في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الرابع)الرسالة العربية الخالدة حول الرسالة العربية(25)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الرابع)الرسالة العربية الخالدة حول الرسالة العربية(25) الجمعة ديسمبر 23, 2011 6:31 am
في سبيل البعث - الجزء الأول: الباب الرابع : الرسالة العربية الخالدة حول الرسالة العربية(25) الرسالة العربية إيمان قبل كل شيء ولا يعيبها هذا او ينقص من قدرها، فالحقيقة العميقة الراهنة هي ان الايمان يسبق المعرفة الواضحة. وان من الاشياء ما هو بديهي لا يحتاج الى براهين ودراسات، انه يدخل القلب ويمتلك العقل دفعة واحدة. فالرسالة شيء ملازم للأمة، ومن حقها، أن تطمح الى بلوغها كما يحق لكل فرد ان يطمح الى المروءة والبطولة. ولكن في الواقع ثمة فرقا هو ان الحق قد يبقى عند الكثيرين نظريا لا يتحقق في العمل، فمن حق كل فرد ان يطمح الى البطولة -كما قلنا- ولكن كل الناس ليسوا ابطالا، فكل امة من حقها أن تطمح في أن تكون لها رسالة، ولكن الامم ليست كلها على السواء ذات رسالات، او ليست رسالاتها متساوية في درجة النضج وفي مدى التحقيق والشمول. ان علينا ان نفرق بين معنى الحياة وبين الرسالة فلكل فرد مهما صغر شأنه ومهما قلت مواهبه معنى لحياته، ولكل أمة مهما ضاق نشاطها وقلت مواهبها معنى يستخرج من حياتها، غير ان هذا ليس هو المقصود بالرسالة. فالبطولة عند الافراد ليست مجرد معنى الحياة انها الحد المعين الذي يبلغه تكامل شخصية الفرد ونضجها وأشعاعها حتى تصل الى درجة التأثير والتوجيه واثارة الاعجاب، وهي عند الامة أن تخرج من نطاق النشاط المادي والانانية الضيقة وترتفع الى مستوى التوجيه الانساني والاشعاع على غيرها من الامم. وشعار البعث العربي لا يرمز الى أشياء مقبلة بعيدة عن الواقع، بل يهدف في الدرجة الاولى الى تلبية حاجات الحاضر وضروراته، وهو يعني ان الامة العربية واحدة، فلا نعترف بهذه التجزئة المصطنعة العارضة. واننا نسعى الى تحقيق هذه الوحدة ليس في الارض فحسب بل ايضا في الروح والاتجاه. اما الرسالة الخالدة فالقصد منها ان هذه الامة لا تعترف بواقعها السيء وموقفها المنفعل ولا تتنازل عن مرتبتها الأصلية بين الأمم، بل تصر على انها لا تزال هي هي في جوهرها، تلك الامة التي بلغت في أزمان متعددة مختلفة من التاريخ درجة تبليغ رسالنها، فهي اذن بصلتها ببعضها وبماضيها لا تزال واحدة ولا تزال فيها الكفاءة لاسترجاع تلك المرتبة التي فقدتها مؤقتا. فهذه الامة التي تستيقظ اليوم وتتحفز للنهوض ليست هي بنت اليوم، بل هي نفسها قبل ألف وقبل ألوف السنين، ميزتها وحدة الاصل والعنصر يوم كانت الوحدة هي الرابط المكينة التي تجمع الأفراد وتطبعهم بطابع واحد وتخلق فيهم نواة واحدة، ثم صقلتها وغذتها وحدة اللغة والروح والتاريخ والثقافة، ولما فقد هذا العنصر مكانه الرئيسي بين العوامل المكونة للأمم فقدت الأمة شيئا من تجانسها الضيق غير انها عوضت عنه بتنوع في المواهب والكفاءات وانطلاق في الفكر وتسام في المعنى الانساني. فهذه الأمة التي افصحت عن نفسها وعن شعورها بالحياة افصاحا متعددا متنوعا في تشريع حمورابي وشعر الجاهلية ودين محمد وثقافة عصر المأمون، فيها شعور واحد يهزها في مختلف الازمان ولها هدف واحد بالرغم من فترات الانقطاع والانحراف. ولكن هل يستتبع تبنينا لماضي الأمة واعتبارنا انه يؤلف وحدة حية مع حاضرها ومستقبلها، اننا نوافق عليه وعلى كل ما جاء فيه؟ وهل حياة الامة مسيرة بقدر خارج عن ارادتنا، وان كل مرحلة هي نتيجة حتمية للمراحل التي سبقتها؟ ام ان على الأمة ان تساهم الى حد بعيد في خلق مصيرها فاذا انحرفت عنه وتلاشت مساهمتها في صنع قدرها، فانما ذلك لمرض طارئ تجب معالجته. فهذا الماضي كان يمكن لبعضه ان يكون خلاف ما كان ولبعضه الآخر ان يكون أقوى وأكمل مما كان! نحن سادة مصيرنا وصانعو قدرنا ندرك ادراكا عميقا ان الأمة الحية هي التي تحيا الآن والتي ينفسح امامها مجال الحياة للمستقبل، وانها الامة التي تخدم ماضيها باستخدامها اياه لا باستسلامها له، والأمة الحية تنمو وتتكامل ويكون ماضيها مهما سما دون حاضرها ويكون مستقبلها أمامها لا وراءها. وفكرة الرسالة تقود حتما الى تكوين نظرة الى الماضي وعلاقته بالحاضر والمستقبل، فالاتجاه الشيوعي ينكر كل ماض، بمعنى انه لا يقر بصلاح أي ماضي فهو يدعو الى بناء جديد من أساسه عند مختلف الامم، وهناك اتجاه آخر ينكر الماضي عامة في مظاهره فقط وفي الواقع ينكر الماضي العربي، وهذا الاتجاه هو الاتجاه المعجب بالغرب وحضارته، والذي يدعو الى اهمال الماضي وتناسيه واخذ الحضارة الغربية بكليتها، فهو يعتقد أن فساد الحاضر في المجتمع العربي ليس نتيجة انحراف ومرض أصاب الأمة، بل هو نتيجة منطقية لبذور من الفساد كانت منذ البدء في حياة العرب، او لامكانيات من الخطأ والانحراف تضخمت ونمت مع الزمن حتى وصلت الى هذا الحاضر، وهناك اتجاه ثالث هو اتجاه البعث العربي الذي لا يتعصب لنظرية معينة ولا يقول بالاخذ المصطنع، بل يعتبر حياة الامة كجسم حي كان صحيحا ثم اعتل، ويعتبر ان التقدم يعني معالجة المرض والعودة بالأمة الى الوضع السوي السليم. هذا الموقف الأخير يعترف بالماضي دون أن يرى فيه الكمال ويعتبره مرحلة لا يمكن أن تسترجع ولكنها تستطيع أن تؤثر، وأن لها في الحاضر صلات ووشائج حية، وهي ان كان تجاوزها واجبا، فليس بترها واستئصالها ممكنا ولا مفيدا. فنحن ننظر الى الماضي لنفيد منه لا لنفيده، لانه بغنى عنا، ولنعين الأسس التي يجب أن نبني عليها مستقبلنا هذا منذ الحاضر، فهذه الأسس يجب أن تكون مطلقة ثابتة فلا خير في أساس يتبدل مع الزمن ويصلح لقسم من المواطنين أو لنوع من التفكير، كما انها يجب أنه تكون أسسا حية، معجونة بدم الواقع منسوجة بنسيج التجارب. لقد أفصح الدين في الماضي عن الرسالة العربية التي تقوم على مبادئ انسانية فهل معنى ذلك بانه يتعذر على هذه الرسالة ان تكون قومية؟ واذا اعتبرناها قومية فكيف فهمها غير العرب فوسعتهم وطبعتهم بطابعها، وهل الرسالة شيء ينتهي في وقت ما ام انها تتجدد وتتكامل مع الحياة؟ واذا افترضنا ان مضمونها واحد فما معنى خلود الرسالة، هل هو جمودها أي انها تحوي أشياء لا تزيد ولا تنقص أم يعني انها فوق الاشياء وانها نزوع ومهمة؟ هذه كلها أسئلة تطرح بصدد الرسالة العربية، ويمكننا أن نجيب بأن الرسالة يجب ان تفهم على انها نزوع واستعداد اكثر من كونها أهدافا معينة محدودة. ولا بد لنا ونحن في معرض الكلام عن الرسالة العربية في الماضي من ان نرسم صورة موجزة سريعة للفترات الرئيسية الممثلة لحياة الامة العربية والمفصحة عنها حتى الان. ان الجاهلية متمثلة بالشاعر الجاهلي، فهو لسان حال القبيلة متصل بها قلما ينفصل عنها أو يستقل بالكلام لانه يتكلم اكثر الاحيان بلسان الجمع. فالجاهلية تمثل تجانس المجموع الى حد بعيد وضيق هذا المجموع ايضا، فليس