في سبيل البعث - الجزء الثاني( الباب الثاني) صراع العرب مع الإستعمار والصهيونية(34)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث - الجزء الثاني( الباب الثاني) صراع العرب مع الإستعمار والصهيونية(34) الجمعة ديسمبر 30, 2011 3:21 pm
. في سبيل البعث - الجزء الثاني: الباب الثاني: صراع العرب مع الإستعمار والصهيونية(34) كانت جريدة "الجمهور" قد وجهت إلى الاستاذ ميشيل عفلق بضعةاسئلة، عن الوضع الذي انتهت اليه القضية العربية، في داخل الوطن العربي، وعلى الصعيد الدولي اثر الأحداث التي تتالت في السنتين الاخيرتين، وعن حقيقة الخطر الذي يهدد الأمة العربية وجميع الشعوب المناضلة في سبيل تحررها من جراء تساند الاستعمار والصهيونية العالمية واسرائيل، واعتماد هذه القوى على الرجعية المتآمرة في الداخل، وعن الاسس التي يجب أن يعتمدها العرب في درء هذا الخطر(1). *** أولاً- ماهي بنظركم ملامح المرحلة التي وصل اليها صراع العرب مع الاستعمار والصهيونية؟ لابد لنا قبل تحديد ملامح المرحلة الراهنة من الصراع بين العرب من جهة والاستعمار والصهيونية من جهة أخرى، لابد لنا ان نذكِّر بما تم من احداث خلال السنة الاخيرة. بالنسبة للوطن العربي نجد انه حقق أولاً: بروز الشعب العربي كتلة واحدة الى ميدان الصراع ضد أعدائه. ثانياً: ازدياد في الوعي والنضال والتضامن المتزايد والتنظيم بين اجزاء الشعب العربي في مختلف الاقطار من فوق الحدود ومن فوق الحكومات. وهذا ما يعبر عنه بالسياسة العربية التحررية التي تؤمن بأن الاستعمار والصهيونية هما الخطر الأكبر على وجود الأمة العربية. وبالتالي ان تركيز كل الجهود على النضال ضد الاستعمار والصهيونية هو أول واجب قومي على العرب في هذه المرحلة يلتقون عليه ويضحون في سبيل القيام به بكل الخلافات والاعتبارات. اما بالنسبة للوضع العالمي فقد ظهر بوضوح خلال العام الاخير أن هجوم الاستعمار والصهيونية على البلاد العربية ومحاولاتهما المتكررة، سواء بالعدوان أو بالتآمر، او بالتركيز على سياسة الاحلاف لتثبيت اقدامهما وتنفيذ مآربهما في البلاد العربية، ظهر بجلاء ان هذا كله مصدر للخطر على السلم العالمي، وبالمقابل فقد برز النضال العربي التحرري الممتد من الجزائر إلى الخليج العربي كقوة عالمية ايجابية اشعرت جميع الشعوب، المتحررة حديثاً من قبضة الاستعمار، والتي لا تزال تناضل في سبيل التحرر، وجميع الشعوب المتعلقة بالسلم كوسيلة ضرورية لانصرافها الى البناء والتقدم داخل مجتمعاتها، اشعرت كل هؤلاء بوحدة المصلحة والمصير مع الحركة العربية التحررية. وهكذا يمكن القول بأن هذه المرحلة التي بلغها العرب في نضالهم التحرري قد توفرت لها لأول مرة في تاريخ هذا النضال جملة شروط من الوعي والوضوح والقوة والانسجام مع الاتجاه الإنساني جعلتها تفرض نفسها على اعدائها واصدقائها على السواء في الداخل والخارج، فلم يعد من الممكن ان تشذ حكومة عربية أو فئة أو حزب عن طريق هذا النضال التحرري الواضح الاهداف، دون أن ترتمي اضطراراً وبصورة آلية في صف الاستعمار والصهيونية، وان تقف موقف العداء من الشعب العربي؛ كما لم يعد ممكناً لأية دولة أو حركة في العالم أن تقاوم وحتى أن تتجاهل شرعية النضال العربي دون أن تقع في صف الرجعية والاستعمار وتعرض السلم العالمي للخطر. منذ سنتين ذهب العرب الى مؤتمر باندونغ ولم يكن من بين الدول العربية سوى مصر وسورية اللتين اشتركتا بشكل ايجابي الى حد ما في وضع مبادئ باندونغ. مع أن حزبنا كان دوماً ينادي بهذه المبادئ ومع ان ثورة مصر قد وجدت مبرر وجودها في هذه المبادئ. ولكن لم يكن لها ذلك الأثر الفعّال. أما عندما أخذت الاقطار العربية المتحررة سورية ومصر ثم الاردن تمارس بجرأة وجد سياسة التحرر والحياد الإيجابي، اتجهت دول باندونغ بأنظارها صوب النضال العربي الذي حمل لواء تحقيق مبادئ باندونغ في تحرير شعوب آسيا وافريقيا وتوطيد دعائم السلم العالمي. وقد كان