منتدى حزب البعث العربي الاشتراكي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى حزب البعث العربي الاشتراكي

مرحبا في الاعضاء
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 في سبيل البعث-الجزء الثاني:(الباب الرابع:)ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي:(72)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بشير الغزاوي




المساهمات : 726
تاريخ التسجيل : 11/12/2010

في سبيل البعث-الجزء الثاني:(الباب الرابع:)ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي:(72)  Empty
مُساهمةموضوع: في سبيل البعث-الجزء الثاني:(الباب الرابع:)ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي:(72)    في سبيل البعث-الجزء الثاني:(الباب الرابع:)ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي:(72)  Icon_minitimeالسبت ديسمبر 31, 2011 8:14 am

في سبيل البعث-الجزء الثاني:(الباب الرابع:)ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي:(72)  552657368
في سبيل البعث-الجزء الثاني:(الباب الرابع:)ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي:(72)  927403809.
في سبيل البعث-الجزء الثاني:
الباب الرابع:

ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي (72)
ليس هناك من يحل محل مصر
كان للإعتداءات الصهيونية والأميركية الأخيرة ضد أمتنا العربية والثورة الفلسطينية وقع شديد على النفس العربية. ليس لبشاعة الاعتدءات وهمجيتها، وإنما للعجز العربي إزاءها، فما هي أسباب هذا العجز في تصوركم؟ وكيف تكون عملية الخروج منه(1)؟
العجز العربي الذي تشيرون إليه ليس مفاجئا، بل هو طابع مرحلة أو حقبة من الزمن إمتدت طوال السنوات العشرين الماضية على الأقل. ولهذا العجز أسبابه القريبة والبعيدة التي تناولها المفكرون والمحللون وأسهبوا في تحليلها ودراستها. ولكنه في اعتقادنا حالة مؤقتة لا يمكن أن تستمر طويلا مهما قيل في خطورتها واستفحالها. وثمة أكثر من مؤشر على أن رحلة الخروج منها قد بدأت.
غير إن الشيء الجوهري والحيوي بالنسبة إلى مستقبل الأمة العربية ومستقبل نهضتها الحديثة، هو الطريقة التي تتم بها معالجة هذه الحالة. هل ستكون طريقة سطحية ووقتية وجزئية كما في الحالات السابقة، أو إنها ستعبر عن نضج تجربة عشرات السنين للفكر والنضال، وبالتالي أن تكون نتيجة دراسة وتخطيط يسهم فيه الفكر العربي في أعلى مستوياته، والمناضلون العرب الذين تتمثل فيهم التجربة النضالية الشعبية، وتتلخص بأعمق معانيها؟
بتعبير أوضح، يشترط في هذه المعالجة الجديدة لظاهرة العجز العربي، ولكيفية الخروج منها: الإيمان أولا بالمنطلق القومي، وثانيا بالمنطلق الشعبي الديمقراطي، وثالثا بالعمق الحضاري. ولقد كانت كل المعالجات حتى الآن تفتقد بعض هذه الشروط.
هنالك حقيقة مستقرة في أعماق الضمير العربي، حقيقة وجدانية ولكنها في الوقت نفسه علمية وموضوعية، مؤداها أن إمكانات الشعب العربي فيما إذا تحررت من حالة العجز الراهن، أي إذا انطلقت قوى الشعب النضالية وتوحدت وراء أهداف حية، أصيلة، معبرة عن حاجات الإنسان العربي بكامل أبعاد شخصيته القومية الحضارية، فإنها قادرة ليس على رد الهجمة الامبريالية الصهيونية واسترداد الأرض والحقوق العربية فحسب، بل أيضا على العطاء الإنساني والإبداع الحضاري.
ثمة ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي هي:
التجزئة، والتخلف، وفقدان الإتجاه الحضاري الواحد. فعندما تحسم مشكلة القومية بإقرار وحدة الأمة، وعندما تحسم مشكلة التخلف بالخيار التقدمي الواضح الحاسم، يبقى موضوع روح الحضارة، وعندئذ تقرر الحقيقة التالية:
إن الإسلام يشكل النسيج الروحي والحضاري للأمة العربية، فحركة الوحدة العربية، وهي حركة تأريخية، لم تتأخر أو تتعثر حتى الآن، إلا لأنها لم تطرح بمضمونها الكامل على الجماهير العربية.. أي بخياراتها الثلاثة: القومية العربية، والتقدم، والإسلام الحضاري.
