في سبيل البعث الجزء الرابع :(الباب الثاني:)علاقة التنظيم بالعمل الإنقلابي(23)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث الجزء الرابع :(الباب الثاني:)علاقة التنظيم بالعمل الإنقلابي(23) الأحد يناير 08, 2012 1:36 am
في سبيل البعث الجزء الرابع :ميشيل عفلق الباب الثاني: علاقة التنظيم بالعمل الإنقلابي(23) تعلمون ان مرحلة الإنقلاب في حياة الأمة، هي المرحلة التي يكون التشويه والانحراف قد طرأ على مختلف الاوضاع فيها، ليجعلها متناقضة مع مصلحة الشعب متعارضة مع التقدم والنهضة والإنبعاث القومي. وتمكن الفساد التشويه والإنحراف وانتشاره يحدث هزات في حياة الشعب، ويخلق نوعا من الإضطراب والشعور بالحاجة الى تبديل الأوضاع ومقاومة الفساد. ولكن هذا الشعور لا يتبلور بشكل واضح واع، الا عند اقلية من ابناء هذا الشعب، تدرك واقع امتها وتصمم على تبديله، وتتقدم الصفوف للنضال في سبيل قلب هذه الاوضاع وتغييرها، وتتجه الى الشعب لتنقل اليه وعيها، عاملة على تنبيهه وتثقيفه وتوضيح واقعه له، جاهدة لتسير بالشعب في طريق النضال المنظم. فمن خصائص المرحلة الإنقلابية اذن، ان تكون قيادة الحركة الشعبية بيد اقلية اذ لو ان اكثرية الشعب كانت قادرة على وعي مساوىء الاوضاع حق الوعي، ولو انها كانت قادرة على تنظيم صفوفها حق التنظيم، ولو انها كانت تسير من نفسها في طريق النضال الجدي لتبديل الاوضاع، اذن لما كانت المرحلة انقلابية، ولما كانت الأمة بحاجة لانقلاب في حياتها واوضاعها للنهوض، بل لسارت اليه وتقدمت، عن طريق التطور الطبيعي. ولكن مثل هذا الوعي الشعبي العام، ما زال غير متوافر والحياة السياسية ضمن شروط النظم القائمة، ما زالت قاصرة عن تمثيل ارادة اكثرية الشعب وعن ايصال صوتها، بل تمثل في كثير منها، مصالح اقليات مستغلة ومعادية لمصلحة الشعب الى حد كبير. وفي مثل هذه الحال، يأتي العمل الإنقلابي في كل بلد، وفي كل شعب، وهو من جهد اقلية منه. ولكنها اقلية من نوعية خاصة. اقلية واعية لواقع امتها مؤمنة بقضية بلادها وبحقوق شعبها، متجاوبة كل التجاوب مع حاجات الشعب العميقة وامانيه. هذه الاقلية تتقدم هنا لتمثيل الشعب، قبل ان يفوضها الشعب تفويضا صريحا بهذا التمثيل، وهي التي تبدأ بان تتجه للشعب لتوقظه على واقعه ولتنظم نضاله وتقوده في طريق الإنقلاب. وقضية التنظيم تطرح منذ البداية في العمل الإنقلابي. والا فكيف تستطيع هذه الاقلية الصغيرة ان تكون قوة وان تنهض باعباء النضال الفعال، وكيف للعشرات او المئات ان يقفوا في وجه الفساد وان يصارعوا الرجعية والاستعمار ومصالحهما الكبيرة الكثيرة، وكيف يقاومون ما خلفته عصور الانحطاط من جهل وانقسامات ومن فوضى مستعصية على العمل المنظم وحائلة دون تعاون الشعب ومشاركته، وكيف تستطيع هذه القلة بالتالي، ان تضم حولها قوة شعبية متكافئة مع ما تصدت له من صعوبات واخطار، كيف تستطيع كل هذا اذا لم تستنجد بالتنظيم، تستنفد به كل كفاءاتها وامكانياتها، وتعوض عن قلة عددها وفقر وسائلها، وتفتح امام عملها طريق النمو المضطرد. فالحركة الإنقلابية اذا لم تقم على تنظيم متين واع، تبدأ عملها ثم تتبعثر جهودها وتضيع بين شتى الاعمال الارتجالية، وتمضي دون ان تخلف اثراً في حياة الأمة. فالتنظيم شيء اساسي وحيوي يرافق العمل الإنقلابي بل هو من طبيعة هذا العمل ويستمد من فكرته الإنقلابية. ويجدر بنا هنا ان نسجل ملاحظة، حتى لا نترك اي مجال للالتباس وسوء الفهم. وهي اننا لا نعتبر للتنظيم قيمة في حد ذاته، اي لا نراه منعزلا عن الفكرة التي يرتبط بها ويستلهم منها قواعده وحدوده. فبتجريد التنظيم عن الفكرة تصبح قيمته فنية بحتة، يمكن ان تستخدم للخير وللشر في آن واحد، فعصابات