العرب قبل سنتين كمية مهملة بالنسبة للدول الاشتراكية كالإتحاد السوفياتي والصين الشعبية ويوغوسلافيا، أما اليوم فقد أصبحوا موضع اهتمام جدي من قبل هذه الدول ليس كما تحاول الدعاية الاستعمارية في التظاهر بأن اهتمام هذه الدول بالبلاد العربية هو اهتمام مصالح توسعية، بل إنه الى حد كبير اهتمام مصلحة مشتركة في دفع خطر الحرب وفي زيادة امكانيات النضال العربي. كذلك قبل سنتين كان زيف الحركة الاشتراكية في اوروبا الغربية وخاصة في فرنسا غير معروف وغير واضح، ولكن النضال العربي في الجزائر هو الذي فضح هذا الزيف امام العالم وامام الفرنسيين انفسهم. وقبل سنة كان ارتباط الصهيونية واسرائيل بالاستعمار امراً مجهولا لدى قسم كبير من شعوب العالم وفئاته التقدمية. ولكن نضال الشعب العربي في مصر وسورية والاردن اضطر اسرائيل والصهيونية إلى فضح هذه العلاقة الوثيقة والى ان تظهرا على حقيقتهما: الصهيونية كحركة توسع وعدوان واسرائيل كقاعدة واداة للاستعمار والعدوان. إذن يوجد في المرحلة الحاضرة موقفان للحركة العربية التحررية، موقف في الداخل وآخر في الخارج وقد وجد هذان الموقفان بقصد مواصلة النضال ضد الاستعمار والصهيونية. موقف في الداخل يعتمد هذا الموقف التركيز على هذا النضال التحرري ضد خطر الاستعمار والصهيونية المتحالفين المتداخلين، هذا من جهة ومن جهة ثانية التوسيع من رقعة هذا النضال وجبهته في اجزاء الوطن العربي، حتى يضم أكبر عدد ممكن من افراد الشعب العربي بمختلف فئاته وطبقاته في عمل منظم موحد. فهذه المرحلة هي بالدرجة الأولى مرحلة تحرر قومي ومعنى ذلك ان الاكثرية الساحقة تستطيع ان تشارك في هذا النضال وتلتقي على اهدافه رغم اختلاف المصالح والاتجاهات، إذ لم يحن الوقت بعد لتحقيق الوحدة العربية الشاملة ولتطبيق النظام الاشتراكي الكامل. ولكن هذا الالتقاء على هدف التحرر لكي يكون مخلصاً ويكون النضال في سبيله جَدياً مُجدياً لا بد من ضمانتين تضمنان اخلاصه وجديته، وذلك بأن يرافقه تحقيق مرحلي واقعي لخطوات عملية في طريق الوحدة، وفي مجال الاصلاح الاجتماعي لرفع مستوى جماهير الشعب الاقتصادي، فمرحلة التحرر هي مرحلة ثورية ولكنها بداية ثورة وليست الثورة الكلية. موقف في الخارج ولكي تكون الحركة العربية التحررية مستقيمة السير ومضمونة النجاح في هذه المرحلة فيجب ان يكون لها موقف خارجي ودولي منسجم مع مصلحتها ومع الاتجاه الانساني السليم. فعدو الحركة العربية التحررية هو الاستعمار والصهيونية وليس الغرب كشعوب، وبالتالي فإن سياسة الحياد الإيجابي هي التي تقي الحركة العربية التحررية من الاندفاعات وردود الفعل السلبية التي تقودها الى الانحياز فتضعف بذلك امكانيات السلم العالمي، كما تضعف امكانيات سيرها في طريقها الخاص المستقل. ولقد انتهت الان الى الفشل حملة الدعاية الاستعمارية الصهيونية المضللة التي بدأت إثر العدوان الاستعماري الاسرائيلي على مصر، وحاولت إظهار العرب واقطارهم المتحررة بمظهر المنحاز الى المعسكر الشرقي واختلقت خرافة التسرب الشيوعي الى هذه الاقطار. وبفشل هذه الدعاية تنهار بالوقت نفسه حجج الرجعية العربية لتبرير انحيازها الى الاستعمار وبصورة غير مباشرة الى الصهيونية بحجة اتقاء الخطر الشيوعي. وتعود مرحلة التحرر العربي اكثر وضوحاً من السابق، تظهر بحقيقتها الناصعة معركة بين الاستعمار والصهيونية من جهة، والقومية العربية من جهة أخرى. كما أن فشل هذه الدعاية الاستعمارية سيعيد الينا صداقة بعض الشعوب والفئات في العالم ممن كادوا ينخدعون بخرافة تسرب الشيوعية الى بلادنا وانحيازنا الى معسكرها وهذا ما يدعم ثقتنا بسلامة سياسة الحياد الايجابي وجدواها. ثانياً : الى أي مدى تعتقدون بأن الاستعمار والصهيونية يتساندان في القضاء على الحركات التحررية في العالم؟ وهل أن القضاء على النفوذ الاستعماري في الوطن العربي يؤدي بالضرورة الى القضاء على اسرائيل؟ فأجاب الاستاذ عفلق: الحقيقة ان هناك نظرتين الى الاستعمار والصهيونية وفي كل منهما نقص وانحراف؛ فمن المعروف ان الجبهة اليمينية تركز على اسرائيل لتصرف الانظار عن الاستعمار. ومن جهة ثانية توجد نظرة تحررية لا تتحرى الدقة عندما تجعل من اسرائيل والاستعمار اسمين لمسمى واحد. وهذا يحجب بعض الشيء خطر الصهيونية العالمية التي هي بلا شك حركة استعمارية. ولكنها حركة مستقلة قائمة بذاتها. اما نحن فنعتبر أن إسرائيل قاعدة للاستعمار دون شك فهو الذي خلقها ويدافع عنها ويغذيها لهذه الغاية، ولكن هذا لا يستنفد كل المشكلة، فالمشكلة هي اكبر. فإسرائيل هي ايضا تعبير عن قوة الصهيونية العالمية التي تستطيع أن تسخّر الاستعمار. والاستعمار يُسَخِّر إسرائيل. ولكن الصهيونية العالمية تستطيع ان تُسَخِر الاستعمار نفسه. فتوَصُّل العرب الى القضاء على الاستعمار يحل اضخم جزء من المشكلة ولكنه لا يحلها كلها، وبالأصح فإنَّ التوصلُ الى القضاء على الاستعمار يشترط حتى يتحقق ان يحسب حساباً لقوى الصهيونية العالمية وبالتالي فإن نضالاً آخر يجب ان يرافق نضالنا ضد الاستعمار هو نضالنا ضد الصهيونية. والصهيونية العالمية بما لها من نفوذ قوي استطاعت ان تسخر، بالإضافة الى القوة الاستعمارية، الطبقات الشعبية نفسها في كثير من البلاد، مستغلة الوضع التاريخي الخاص لوجود يهود في أوروبا تعرضوا في فترات زمنية للاضطهاد الديني والعنصري، ومستغلة المستوى الحديث الراقي لدولة إسرائيل من حيث الكفاءة الفنية وبالتالي تخلّف المجتمع العربي وطابعه الرجعي لتجعل من إسرائيل رائدة التقدم في هذه المنطقة من العالم وتجربة جديدة لحضارة الغرب في هذا الجزء من الشرق. ثالثاً: ما هي في نظركم الأساليب التي يجب ان يعتمدها العرب في نضالهم ضد الصهيونية؟ ان وجود إسرائيل يشكل أخطر مشكلة في مرحلتنا القومية الراهنة ويوجب علينا ان نجد لها الحل الكامل دون ان نتهرب من بعض المصاعب ودون ان نتهيب رؤية العلاقة العميقة التي تصل وجود إسرائيل بمشكلاتنا القومية من جميع وجوهها، اي فيما يتعلق بأسس نظامنا الاقتصادي والاجتماعي وتربيتنا السياسية ووحدتنا القومية، وان نرى بوضوح وجرأة ان كل تلكؤ في مواجهة مشاكلنا السياسية والاجتماعية ووحدتنا القومية بتفكير واسلوب ثوريين انقلابيين قد لا يؤخر حل مشكلة وجود إسرائيل فحسب بل يسمح بتدعيم كيانها الى حد يصعب أو يتعذر معه في المستقبل التخلص من هذا الخطر. فإذا عالجنا مشكلة اسرائيل على ضوء نظرتنا العربية الانقلابية التي ترتبط فيها صورة المجتمع العربي بصورة العالم والمجتمع الدولي والإنساني المقبل الذي يسهم العرب في تحقيقه، نصل الى النتائج التالية: ان ما يشكل خطراً على الامة العربية هو كيان إسرائيل كدولة لا وجود اقلية يهودية في الوطن العربي، وان التعجيل في النضال التحرري الوحدوي وتحقيق خطوات سريعة وجدية في هذين المجالين تقطع الطريق على اطماع الاستعمار في استخدام إسرائيل وعلى اطماع الصهيونية العالمية في استخدام الاستعمار للمحافظة على إسرائيل وتوسيعها. والتعجيل في النضال الاشتراكي العربي يضعف مخاوف الاقلية اليهودية من تعذر تعايشها السلمي العادل مع العرب، كما يزيل أو يضعف سلاح الدعاية الصهيونية العالمية في إستدرار عطف الشعوب الحرة والطبقات الشعبية على إسرائيل كدولة يراد لها أن تكون ملجأ لشعب مضطهد ولشعب راق متقدم. وأخيراً فإن إصرار العرب على إتجاههم الإنساني في المجال الدولي وتعاونهم مع الشعوب الأخرى في سبيل توطيد السلم والتقدم الإشتراكي لجميع الشعوب وسياسة الحياد الإيجابي، كل هذا يساهم في إزالة أسباب التعصب العنصري والديني في العالم ويساعد على إندماج الأقلية اليهودية في البلدان الأوروبية وبالتالي يضعف مبررات وجود إسرائيل. 27 تموز 1957 (1) جريدة البعث، العدد 63، 27 تموز 1957. منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
في سبيل البعث - الجزء الثاني( الباب الثاني) صراع العرب مع الإستعمار والصهيونية(34)