لقد كان تحرك الجماهير العربية في مصر وانفعالها بالأحداث القومية الراهنة متميزا ولاسيما ضد الإعتداءات الامبريالية - الصهيونية على الأمة العربية. فما هو تفسيركم لذلك؟
لم نفأجأ برد فعل الجماهير العربية في مصر على الاعتداءات الاميركية-الصهيونية الأخيرة، بل كنا متأكدين من ذلك. وهذه ظاهرة ليست جديدة فقد كانت جماهير مصر العربية الوحيدة التي تظاهرت إستنكارا لضرب المفاعل النووي العراقي من قبل طيران العدو الصهيوني، رغم القمع الذي واجهتها به أجهزة أمن السادات. ثم استمرت الظاهرة وتطورت بعد زوال السادات لشعور الجماهير الشعبية في مصر بأنها هي التي حكمت على السادات واقتصت منه على استسلامه وتكبيله مصر بالمعاهدة التي فرضها العدو رغم إن الجيش المصري كان هو المنتصر. كما اقتصت جماهير مصر من السادات على عزله مصر عن جسم الأمة العربية، وتفريطه بقضيتها المركزية.. قضية فلسطين.
لقد انتزعت الجماهير العربية في مصر حريتها انتزاعا، ولم تأتها هبة من أحد. وهي ما زالت تتقدم في ممارستها النضالية والديمقراطية مولية القضايا العربية، وبخاصة قضية فلسطين إهتمامها الأول، كرد على معاهدة كامب ديفد، التي رمى منها العدو إلى إخراج مصر من ساحة الصراع العربي-الصهيوني، وتكليفها ما هو ضد طبيعتها، وتأريخها، وقدرها ومصيرها. أي أن تقف مكتوفة الأيدي، بينما العدو الصهيوني يغزو لبنان في عام 1982، فيدمر مدنه، ويلاحق المقاومة الفلسطينية بكل آلته الحربية ليقضي عليها. ولكنه فوجئ بالمقاومة الفلسطينية-اللبنانية الباسلة، والأعمال البطولية الخارقة، كما فوجئ بالغضب العارم يجتاح جماهير مصر التي كانت في ذلك الوقت متميزة في وقفتها الوطنية ضد العدو الصهيوني، وفي مؤازرة المقاومة الفلسطينية.
وبمقدار عمق الطعنة التي طعن بها السادات مصر ومصالحها الحيوية، ومركزها الدولي، ودورها العربي، كانت الصحوة ومحاولة التصحيح والتعويض قوية وأصيلة. لأن ما يحدث في مصر في السنوات الأخيرة، ليس أقل من مراجعة عميقة شاملة ذات أبعاد وحدوية وحضارية بدأت منذ الآن تؤثر إيجابيا في حياة الجماهير العربية في كل قطر من أقطارها وفي صنع المستقبل العربي.
فاذا كانت الهزائم والنكسات والردات قد أثمرت مثل هذه الصحوة، وهذا التفاعل الشعبي العميق مع المصير القومي العربي، فأصبحت الوحدة العربية في مصر حقيقة يعيشها الشعب في كفاحه ونضاله اليومي في سبيل المطالب الاجتماعية، أو في سبيل الحقوق والكرامة الوطنية، كما أصبحت محور تفكير المفكرين ومناضلي الأحزاب الوطنية والهيئات والنقابات الشعبية.. نقول: إذا كانت هذه هي الثمرة، فإنها حصيلة إيجابية وثمينة باعتبار وزن مصر الحاسم في النهضة والمصير العربيين.
إننا مستبشرون بهذا التحرك الجماهيري في مصر وبالتطور العميق في الوعي القومي الذي حدث فيها خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة. فقد أحدث ارتداد حكم السادات على سياسة عبد الناصر صدمة للشعور وللرأي العام في مصر، فبدأت المفاهيم القومية تكتسح العدد الأكبر من الطبقة المثقفة، والطبقات الشعبية بمختلف فئاتها، وتضعها أمام مسؤولياتها الوطنية والقومية.