الاشقياء تستند في اعمالها الى التنظيم. ومعناه وصلاحه متوقف على الفكرة التي توحي به وتشرف عليه وتمده بالروح. فالتنظيم لا يخلق شيئا من العدم، والتنظيم ليس كل شيء في العمل الإنقلابي، وهو لا يعني ان هذه الاقلية الإنقلابية، ترتجل فكرتها وحركتها ارتجالا، او تعود للتنظيم لتخلق بواسطته حركة من العدم. إن التنظيم، اي تنظيم كان، يعجز عن خلق شيء من العدم، ولكن الحركة الإنقلابية كما ذكرنا، انما تقوم في أساسها على مسلمة، على ان ثمة تجاوبا بين الاقلية الإنقلابية، التي كانت اسبق من غيرها الى وعي الواقع والشعور بالمسؤولية واقدر على ذلك، وبين بقية افراد الشعب، تجاوبا في الروح والحاجات والاماني. الاقلية الإنقلابية لا تبتدع شيئا من نفسها ولا ترتجل، ومهمتها في الواقع ان تترجم حاجات الشعب العميقة، هذه الحاجات التي تكون غامضة ومجزأة بالنسبة للشعب الذي لم يبلغ بعد الحد الكافي من العلم والوعي أو من القدرة على التعبير عن هذه الحاجات، وان عبر بين الحين والحين، بانتفاضات وحركات آنية تنم عن اتجاهه وعن حيويته وطاقته النضالية، كما تعبر بشكل جزئي وغامض بل ومشوه احيانا عن اهدافه التي يسعى اليها. ثم تأتي هذه الاقلية، التي هي من هذا الشعب، والتي يفترض فيها انها شاركت الشعب انتفاضاته ونضاله البدائي (وهذه الاقلية كانت في الاصل موزعة وغير متعاونة، ثم تعارفت وتوحدت بنتيجة التجربة والمراس الطويل والوعي. واصبحت قادرة على قراءة ما يعتلج في قلوب ابناء الشعب) لتتعرف من خلال آلام الشعب وانتفاضاته الارتجالية، على اهدافه الحقيقية وعلى امكانياته وقدرته على تحقيق هذه الاهداف. فعندما نقول ان الاقلية الإنقلابية لا بد وان تعتمد اعتمادا اساسيا على التنظيم، فلانها تبدأ من اعتمادها على ذلك التجاوب العميق بينها وبين اكثرية الشعب الساحقة، وتعرف ان طريقها الى قلوب الشعب مفتوحة، وان التنظيم هو الذي يمكنها من الوصول الى الشعب ومن قيادته، كما يمكنها من اختصار الزمن وتسهيل عقبات الطريق. وما مهمة الإنقلاب الا حشد القوى وتسهيل الطريق وازالة العقبات من طريق الشعب الذي يناضل في سبيل تحقيق اهدافه القومية. واذا كان التنظيم لا يخلق شيئا من العدم، فان هذا لا يتناقض مع كون التنظيم الإنقلابي ذاته عملا خلاقا. وذلك بمعنى ان هذه القوى والطاقات النضالية الكامنة في نفوس الشعب تبقى غير متحققة بغير هذا التنظيم الإنقلابي. ووجودها هكذا كامنة، مثلها كمثل رجل يحتفظ بمبلغ من المال في صندوقه دون ان يستعمله، فلهذا المال وجود ولكنه غير محقق لقدرته الشرائية وغير مستثمر. وقوة الشعب النضالية يكون وجودها هكذا كامنا او مهدورا، والاقلية الواعية اول من يشعر بهذه القوة النضالية الكامنة في قلب الشعب، ولكنها اذا لم تنقل هذه الطاقة الى حيز التحقق، تبقى وكانها غير موجودة. عمل هذه الاقلية هو الذي ينقل امكانيات الشعب ويجعل منها حقائق راهنة، ويخلق منها عملا ونضالا بناء، ومثل هذا العمل الإنقلابي المنظم عمل خلاق. لننتقل الآن من التحليل النظري الى الواقع الذي نحياه، لنرى ما هو موضع التنظيم في حياة شعبنا وفي حياة هذه الحركة الإنقلابية. لسنا بحاجة الى تكرار اوصاف هذا الواقع، فهو واضح يفرض نفسه على كل شاهد وبكل ما فيه من عيوب ونقائص. وعلينا ان نقيم قواعد وركائز وقلاعا ضمن هذا الواقع المملوء بالفساد والنقص والتخلف والجهل والميوعة، وعلينا ان نبثها هنا وهناك وفي كل ناحية، لكي تكون منطلقا للحياة الجديدة وللتوجيه الجديد الذي نريد نشره بين ابناء شعبنا، لنجذب الى هذه الركائز ولنكتل في هذه الحصون العناصر الاسلم من غيرها والاقل مرضا وتشويها والاقدر من غيرها على التفاهم والتعاون والاكفأ للعمل المنظم الواعي. وبهذا