في سبيل البعث الجزء الخامس :(الباب الرابع:)نفهم الماضي من خلال تحملنا لمسؤولية الحاضر(80)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث الجزء الخامس :(الباب الرابع:)نفهم الماضي من خلال تحملنا لمسؤولية الحاضر(80) الأربعاء يناير 11, 2012 10:11 pm
في سبيل البعث الجزء الخامس : الباب الرابع: نفهم الماضي من خلال تحملنا لمسؤولية الحاضر(80) لحظة من اللحظات السعيدة (1) في العمر أن التقي بمعبدي طريق المستقبل العربي، لان المستقبل العربي لا يبنى البناء الصحيح إلا على أساس الماضي العربي الأصيل والفهم الحي لهذا الماضي، فأنا اشعر بالاعتزاز الكبير والشكر العميق لرفاقي المؤرخين العرب، لهذه العاطفة الكريمة التي أبديتموها، والتي أتقبلها وأنا شاعر أني لم اعمل ما يستحق هذا الثناء، وهذا التكريم، لأني جندي لا أكثر، واحد من الجيل الذي واجه مسؤولياته القومية قبل نصف قرن، وعملنا ولاقينا كثيرا من المصاعب والعثرات في طريقنا، وبعضها كان ذاتيا ومع ذلك فإننا نشعر بالرضا العميق عن هذه المسيرة لأنها أوصلت إلى هذه التجربة الفذة لعراقنا الحبيب التي تفوق التصور والتي سبقت أحلامنا، ولا أظن أنكم تجهلون أن الاندفاعة الأولى للبعث بدأت بالعراق وباسم العراق وبالإيمان بانتصار العراق والإيمان بالدور والرسالة القومية الوحدوية التي يضطلع بها العراق في هذه المرحلة التاريخية لحاسمة من حياتنا وكان ذلك قبل ست وأربعين سنة. أيها الأخوة الأحباء انطلق البعث من الحب لأمته، الحب لعروبته، الحب لتاريخه، وهذا شرط ضروري وأساسي لفهم التاريخ، فالموضوعية في البحث والفهم العلمي الذي لا يستضيء بالحب هو عاجز عن النفاذ إلى العمق، إلى الجوهر، لذلك زود هذا الحزب منذ بدايته بقوة حية متجددة على الأيام، إذ انه لم يقتصر على الرؤيا السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية، وإنما غاص في الأعماق وحاول أن يجدد صلته بعبقرية الأمة وان يسلك إلى ذلك طريق النضال والجهاد وليس طريق المعرفة فحسب او التأمل فحسب وإنما أن نفهم الماضي من خلال تحملنا لمسؤولية الحاضر، أن نعيد إلى الماضي حضوره وكأنه يعمل في الآن. هذه النظرة لا أجد أعمق من فهم أبطال العراق لها خلال المعركة التاريخية التي يخوضونها منذ سبع سنوات لأنهم طبقوها عمليا واستحضروا التاريخ العربي المجيد في كل يوم من أيام قتالهم واستبسالهم وتضحياتهم. أيها الإخوة تعرفون بان الحزب حزبكم، هذه الحركة القومية، حركة البعث العربي الاشتراكي انطلقت من مصدر أساسي من نبع أساسي من نبع روحي هو الإسلام العظيم، الذي أضاء لنا الطريق، ولقد حمل هذا الحزب منذ بدايته البسيطة المتواضعة هذا القبس الروحي، هذه النفحة التي ميزته وطبعته إلى زمن طويل ومستقبل بعيد، وهذا هو سر تجدد حيوية هذا الحزب، وحزب البعث لا يمكن أن يفهم إلا إذا أدركت هذه الناحية، وإلا إذا اعتبرت أساسية، بل الأساس الأول لانطلاقته ولتصوره للقضية القومية وتاريخها ودورها ومستقبلها، وفي البعث اقترنت العروبة بالإسلام اقترانا مصيريا، وهذا لا يتعارض مطلقا مع وضوح قومية الأمة بل يغنيها ويكشف عن أبعادها الروحية والأخلاقية والإنسانية. والإسلام ولد في أرض العروبة وضمن تاريخها وأهلها، ولكنه أصبح هو أباها، لأنها ابتداء من الإسلام ولدت ولادة جديدة، وأصبحت أمة عظيمة تاريخية، لها دور أساسي في تاريخ الإنسانية، وفي صنع مستقبل الإنسانية.. الإسلام أعطى للأمة العربية هذه الأبعاد، أعطاها مسؤولية الدور الإنساني العظيم، وأعطى العرب مذاق الخلود وطعم الحياة الحقيقية، التي هي جهاد قبل كل شيء، وفكرة ومبدأ وعقيدة، ولا خوف على العروبة ما دامت مقترنة بالإسلام، لأنه كفيل بان يجددها ويوقظ فيها هذه النزعة إلى السماء، إلى الخلود، إلى الأفق الكوني، إلى البطولة وحمل الرسالة.. وعندها تتهاوى الأمراض العالقة والمشاغل المادية والآنية التي لا تليق بأمتنا ولا تعبر عن حقيقتها وحقيقة