ولكن يجب أن لا ننسى إن المسؤولية الملقاة على عاتق مثقفي مصر وجماهيرها الشعبية ليست بالمسؤولية السهلة ولا البسيطة، لأن الأعداء استغلوا الردة التي قام بها السادات، وهم مشاركون في صنعها، ليحتلوا مواقع في مصر ويضعوا الكثير من القيود، لكي يصبح الخروج من الردة أمرا بالغ الصعوبة.
لقد كان رأينا، منذ إن تمكن الشعب العربي في مصر من إزالة السادات أن مسؤولية نهوض مصر من كبوتها واستكمالها لخطوات استرداد حريتها وعافيتها، وتحطيم القيود المكبلة لحركتها وإرادتها، هي مسؤولية الجماهير العربية والمناضلين العرب على امتداد الوطن الكبير، بقدر ما هي مسؤولية جماهير مصر، وقياداتها المفكرة والمناضلة. إذ لم يعد جائزا أن يترك أي قطر عربي وحيدا في معالجة أزماته وظروفه المصيرية، وبخاصة مصر المستهدفة منذ زمن بعيد من قبل أعداء الأمة العربية لغرض عزلها وتعطيل دورها في حركة النهضة والوحدة العربية. فالمستقبل العربي يصنع الآن من خلال التحديات الكبرى وجواب الشعب العربي عليها، وهو على مفترق الطريق: أما أن يبقى سجين الضعف والعجز إذا بقي سجينا للتجزئة القطرية، وأما أن يحقق النقلة النوعية الوحدوية التي تضعه جديا على طريق النهضــة التأريخية، لاسيما إن الأمة العربية تقترب الآن من الوضع السليم الذي يؤهل للانطلاقات الكبرى، وللإبداعات وللأحداث التأريخية، طالما امتلكت مصر هذا السلاح التأريخي أو هي في سبيل امتلاكه.
لا يستطيع أحد أن يمن على مصر وشعبها العظيم، وقد كان العرب دوما مقصرين بحق مصر مع تفاوت في النسب، حتى عندما تكون تصرفات السياسة المصرية خاطئة أو منحرفة فإن العرب مسؤولون، لأنهم لم يحتاطوا من قبل لمنع هذا الخطأ أو هذا الإنحراف، ولم يفعلوا كل ما يجب أن يفعلوه.
وإذا كنا نشعر بالاعتزاز العميق والتفاؤل الكبير لموقف شعبنا العربي في مصر من إعتداءات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وللمطالبة الشعبية بإلغاء معاهدة كامب ديفد، وطرد السفير الصهيوني من القاهرة، وبرفض المعونات الأميركية على أرض مصر.. وغير ذلك من قيود التبعية، فإننا نعرف إن هذا يرتب واجبا قوميا خطيرا على بقية العرب وعلى الهيئات والأحزاب العربية المناضلة لكي تعبئ الجماهير من اجل التضامن المصيري الكامل مع مصر، وأن تفرض على حكومات الأقطار العربية، بحسب إمكاناتها المادية، ما يكون بديلا للمعونة الأميركية كحد أدنى ومرحلة أولى في مساعدة مصر على استكمال تحررها من قيود المعاهدة الصهيونية الاميركية، ومن كل ما يعيق انطلاقها الجديد في حركة النهوض العربي الشامل.
أهمية مصر، إضافة الى الجوانب العديدة، أن أوضاعها شفافة وكاشفة للاوضاع العربية بكاملها. شفافة بمعنى أن الشعب المصري بكل فئاته وقياداته من مختلف الاتجاهات ضد الإرتباطات التي ورط بها السادات مصر، والتي أفقدت مصر الشيء الكثير من استقلالها وسيادتها، وأفقدتها دورها العربي القيادي ووزنها الدولي المرتبط بدورها العربي، عدا عن التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، وهذه الارتباطات مستمرة ولم تتوقف الفئة الطفيلية التي اعتمد عليها السادات، والتي ما زالت تمثل امتدادا لحكمه في الوقت الراهن، عن الدفاع عنها وتبريرها بالإدعاء الباطل انها تمثل الخيارات التاريخية لصنع السلام، وتسبغ عليها ثوب المبادئ والقناعات في عملية تزوير لتاريخ القضية العربية كلها، ولنضال أبناء مصر.