العمل تتسع وتنمو هذه الركائز والحصون، لتصل بالنتيجة الى تبديل حياة الشعب بكاملها وتغيير اوضاع البلاد كلها، ونصل بالتالي الى خلق حياة جديدة لامتنا. وهذه الركائز لم نسمها قلاعا وحصونا، الا لما ننشده من ان تكون متينة جدا لكي تصمد لمقاومة الفساد، والاعداء الخارجيين والاخطار المستمرة، وهذه العناصر الإنقلابية لكي تنمو في عملها ونضالها، ولكي تتقدم ولا تكتفي بالصمود يجب ان تكون من نوع خاص متميز، فلا يكفي ان تكون صالحة سليمة، بل يجب ان يكون النظام الذي تتبعه في عملها، صحيحا وعقلانيا ومتينا ومضمون الاستمرار والنجاح. وهنا لا بد من الاصرار على دور العلم والثقافة، ودور الخبرة والتجربة، وكثيرا ما رددنا ان البعث لا يمكن ان يكون الا على اساس العلم والمعرفة والكفاءات الفنية، اذ كيف يمكن ان نحقق انقلابا في حياة امة تخلفت مئات السنين عن مستوى البناء والابداع واعرضت عن المساهمة في الحضارة الانسانية، بل كيف يمكن ان نرفع امتنا التي كانت سباقة ومجلية، من جديد الى مستوى الابداع وخلق الحضارة، دون ان نعتمد كل الاعتماد على اساس متين من العلم والثقافة والخبرة الفنية وهذا ما يجب ان يقوم عليه التنظيم الإنقلابي ليكون قادرا على خدمة اهداف الإنقلاب وتحقيقها. فنحن هنا بحاجة للكفاءة والعلم وللافادة من خبرة وتجارب الشعوب المناضلة والامم المتحضرة، وهذه التجارب تعطينا قواعد ودلائل نسترشد بها في تنظيمنا ونقتدتي بها في عملنا على ان نلائم بينها وبين اوضاعنا ونعدل منها حسب ظروفنا، وهناك اشياء عامة ومشتركة لايستغنى عنها في اي بلد بالنسبة لاي شعب، وهناك قواعد اساسية خرجت من خبرة وتجارب طويلة للامم التي سبقتنا في مجال الحضارة. اذن فعملنا يجب ان يقوم على الاختصاص وان يسير في دأب واستمرار. وتنظيمنا يجب ان يكون متناسق الحلقات والاجزاء كالجسم الحي، كل عضو فيه يقوم بمهمته الخاصة ولكن ضمن المخطط العام الذي يضمن الحياة والنمو الكامل لهذا الجسم. والشيء الذي نريد الالحاح عليه هنا، لاننا قلما نوفيه حقه من الاهتمام والتقدير، هو ان التنظيم الإنقلابي الذي نحتاجه ولم نبلغ بعد مستواه، يتطلب انقطاع افراد للعمل الحزبي انقطاعا تاما، ليجعلوا من العمل الحزبي الإنقلابي شاغل حياتهم، منه يعيشون ويكسبون رزقهم، وفيه يضعون جميع امكانياتهم وكفاءاتهم وآمالهم وطموحهم. وبمثل هذا وحده، يمكن ان تنشأ عند هؤلاء الافراد، خبرة قومية نضالية عميقة، نتيجة الاستمرار الطويل والدأب والممارسة ومواجهة المشاكل يوميا، والوقوع في الاخطاء الكثيرة وتصحيح هذه الاخطاء بالتجربة والممارسة والمراقبة، والاتصال اليومي المباشر بحياة الشعب والتعرف الى مشاكله، والصلة الدائمة بحياة الحزب ومعاناة كل مشاكله وقضاياه للخروج من كل هذا بخبرة جديدة في كل يوم وكل سنة. وعلى هذا الاساس يستطيع الحزب ان يخلق افرادا يكونون في البدء آحادا ثم يصبحون عشرات ثم مئات والوفا، ويكون لكل فرد من هؤلاء، بنتيجة هذه الممارسة وهذا الايمان الذي تعزز بالعمل النضالي المتواصل، من الخبرة والكفاءة ما يعدل الفا ويستطيع ان يخلق الحركة والحياة في الف آخرين وان يكون مصدر اشعاع وتوجيه ووعي وقوة لمجموع الشعب. فالشباب المثقف الذي وعي ان مكانه التاريخي هو في هذه الحركة الإنقلابية، فتقدم اليها و سار في طليعتها، يجب ان يكمل هذا الوعي بالعمل النضالي الشعبي الإنقلابي المنظم. فلا يقف عند هذه المرتبه الاولى من الوعي، بل يرتفع الى مرتبة اخرى، ليعرف كيف تكون مشاركته على اقوى واحسن شكل، وليجعل مشاركته اقوى مردودا واعمق اثرا في حياة الأمة في هذه المرحلة. ميشيل عفلق تموز 1955
في سبيل البعث الجزء الرابع :(الباب الثاني:)علاقة التنظيم بالعمل الإنقلابي(23)