رسالتها. انتم تعملون لإحياء التاريخ العربي من اجل غاية عليا، هي الوحدة العربية، لا تعملون من اجل مجرد الدراسة، وإنما تضطلعون بمسؤولية قومية، تدركون ضرورتها وتدركون أبعادها، هي أن ترجع لهذه الأمة وحدتها، لا بل أن نبني لها وحدتها، وخلاصة ما مر على الأمة من تجارب ودروس في هذا الزمن الصعب التي تستوعب الظروف الجديدة، وهي كلها دروس وتجارب تؤدي الى هذه الغاية، أي أن تتوحد الأمة، لان في وحدتها تتوافر لها القدرة على الصمود لمؤامرات الأعداء، وعلى أداء دورها ورسالتها في العالم.. لذلك كان البعث منذ البداية في نظر البعثيين هو حزب الوحدة، وعندما ذكرتكم بذلك التبني الذي يعتز به الحزب لثورة العراق عام (1941) سوف تجدون في الكتابات التي أصدرها الحزب عن تلك الثورة أن الوحدة العربية كانت هي المطلب وهي الغاية.. فالبعث كان يناشد العرب في كل مكان أن يهبوا لنصرة العراق لان العراق يضطلع بمهمة توحيد العرب وبالفعل أيها الأخوة نحن من جيل نشأ منذ الصغر على هذا الإيمان، هذا هو الجو القومي الذي كان سائدا في سوريا بأن العراق هو المؤهل لتحقيق وحدة العرب. إن مهمتكم في إعادة كتابة التاريخ العربي، هي ان تكشف عن هذا العداء المتعدد الجوانب والأطراف الذي يجمع أطرافا عديدة لمقاومة نهضة العرب، ولاستلاب دور العرب الحضاري، فالغرب الاستعماري منذ الحروب الصليبية إلى اليوم يحاول هذه المحاولة.. ثم تقوى بحليف جديد هو الصهيونية، ثم استطاع مع الآسف الشديد أن يجد حليفا له في شعب مسلم واقع تحت تأثير الشعوبية، ويعاني من العقد الشعوبية. ومعركة العراق كانت بالفعل معركة المستقبل العربي، معركة الأمة العربية كلها، ومعركة المستقبل العربي لأنها تصدت لكل هؤلاء الأعداء، وكان صمود العراق، الصمود التاريخي النادر فاضحا لهذا التحالف بين أطراف كان يظن بأنها متباعدة، أي أن يكشف عن التحالف بين إيران ونظامها الشعوبي وبين عنصرية الصهيونية، وبين أطماع الغرب الاستعماري التوسعي، فهي معركة المستقبل لأنها المعركة الصعبة التي لم يخض العرب معركة بمثل صعوبتها حتى الآن، لأنها تتطلب مستوى عالي من الإيمان والإخلاص لقضية الأمة والغيرة على مصيرها، ولئن أشكل الأمر في بداية الحرب على بعض العرب والمسلمين، ولكن صمود العراق التاريخي أوصل إلى النصر المبين عندما انكشفت العلاقة الصميمية بين إيران والكيان الصهيوني في فضيحة الأسلحة التي تقدمها إسرائيل للخميني منذ بداية الحرب والتي هي مستمرة حتى الآن لم تتوقف. إذن فنحن في هذه الحرب نعمل للوحدة العربية، نعمل للمستقبل العربي الجديد، نعمل لتوحيد العرب، ونعمل للوحدة الإسلامية الصحيحة عندما نكشف عن المرض والخدع، وعندما يتلاقى المسلمون على المبادئ الصحيحة القائمة على الوعي بالدرجة الأولى، عندئذ يعرفون من هم الأعداء الحقيقيون ومن هم الذين لا يريدون للأمة العربية أن تنهض وان تتوحد لأن بنهوضها وبوحدتها ينتصر الإسلام ويعلن عن وجهه الحقيقي الإنساني السمح الذي تحتاجه الإنسانية اليوم كما احتاجته في الماضي، وكما ستبقى بحاجة إليه في المستقبل. هذه رسالتكم وهي رسالة عظيمة ودافعة إلى الحماس والى التفاني لأننا بدأنا نسير على طريق النصر والنهوض ونتجاوز حالة المرض والتردي، فبارك الله بجهودكم ولتكونوا طليعة هذه الأمة في تطلعها إلى مستقبل ناهض سعيد تسوده القيم السامية ويكون لأمتنا إسهامها في تحقيق الخير والعدل للإنسانية جمعاء. لساني عاجز عن الشكر وعن التعبير عن سعادتي وفرحتي بهذا اللقاء، هذه مكافأة العمر بالنسبة لي، لأن حب العراق رافقني منذ السن اليافعة وتحققت أحلامي بما أشاهده وبما اسمعه، فبارك الله فيكم انتم الاصلاء الكرماء. 23 آب 1987 (1) كلمة أثناء حفل تقلده وسام المؤرخ العربي من قبل اتحاد المؤرخين العرب في 23-8-1987. الصفحة الرئيسية للجزء الخامس
في سبيل البعث الجزء الخامس :(الباب الرابع:)نفهم الماضي من خلال تحملنا لمسؤولية الحاضر(80)