وهي كاشفة للأوضاع العربية، لأن الاقطار العربية بمجموعها معترضة، بنسب مختلفة، على تورط مصر في هذه الإرتباطات ولكنها لا تستطيع أن تفعل شيئا وبعضها لا يريد أن يفعل شيئا، رغم علمه بأن الشعب المصري كله ضد هذا التورط، وهو معارض له ناقم عليه. وهذه الحالة من العجز الذي ينطوي بعضه على التآمر، إذ ليس كله عجزا بريئا، أعطت في الماضي حجة للسادات، وتعطي الآن حجة لمكملي سياسة السادات بأن لا بديل عن الطريق الذي سلكوه.
إن القضية العربية لم تكن في يوم من الأيام مترابطة في مشكلاتها وعقدها مثلما هي في الوقت الحاضر. فهناك أنظمة تحتج بكامب ديفد لإبقاء مصر معزولة، وهي في الواقع تريد من كامب ديفد أن يستمر، لأنها تجد مصلحتها الضيقة والوقتية في إبقاء مصر معزولة عن الأقطار العربية، وهي تضع ملياراتها في خزائن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية المؤيدة والداعمة للكيان الصهيوني، بدلا من أن تقدم بعضا منها لمصر لتتحرر من المعونة الأميركية. كذلك هي في سياستها المزدوجة في تأييد القضية الفلسطينية، بينما تدعم بكل الوسائل النظام السوري الذي يقوم بأعمال التصفية الجماعية للمقاومة الفلسطينية ومخيمات الشعب الفلسطيني كما يفعل الكيان الصهيوني تماما.
ليس هناك من يحل محل مصر بسبب عوامل طبيعية وتاريخية هيأتها لهذا الدور، ولكن هناك من يساعدها على اختصار الطريق وإنضاج الوعي للقيام بدورها. كما إن هناك من يعاكسها. إن ما يساعد مصر على أن تقوم بدورها القيادي حق القيام، هو أن تعرف بوضوح كيف ساهمت الأقطار الأخرى والحركات القومية في إنضاج هذا الوعي.
وهنا نشير الى دور العراق، فلو لم يكن حكم البعث في العراق منذ 17 تموز 1968 حتى الآن، لما أمكن أن يحصل ما حصل في العلاقة مع مصر، ولما كان تم خلال السبع عشرة سنة هذا التفاعل البشري، والتفاعل القومي، والتفاعل القتالي في الحرب بكل ما ترمز إليه هذه الحرب من معان قومية.
عراق البعث يعرف، لأنه بعثي، دور مصر ويعترف به.. ويعرف انه لا يمكن أن يكون البديل، فأخذ دور الشقيق المساعد المؤازر المعاضد. وعندما انتكست مصر وتآمر السادات على دورها، وقف العراق ليس من أجل أن يأخذ دور مصر، ولكن من أجل أن تستمر القيم التي دافعت عنها مصر والأمة العربية، ومن أجل أن تنهض مصر من نكسة الردة. ولا نظن أن صورة العراق الناهض والرافع لهذه القيم التي سقطت فترة في مصر، رغما عن مصر وعن شعبها، صورة العراق القوي بعد كامب ديفد، ثم صموده وبطولاته في حرب غير متكافئة، يدافع فيها عن الأمة العربية وعن طريق النهضة والمستقبل، لا نحسب أن هذه الصورة لم تسهم في رفع معنويات المناضلين في مصر والشعب عامة.
مصر هي القطر القائد، وهي الوزن الأكبر، وهي الروح والثقافة والشعب والأصالة.. ولكنها جزء، والعروبة أكبر منها، وكما إأن الأقطار العربية لا حياة لها إلا بمصر فأن مصر لا تستطيع أن تعيش إلا كجزء من الأمة.
