والضرب بالاسلاك الكهربائية والتعليق من الاطراف وثقب الجسم والخنق بحقائب بلاستيكية ونزع أظافر بكماشة وكسر أطراف)، وأن هذه الانتهاكات مورست ضد الاطفال والنساء والرجال على حد سواء، بينما تتحرك فرق الاجرام بحرية واسعة في البلد من دون رقيب من تلك الاجهزة التي بلغ تعدادها ما يفوق الموجود في دول العالم المتقدمة. كما تنشط الاجهزة الاستخبارية الدولية والاقليمية بشكل يكاد يكون علنيا، من خلال عملائهم الذين يتبوؤن مناصب عليا في الدولة وفي الاحزاب الحاكمة، فتنشأ لها العديد من الواجهات في كل مدن العراق تحت يافطات انسانية وثقافية ودينية، وما يسمى منظمات المجتمع المدني، حتى تردد أن الموساد الاسرائيلي موجود حتى في مكتب رئيس الوزراء، بينما يعلم أي مواطن بسيط في عراق اليوم ما هو مدى التغلغل الاستخباري الايراني والامــريكي في كيان الدولة العراقية والمجتمع العراقي. ان الصوت الشعبي العربي الهادر اليوم في نواكشوط والجزائر والمنامة وصنعاء وبنغازي وغيرها من مدننا العربية، الذي تناغم مع الاصوات العربية الحرة في تونس ومصر الحاملتين رايات النصر على حكامهما المستبدين، لابد أن يكون له صداه الاوسع والاشمل في عراقنا الحبيب، بما يتناسب والارث الحضاري والنضالي لهذا البلد الرائد ولشعبه الجبار، فالطغمة الفاسدة الطائفية الحاكمة اليوم في العراق فاقدة لكل الشرعيات السياسية التي يمكن أن تتبجح بها، فلا شرعية تاريخية يملكون وهم القادمون من جحور المخابرات الاجنبية، مهرولين خلف دبابات الغزاة، ولا كارزمية يحملون، ولا نظامية يمكن أن تنطبق عليهم لانهم لم يأتوا في ظل تداول سلمي للسلطة، فدعاوى الشرعية الانتخابية وصناديق الاقتراع والاصوات التي حصلوا عليها، تسقط جميعها في ظل عملية استلاب الهوية والوعي التي مارسوها على المواطن، والتهديد بقطع الارزاق والوعيد بعذابات الدنيا والاخرة لمن لا ينتخب هذه القائمة أو تلك، كما أنه أصبح واضحا جدا حتى أمام المغرر بهم أن هذه الوجوه لم تعد صالحة لجلب المنافع للشعب الذي وعدوه بها، كما أنها لم تدفع أي مضار عنه، وأن المنافع لم تدخل الا في جيوبهم وجيوب عوائلهم وأقربائهم وحاشيتهم. ان تسونامي تونس ومصر الذي بدأت موجاته الارتدادية تزحزح الارض من تحت أقدام الطائفيين والقوميين الشوفينيين في السليمانية وبغداد والانبار والديوانية والسماوة وكربلاء والبصرة وذي قار وواسط، جعلت المالكي الذي تقاتل مع كل الحلفاء الطائفيين والشركاء السياسيين كي يعود مرة أخرى الى رئاسة الوزارة، جعلته يصرح مهددا (لا نسمح بالتخريب والشغب والخروج في تظاهرات من دون موافقات رسمية)، (وفسح المجال للعناصر التي تريد أن تلعب بالعملية السياسية) وحزبه أول من مارس التخريب في ثمانينيات القرن الماضي، عندما أرسل المفخخات الى شوارع بغداد ومازال يمارس التخريب عبر ممارسات حزبه الطائفي. كما أنه يوعز الى ناطقه الرسمي علي الدباغ كي يحرك الغوغاء في الاحزاب الطائفية وميليشيات الجيش والشرطة لقمع المتظاهرين، عندما يصرح بأن المتظاهرين هم ممن يحنون الى النظام السابق، وهي أشارة واضحة لممارسة الاجتثاث بحق هؤلاء المواطنين، ثم تبعت ذلك عمليات بغداد فحذرت المتظاهرين من استغلال البعثيين ومجموعات مسلحة للتظاهرات لاجنداتها الخاصة، حسب وصف بيانهم، مما يؤكد أن الطغمة الحاكمة مصممة على قمع التظاهرات تحت هذه المبررات، بعد أن ملاؤا الدنيا ضجيجا بديمقراطيتهم المزورة، وقد بانت ملامح هذه الخطة من خلال المواجهات التي حصلت مع المتظاهرين في واسط. كما التحق رئيس البرلمان هو الاخر، الذي كان صاحب تصريحات نارية من أجل حقوق المواطنين المسلوبة قبل أن يتبوأ كرسي السلطة ويتذوق حلاوتها، التحق بجوقة المحذرين، فيناشد المواطنين التزام الهدوء، من دون أن يسأل نفسه، وهو يسمى ممثل الشعب، ما الذي جناه المواطن كل هذه السنين كي يطلب منه الهدوء. لقد انجزت المقاومة الوطنية الباسلة الصفحة الاولى من المواجهة التاريخية مع الغزاة، وأثخنت العدو جراحا، وأسقطت حلمه الاستراتيجي في صنع شرق أوسط جديد على قياسات مصالحه، فكبدته خسارة اقتصادية لم يعرف العالم مثيلا لها، وخسائر مادية في معداته، وخسائر بشرية في صفوف قواته، دفعت الرجل الثاني في الادارة الامريكية (بايدن) الى القول (هل كان الامر يستحق 4439 قتيلا في صفوف الجنود الامريكيين، وهل يستحق جرح 32000 بينهم 1600 يحتاجون رعاية دائمة ) ثم يقول (لو قدر لنا العودة الى الوراء، لربما ماكنا لنفعل ذلك)، ويقينا أن المعلن غير المستور، ولازالت المقاومة فاعلة ومصرة على انجاز الحتمية التاريخية التي هي النصر المؤزر. أما المسؤولية التاريخية الملقاة اليوم على عاتق شعبنا في العراق فهي أدامة الزخم المقاوم الذي بدأته فصائل مقاومته الوطنية، والتواصل مع الفعل البطولي لاشقائه ثوار تونس ومصر من أجل بناء وطن عربي جديد خال من الطغاة والمستبدين ووكلاء الاستعمار. يقينا أن الائمة الاطهار من آل بيت رسول الله، الذين تحج اليهم ملايين الناس سيرا على الاقدام من كل أنحاء العراق، يناشدون اليوم محبيهم في كل مدن وقرى العراق، التوجه الى معقل الفساد والشر والاثم في المنطقة الخضراء لاسقاط عملاء المحتل وناهبي قوت الشعب، وبهذا الفعل وحده يتم التواصل مع ثورتهم ضد الطغيان الذي استشهدوا من أجل دفعه، وأن رايات الاصلاح لا التغيير التي يرفعها بعض الانتهازيين، انما هي تصب في مصلحة هؤلاء الطغاة، ولنا العبرة في اصرار شعبنا العربي على اسقاط بن علي ومبارك، على الرغم من التنازلات التي قدموها قبل رحيلهم، لان الاصلاح غير ممكن في ظل حكم المافيات