للفرد في الجاهلية مكان، انها طغيان المجموع على الفرد، فالقيم تستمد من هذا المجموع والفرد متقيد بها، والجاهلية تمثل أيضا تجاهلا للقدر كأنه لم يكن بينها وبينه أي صلة او أي تعارف واضح على الاقل. والجاهلي في شعره وتفكيره وسلوكه يعيش في عزلة المكان ووحشة الزمان، لا يتصل بالماضي ولا يتعرف على المستقبل او يتوقع منه شيئا، كما لا يتصل بالعالم المأهول النائي ولا يدرك سر الكون الواسع المحيط به. في حياته نقطة مضيئة واحدة هي سلسلة الحاضر، انها مسرح نشاطه وبطولته ولا يمكننا أن نتصور بطلا جاهليا بدون جمع يشاهدون بطولته ويصفقون له. ثم يظهر الاسلام فيحدث انقلابا في حياة العرب وفي أنفسهم. فالقيم لم تعد تستمد من المجموع، كما ان الفرد ليس هو الذى يفرضها. انها تصدر من مكان هو فوق المجموع والفرد معا، وفي هذا ضمان لحرية الفرد وانسجامه مع المجموع في آن واحد. أما صدر الاسلام فانه من ناحية اخرى يمثل اتحاد النفس العربية مع القدر بعد ان كانت متجاهلة له، فتصبح ارادة القدر هي ارادتها بعد عزلة المكان ووحشة الزمان، ويصبح العالم كله، لا بل الكون وكل ما هو منظور وغير منظور مسرحا لنشاطه ولتطبيق هذه القيم الجديدة التي ظهرت في الحياة العربية. والحاضر الذي كان النقطة الوحيدة التي ينمسك بها الجاهلي وينقذ بها نفسه من النسيان والعدم، أصبحت في نظر العربي الجديد المسلم هي النقطة المظلمة وحدها وكل ما عداها مضيئ، لانها هي مكان التجربة والامتحان، والهوة السحيقة التي لا تجتاز الا على جسر من الجهاد والتقوى. لقد تبدل القلق الخارجي في نفس العربي الجديد وحل محله القلق الداخلي، كما تبدلت عزلة المكان ووحشة الزمان بعزلة الفكر ووحشة في النفس والضمير فلم يعد الرجل يطمئن بسهولة الى قيمة أعماله، ويقتنع بموافقة المجموع او القبيلة، بل لم يعد يقتنع بتلك القيم التقليدية، بل لم يعد يقنعه شيء غير رضا ذلك الضمير الصعب الممعن في التشدد. هذه الفتره التي انتقل فيها العربي من الجاهلية الى الاسلام، من حياة سجينة في قيم المجموع وتقاليده الى حياة تتحقق فيها الحرية الفردية والمساواة بين الأفراد كانت قصيرة جدا لم يلبث العرب بعدها ان غرقوا في بحر لا نهاية له من الشعوب الغريبة المختلفة. ومنذ ان فقدوا بعد سنوات معدودة شعورهم بوحدتهم القومية وغرقوا في تلك اللجة المتباينة المتماوجة من الشعوب، عادوا الى عصبيتهم الجاهلية والى صراع القبائل وتنافسها، فعندما لا تتوافر الحياة القومية على شكلها الصحيح تعود الأنانية الضيقة والنظرة المحدودة. ولقد تلت هذا عصور الضعف، وتبدأ منذ ان فقد العرب هذا التجانس القومي وخير من يمثل هذه العصور هو المتنبي. قد يرى في هذا مفارقة لان المتنبي شاعر القوة غير انه في الحقيقة رد فعل لعصر الضعف، لذلك فهو يمثله تمثيلا صادقا. في هذا العصر تنعكس الآية، فالقيم لا تستمد من المجموع لانه تفكك وانهار وقام على أنقاضه أفراد يمثلونه، والفرد يستعد القيمة من نفسه ولا ينشد الا البطولة والقوة للقوة، وهكذا لم تعد القيم فوق الفرد والمجموع معا بل أصبحت قيما فردية يخلقها الفرد لنفسه، بعد ان كانت المساواة في الجاهلية على حساب الحرية، أصبحت الحرية في عصر الضعف على حساب المساواة، فالفرد يرفض التساوي مع غيره لأنه لا بجد مجموعا حيا ينتسب إليه، وهو وحيد لذلك يقول بمبدأ التفاوت ويتخذ لنفسه مثلا أعلى يعلو بنسبة افتراقه مثل الآخرين واختلافه عنهم واحتقاره لهم، وللمتنبي