منذ الغزو الصهيوني للبنان في عام 1982، تصاعدت الهجمات الشرسة ضد المقاومة الفلسطينية، من قبل الأعداء وبعض الأنظمة العربية. ما سبب ذلك في رأيكم وكيف تستطيع المقاومة أن تواجه هذه الهجمات، وتتجاوز مخاطر المرحلة؟
إذا كنا قد وصفنا حالة مصر بعد توريطها بالإرتباطات الأجنبية، وبمعاهدة كامب ديفد، بأنها حالة شفافة وكاشفة للأوضاع العربية، فإن القضية الفلسطينية هي أكثر القضايا العربية شفافية، وهي أيضا كاشفة للأوضاع العربية قبل أن تصبح حالة مصر كذلك.
فمنذ وجدت القضية الفلسطينية بتنفيذ المؤامرة الصهيونية الإستعمارية، وزرع الكيان الصهيوني في فلسطين، أصبحت هي القضية المركزية لنضال الأمة العربية، في مواجهتها لأعدائها الخارجيين من صهاينة وغرب إستعماري، وفي مواجهتها لتحديات الواقع العربي واقع التجزئة، والتخلف، والظلم الاجتماعي، وعزل الجماهير الشعبية، وستبقى دوما هي المعيار لمدى تقدم أو تقهقر قضية الأمة العربية في نهضتها الحديثة، والعروة الوثقى التي تشد نضال أبنائها في مختلف أجزائها. ولذلك فإن التآمر الامبريالي الصهيوني من أجل إنهاء هذه القضية يشتد ويتصاعد، وكانت أولى نتائجه الخطيرة، المؤامرة الامبريالية الصهيونية في عزل مصر عن جسم الأمة العربية، والتخلي عن القضية الفلسطينية بموافقة السادات والفئة الطفيلية التي شايعته في مصر.
إن الغارة الصهيونية الإجرامية الأخيرة على مقرات منظمة التحرير الفلسطينية في تونس والتي تمت بموافقة ومساعدة الولايات المتحدة، وما لحقها من أعمال قرصنة قامت بها أحدى أكبر قوتين في العالم ضد الطائرة المصرية المدنية، وما سبق هذه الغارة الإجرامية من غزو للبنان واعتداءات لا حصر لها عليه، إنما تهدف الى إنهاء القضية الفلسطينية، لا بل إنهاء الشعب الفلسطيني. والشيء المؤلم إن هذه الأعمال الإجرامية والمحاولات المحمومة لإنهاء القضية الفلسطينية، تتم بمساعدة أدوات عربية أحيانا، كما جرى وما زال يجري في لبنان على أيدي النظام السوري وعملائه. والقصد من ذلك، أي من إنهاء القضية الفلسطينية، هو ترسيخ التجزئة وتعميقها، وتفتيت الأمة العربية إلى أمم وطوائف وقبائل، إذا استطاع الأعداء ان يطمسوا قضية فلسطين. وهذا في اعتقادنا وقناعتنا من المستحيلات، إذ ستبقى قضية فلسطين هي قضية وجود الأمة العربية وتحقيق وحدتها ونهضتها، وستظل هي الضوء الكاشف للعجز العربي، والحافز الدافع الى التعرف على أسباب هذا العجز والعمل على تجاوزه.
عندما طرحت قضية فلسطين بعد عام 1948طرحت قضية النهضة العربية بمستوى ونظرة جديدين فقامت ثورات وانقلابات، استجابة فورية لما حدث، أكثرها كان ترجمة غير أمينة لتطلعات الشعب، لأن المطلوب كان تغييرا جذريا في العقلية وفي الأوضاع السياسية والاجتماعية، إذ كانت حرب 1948 برهانا على إفلاس المجتمع العربي حتى ذلك الوقت، وتخلفه، وعدم صلاحيته للصمود في مثل هذه المعارك.
ولأن قضية فلسطين، هي قضية الأمة العربية وقضية نهضتها بجوهرها الحضاري وبعدها الإنساني فقد أسميناها مرارا: قضية العصر، لأنها امتحان للضمير العالمي، ولأسس الحضارة العالمية، وأخلاقيتها. وبهذا المعنى فهي كاشفة أيضا، للأوضاع الدولية ولتصرفات الدول الكبرى التي تتحدث عن الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وتتصرف كالعصابات وبوسائل إرهابية لحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية، ومن حقه في تقرير مصيره على أرضه.
إن اشتداد الهجمة التي يشنها الأعداء بضراوة ضد المقاومة الفلسطينية، والتي يعاونهم فيها بعض العرب تأتي تنفيذا للمخطط الهادف الى إنهاء القضية الفلسطينية.
إن المقاومة الفلسطينية التي برهنت على قدرة غير عادية على الصمود والحركة وإبقاء القضية الفلسطينية حية ساخنة على المسرح الدولي، رغم الظروف والأوضاع العربية المعروفة، جديرة بأن تحظى بتقدير المناضلين العرب ودعمهم، وتفهم شعار استقلالية القرار الفلسطيني الذي ترفعه.
ففي مواجهة وضع عربي بهذا التردي والتشرذم، وبوجود أنظمة عديدة فاسدة ومتنكرة لمسؤوليتها القومية، تكون مطالبة المقاومة الفلسطينية باستقلالية القرار الفلسطيني حقا مشروعا بل واجبا وطنيا.
ولكن في نظرة ثورية مستقبلية لمعالجة الأوضاع العربية معالجة جذرية شاملة ورسم طريق النهوض من حالة التردي والعجز الراهنة، وتصحيح السير، وتوحيد الجهد والنضال، في عملية تاريخية تكون المقاومة الفلسطينية من ضمنها وفي قلبها، لا يعود لشعار إستقلالية القرار الفلسطيني من معنى، كما إن شعارات ومفاهيم ومبادئ سياسية كثيرة رائجة سوف تسقط ويبطل مفعولها وتفقد معناها كذلك. ومنها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
إذن، طريق الخروج بالنسبة للمقاومة الفلسطينية من المأزق الذي تدفع إليه دفعا، لا يمكن أن يكون إلا الطريق نفسه، لخروج الأمة العربية من حالة العجز التي تعتورها..
إن المقاومة الفلسطينية مطالبة اليوم بتوحيد صفوفها وتعزيز وحدتها لمواجهة هذه الهجمة ولكي تأخذ دورها في حركة الثورة العربية على طريق صنع المستقبل وبناء نهضة الأمة بأفق نضالي وحضاري جديد.
رغم بشاعة العدوان الصهيوني على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، وما تميزت به عملية القرصنة الاميركية ضد الطائرة المصرية من استهتار وغطرسة، فقد تجاوب الغرب مع العدوان، وصوره على إنه عمل بطولي! ما تفسير ذلك؟
كشفت الأحداث الأخيرة عن ظاهرة هي ليست بالجديدة، ولكن كثيرا ما تنسى أو لا تعطى الأهمية التي تستحقها في الأوقات العادية. هذه الظاهرة هي أن الغرب ما زال يشعر بأنه حضارة معادية للعرب والإسلام كحضارة أخرى، وأن حضارة الغرب هي المتفوقة، وهي التي استطاعت عبر القرون الأخيرة أن تفرض نفسها على العالم إلى حد كبير، وإنها رغم تفوقها ورغم سيطرتها لم تستطع أن تقضي على الصمود الراسخ في جوهر الحضارة العربية الإسلامية، رغم ما أصابها من نكسات وما آلت إليه من تخلف بالنسبة للحضارة العالمية.
بعد أن فشل الغرب في الاحتفاظ بمستعمراته وبالسيطرة على مقدرات معظم الأقطار العربية واضطر إلى الانسحاب، وجد في المشروع الصهيوني أداة جديدة، ووسيلة لإبقاء العرب في حالة التخلف والتجزئة حتى يسهل عليه استغلال مواقع وثروات هذه الاقطار، ولو بشكل جديد ومختلف عن الاستعمار القديم. ولقد كان اللقاء طبيعيا وقويا بين المشروع الصهيوني وسياسة الغرب الإستعمارية منذ بداية ذلك المشروع.