في التعبير عن هذا أقوال كثيرة. ان غايتنا من هذا العرض هي ان نعبر عن روح العربي، فنرى في أي وسط وضمن أية شروط تطمئن الروح العربية وتأخذ مداها وحريتها وتنطلق على سجيتها. الجاهلية تمثل وسطا عربيا صرفا غير أنه ضيق محدود، فقد كثرت التقاليد وبولغ بالاستسلام للماضي وللقيم الموروثة حتى تعذر وجود الفرد الذي هو وحده يحيي المجموع ويجدده. فالجاهلية تمثل جسما حيا قويا ولكنه سجين تعوقه العوائق فكان لا بد له من ان يتخطاها ويفلت من القيود. ثم أعقبت ذلك فترة قصيرة تحققت فيها مطالب الروح العربية في الحرية والمساواة وفي انطلاق النفس العربية والفكر العربي الى ما هو أثبت وأوسع من القيم النسبية الواهية، فارتبطت بقيم مطلقة ثابتة شعر العربي بالارتياح إليها والاطمئنان فأعطى كل ما عنده. ولما فقد الكيان القومي عاد الفرد الى الوحشة واليأس. قد يكون هناك بعض الشبه بين نفسية المتنبي مثلا وبين الجاهليين ولكنه شبه ظاهري خدّاع. ففي الجاهلية ضيق ينبئ عن امل واسع وثورة تتهيأ، في حين ان ثورة الفرد التي يمثلها المتنبي ثورة يائسة الى أبعد حدود اليأس، لأن العلاقة الحية التي لا يمكن للفرد ان يعيش بدونها وهي الارتباط بمجموع حي، قد فقدت في عصر الضعف وطغيان العناصر الأجنبية وتفكك الكيان العربي. ان غايتنا من عرض هذه الصورة البسيطة لفترات رئيسية من حياة الامة العربية -كما قلنا- ان نستخلص منها ما يفيدنا في حاضرنا فكيف يكون حاضر البعث الجديد؟ انه لا يزال مترددا حائرا فيه ميل الى سيطرة قيم المجموع كما في الجاهلية. فالبعث الجديد مهدد بأن يخنق نفسه ويغل نشاطه اذا تبنى هذا الطغيان للمجموع على الفرد والمجموع لا ينتج غير قيم نسبية، لذلك يكون البعث مهددا بأن يقوم على أسس متقلقلة لا تصمد للزمن ولا تصلح لكل الحالات. ويبدو هذا جليا عندما نرى البعض يقولون مثلا بأن العروبة فوق الجميع، فهم يقصدون بالعروبة ما يقرره المجموع. وفي مثل هذا القول خطر. فنحن نؤمن بأن العروبة فوق الجميع بمعنى انها فوق المصالح والأنانيات والاعتبارات الزائفة الزائلة، و لكن شيئا واحدا نؤمن بأنه فوق العروبة، ألا وهو الحق. فالعروبة يجب ان ترتبط بمبدأ ثابت يكون هو الضامن الوحيد لتجدد ولتكامل ولاستمرار حياتها نحو النمو والاتساع، فيجب أن يكون شعارنا: الحق فوق العروبة الى ان يتحقق اتحاد العروبة بالحق. ان الرسالة العربية اليوم هي في ان يتطلع العرب الى بعث أمتهم، فهذا خير ما يقدمونه للإنسان لأن القيم الانسانية لا يمكن ان تخصب و تثمر الا في أمة سليمة. فعلى العرب ان يحيوا حاضرهم حتى يستطيعوا ضمان حياة مستقبلهم لان المستقبل لن يأتي ما لم نتوصل الى ان نحيا حاضرنا بآلامه ومآسيه. ان الرسالة العربية الخالدة هي في فهم هذا الحاضر وتلبية ندائه استجابة لضروراته. والخلود ليس شيئا بعيدا في الأفق او خارج نطاق الزمن. انه ينبعث من أعماق الحاضر، فاذا فهمه العرب بصدق وعاشوه بإخلاص فانهم سيؤدون رسالتهم الخالدة. انهم اذا عرفوا هذه التجربة ومروا بها حتى نهايتها، وتغلبوا على ضعفهم وتقاعسهم ونفسيتهم السطحية الزائفة، لا يكونون قد بتوا أمتهم فحسب وانشأوا كيانا قوميا بل يكونون قد قدموا للإنسانية كلها بنتيجة هذه التجربة أدوات صالحة أيما صلاح ومهيأة أيما تهيئة لحمل أعظم الرسالات وأصدقها. عام 1946 منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الرابع)الرسالة العربية الخالدة حول الرسالة العربية(25)