وعندما تحقق لهذين الحليفين: الإستعمار والصهيونية العالمية، إقامة الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، دخل الغرب في علاقة جديدة مع اليهود واليهودية. فبعد مضي أربعة قرون على النهضة الأوروبية، كان الغرب خلالها يعتبر أن حضارته مستندة إلى صيغة من التفاعل بين المسيحية والحضارة اليونانية-اللاتينية القديمة ويدرّس ذلك في جامعاته، إذا هو يجري تعديلا جوهريا على هذه المسلمة، أو يبدلها بأن أصبح الأساس لحضارته هو التفاعل بين الديانتين المسيحية واليهودية وهي عملية سياسية مفضوحة ليس لها من مبرر إلا القوة التي بلغتها الصهيونية في الغرب حتى استطاعت أن تفرض مثل هذا التعديل الأيديولوجي الأساسي، وإلا أطماع الغرب في استغلال البلاد العربية وثرواتها، واعتبار الكيان الصهيوني جزءا متقدما من حضارة الغرب مزروعا في قلب البلاد العربية تجمعه بالغرب صلات ومصالح وأهداف مشتركة. وأصبحت اليهودية، التي كانت إلى عهد غير بعيد موضوع تمييز ديني، وعنصري، واضطهاد في بعض الأحيان في الغرب، أصبحت اليهودية جزءا عضويا في جسم الغرب، وحليفا ليس لمحاربة العرب والإسلام فحسب، بل لمحاربة الاتحاد السوفياتي وزعزعة استقرار مجتمعه في الداخل، والتشهير به في الخارج.
منذ بداية الحرب العالمية الثانية اتضح إن من أهم أسباب فشل وتعثر النضال العربي التحرري ضد الاستعمار الغربي، أن ذلك النضال كان أولا : مجزأ غير موحد، وثانيا : أن قياداته لم تكن تؤمن بدور الجماهير، وثالثا : أن أهداف النضال لم تكن تعبر عن كامل الحاجات والنزعات والتطلعات التي كانت تخالج ضمير الجماهير العربية. إذ كانت الأهداف مقتصرة على النواحي السياسية ومغفلة للعدالة الإجتماعية، ولما يتعلق بحرية الإنسان العربي وكرامته، وما يتعلق بجذوره النفسية والشعورية والثقافية وبتطلعه الحضاري. وكانت المرحلة قد نضجت لمخاطبة الإنسان العربي والجماهير العربية بلغة جديدة، وبصيغة تحرك في هذا الإنسان وفي هذه الجماهير أقوى الدوافع النضالية وأعمق النزعات الروحية التي تدفع الشعب إلى النهضة والبناء، وتجدد فيه حسه التاريخي واندفاعه إلى الإبداع والمساهمة في صنع الحضارة الإنسانية أي بكلمة مختصرة، إن المرحلة أصبحت مهيأة لأن يأخذ النضال العربي صيغة مشروع حضاري جديد لأمة واحدة ذات تأريخ عريق ورسالة حضارية إنسانية، وطبيعي أن يحتل الإسلام كثورة عربية فكرية أخلاقية اجتماعية ذات أبعاد إنسانية، أن يحتل مركز المحور والروح في هذا المشروع الجديد.
هذا المفهوم الثوري الحضاري للإسلام جاء كنتيجة للمعاناة الفكرية النضالية للواقع العربي المجزأ المتخلف والمنقوص الحرية والسيادة، أمام الحضارة الغربية الاستعمارية الغازية المتسلطة، وأصبح هذا المفهوم بدوره ملهما لصيغة جديدة للنضال القومي تهدف إلى التحرر، والعدالة، والوحدة في سبيل تحقيق رسالة الأمة الإنسانية.
عندما أطلقتم نداءكم التأريخي إثر الهجمات البربرية التي تعرضت لها مخيمات الشعب الفلسطيني في بيروت على أيدي عملاء النظام السوري وبمساعدته دعوتم إلى مستوى جديد في النضال القومي، يتناسب مع المرحلة.
ما هي أبعاد هذا النضال؟ وما هي شروط انطلاقه؟
هذه الأحداث الأخيرة، على قوتها وخطورته، وما حركته من مشاعر شعبية عميقة وواسعة، في مصر بصورة خاصة وفي الوطن العربي كله بصورة عامة، كان يؤمل منها، ويمكن لها أن تتحول إلى منعطف تاريخي تحطم فيه الجماهير العربية القيود التي تفرضها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وتنهي زمن تلقي الضربات والعجز، وتدخل مرحلة جديدة من إمتلاك الأمة لإرادتها والسيطرة على مقدراتها، والإنطلاق في طريق تعبئة الجهود والإعداد الجدي للمواجهة الحاسمة مع العدو.
لكن ذلك لم يحصل، لأنه كان يشترط وجود المستوى القومي القيادي الممثل لإمكانات المستقبل والذي ما زال مفقودا، وتأتي الأحداث متلاحقة لتذكر المناضلين والمفكرين الملتزمين بقضية أمتهم بضرورة اللقاء والتفاهم والتخطيط من أجل هذا العمل المستقبلي المعبر عن توافر الشروط ونضج المرحلة للبدء في مباشرة مثل هذا العمل التاريخي، وبخاصة أن مصر قد ولدت من جديد في صميم المصير العربي، والقومية العربية، وهو كسب تأريخي لا يعادله في القيمة شيء آخر.
إذن، المستوى الذي يجب أن تطرح فيه القضايا العربية، هو مستوى الوعي القومي ومستوى التجربة النضالية، ومستوى التجرد القيادي، من أجل التعجيل في النهوض وفي القضاء على السلبيات وعلى التفاوت السلبي بين الأقطار، ومن أجل العمل الوحدوي بأفق مشروع قومي حضاري تأريخي.
هذا المستوى الذي يستطع أن ينظر بعمق وأن ينظر بعيدا في آن معا، الذي يستطيع أن يقدر أهمية مصر الحيوية حتى عندما تكون مصر في حالة نكسة وتقهقر، ويستطيع أن يكتشف ويتوقع عوامل القوة والصحة التي ستمكنها من النهوض وتنضج وعيها وتجربتها إلى الحد الذي يؤهلها للقيام بدورها القيادي بشكل أسلم وأنضج من التجارب السابقة.
إذن، لا غنى عن إيجاد هذا الصعيد الجديد الذي يتجاوز، ليس الأنظمة فحسب، بل الأقطار كأقطار مهما تكن أهميتها وخطورة إمكاناتها ومواقعها.
عملية بناء المستقبل العربي تتطلب مساهمة مجموع الأمة ومجموع أجزائها وأقطارها وفئاتها، الكبير منها والصغير على حد سواء. لأن كل جزء لا بد أن يملك مساهمة أساسية ثمينة يضيفها إلى إسهامات الأجزاء الأخرى. وفي كل جزء مهما يكن صغيرا مشاكل وسلبيات إذا لم تفهم بروح قومية عميقة رحبة، تستطيع أن تعطل مسيرة الأمة كلها.
18 تشرين الأول من عام 1985
(1) حديث لمجلة الطليعة العربية التي تصدر في باريس بتأريخ 28/10/1985
منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي – سياسي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
في سبيل البعث-الجزء الثاني:(الباب الرابع:)ثلاثة تحديات تواجه الواقع العربي:(72)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» في سبيل البعث -الجزء الثاني:(الباب الرابع:) :الشعب العربي يطلب تصحيح التجربة لا إلغاء الوحدة:(55)
» في سبيل البعث الجزء الرابع :(الباب الاول:)البعث لا يرضى باستغلال الواقع(12)
» في سبيل البعث: الجزء الرابع:(الباب الرابع:)الانقلاب العسكري الاول في سوريا مذكرة اللجنة التنفيذية لحزب البعث العربي(68)
» في سبيل البعث - الجزء الثاني( الباب الثاني) العلاقة بين الحكومات والشعب العربي(13)
» في سبيل البعث - الجزء الثاني( الباب الثاني) السياسة الثورية طريق التضامن العربي(24)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى حزب البعث العربي الاشتراكي :: المنتدى الفكري والثقافي(حزب البعث العربي الاشتراكي-
انتقل الى: