منتدى حزب البعث العربي الاشتراكي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى حزب البعث العربي الاشتراكي

مرحبا في الاعضاء
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 زبيبة والملك"رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين(الجزء الأول)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بطرس توما




المساهمات : 78
تاريخ التسجيل : 11/12/2010

زبيبة والملك"رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين(الجزء الأول) Empty
مُساهمةموضوع: زبيبة والملك"رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين(الجزء الأول)   زبيبة والملك"رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين(الجزء الأول) Icon_minitimeالسبت مارس 19, 2011 10:41 am

زبيبة والملك
رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين
الجزء الأول
يسر موقع النهى* أن يضع بين يدي قرائه الكرام أول رواية لكاتبها صدام حسين ، تلك الرواية التي أخضعتها المخابرات الأمريكية للدراسة في محاولة لسبر أغوار شخصية الرئيس صدام حسين قبل غزوهم المجرم على العراق وجدير بالذكر أن الرواية ترجمت إلى اللغتين الصينية والفرنسية ، وها نحن نضعها بين يدي قرأنا الكرام بعد مراجعتها وتقسيمها إلى أجزاء خمسة ، متمنين لجميع الخيرين من أمتنا التوفيق والسداد..
ما أكثر الغرائب والعجائب.بل البطولات ومستوى الفعل العظيم.وحتى المعجزات في العراق إلا تتسع الحياة لما هو مألوف وغير مألوف..السياق الدارج والصعود من غير تدرج يسبقه؟ بل هل يمكن أن يكون لها عمق ما لم يردف غير المألوف ما هو مألوف فيها؟وهل تكون الأرض المستوية جميلة لناظرها من غير علامات بعضها قمم؟
ألا يعرف وصف الحال بنقيضه,ويعرف اللون بما يجاوره من ألوان أخرى؟.. وتعرف قيمة المرتفع بما يجاوره من ارض مستوية؟ألا يمتد العراق بين الأرض والسماء وما بينهما من الصفحات الأولى في الأزل؟
الم يقم فيه وليس في غيره بناء بارتفاع شاهق,امتد بين الأرض والسماء,وعندما لم تتحمل قاعدته الثقل بين القمة والسفح,أوعندما غضبت السماء,انهارت القمة, وجزء مما هو بين القمة والقاعدة من الأعلى,وبقيت القاعدة وجزء منها يمتدان إلى مسافة ما قبل القمة,مثلما حصل في الزقورة الشهيرة في أبي غريب,التي شيدت في بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد.؟
ثم,ألم تكن فيه,وليس في غيرة,واحدة من بين سبع عجائب الدنيا هي الجنائن المعلقة في بابل,ولو كان الحكم منصفاً لسمي نصف من العجائب السبع فيه وانتسب إليه ...
الم يهبط ادم وحواء إلى العراق بأمر الله؟ ويولد إبراهيم علية السلام فيه؟وتنتسب إليه النبوة والأنبياء لمرحلة ما بعد نبي الله إبراهيم وما بعد ذلك إلى آخر رسول نبي هو محمد صلى الله علية وسلم؟
أليس هو,أو جباله,أو هضبة(النجف) فيه, موطن نبوة نوح علية السلام؟هي المرحلة الثانية بعد نبي الله آدم علية السلام .
وهل ثمة من يستغرب من أي غريب, قياساً بالسياق الدارج, إذاً ما حصل خارج السياق في العراق؟
الم تنهض روح رسالة الأمة من جديد في العراق , معطرة بأريج النبوة وبركتها ,بل وما يوصل الحي بما هو في ذمة الخلود من نبض دمائه,قبل وإثناء أم المعارك الخالدة لترتفع راية الأمة العربية من جديد,بعد أن لطخها العملاء والضعفاء,ممن نسبوا إلى الأمة زورا بعارهم,وبعد أن طغت الصهيونية وتجبرت هي وتحالفها البغيض مع أمريكا,حتى صار من شبة المستحيل معه أن تجد من يتصور قبل ألان,حتى ولو للحظة واحدة ,إن كابوس الاستحواذ على العالم, وإذعان العالم له,يمكن أن تكون له نهاية , في أمر ليس بعيدا جدا,أو أن يكون ثمة طائل وجدوى من مقاومته, وان هذا الضعف ليس ضعف حكام فحسب, وإنما ضعف من ضعفوا, حتى من مسميات كانت تدرج حتى وقت قريب ضمن قائمة الأحزاب والحركات والشخصيات التقدمية والثورية؟؟
أليس من العجب العجاب, بل وما يقرب من وصف معجزة أن ينهض راكبا حصانة, ممتشقا حسامه ليقول:ها أنذا العراق, وحدي على الأرض.. أقول بصوت مسموع, وجنان ثابت:قف مكانك, أو تراجع أيها الظلم والطغيان.. هنا ارض الرسالات والأنبياء .. في الوقت الذي يرعاه ربة من اعلي سماء ويصدح بصوت مدو:لا, لن نركع إلا لله , وليخسأ كل **** ,أو عميل, أو وطني يضلع ..لا , لن نستسلم, وليخسأ كل عربي نسي انه يعربي, وأنه إلى الله وحدة يسلم .
كان العراق, إذن بلد النبوة والرسالة .. بلد الحضارة والتجارة والطهارة, فيه نبت الزرع أولاً, ووجد اللبن مجراه في الضرع ليعلن الحياة, وليبدأ العالم بطهارته وخطيئته, بالحلو مع المر من الحياة.. على الأرض التي منها تفتح الباب إلى السماء, حيث عليين , أو إلى النار لمن يصليه الجحيم.
في العراق بلد سومر , وأكد, وبابل, وأشور, والحضر, وبغداد, وسامراء.. بلد كل صقر أغر, وكل ماجدة بهية, من غيرها ما كانت الشمس لتخلق , ولا وجد القمر سبيله في السماء, ولا استقام نبت على ساقه , يعجب الزراع , ليغيظ به الكفار, ولما كان المطر...
فأرض العراق مثلما هي غنية بقصص الفروسية والعمل والبناء, والإيمان, في السهل والجبل. وفي الهور حيث ينعكس في ليلة مقمرة على سطح مائة الجدي وزحل , تجد الغرائب إلى جانبها, والنقائض إلى جانب ما يعجبك منها .. ولكن في العراق, لا يفرخ الدجل , ولا يوجد فيه هزال , وليس فيه صفة الهزل.. فيه: كان يا ما كان.. هكذا روت عجوز من قريتنا, اسكنها أهلي وكنت أناديها: جدتي, وكانت حكيمة ذكية, يعود أهل القرية إليها, نساء ورجالا.لينهلوا منها النصيحة والحكمة, بل وكانت طبيبة القرية أيضاً, يحبها الصبيان والصبايا كثيرا, ويستمعون إلى حكمها وحكاياتها إلى جانب الكبار, رجالا ونساء.., حكت لنا يوما فقالت:
كان في قديم الزمان, ملك عظيم المكانة والشأن .. بسط نفوذه, وانطوت له الأجنحة احتراما, وسلاما, ومحبة, وإيماناً, أو هيبة وخوفا من الخائفين من فعل أنفسهم.. كان ذلك قبل أن يريد الله عن طريق رسله وأنبيائه , وضع حدود واضحة لما يعد حلالا أو حراما , أو قبل أن يكون الناس مستقرين على قاعدته , طائعين لمعانيها وشرائعها , أو طقوسها , بنفس الدقة والوضوح اللذين صاروا عليها في ما بعد.. سلم ناسه له , بين طائع أو مجبر , بعد أن صار ملك زمانه: ملك الجهات الأربع, وهكذا كان من يريد أن تنحني له الرقاب طائعة إلى مدى وعمق أعمق من عمق المكان الذي يحل فيه عرشه ويؤثر فيه , من ملوك لا ينتسبون إليه, ويحكمون خارج مقر حكمة , في أعماق العالم القديم , والى المدى الذي صار من يخشون سطوته, إن لم يقنعوا بحكمهم شعبهم , باسمة, يحكمون ويعلنون ويطاعون.
انقطعت الجدة عن الكلام لمتابعة شأن من شؤونها في تلك الليلة الشتائية, ونحن نتحلق قرب نار لا تكاد تدفئ إلا من كان لصيقا بها, ولم اعرف مغزى هذه الرواية العجيبة, لكنني اعرف هذه المرأة جيدا , واعرف أنها كانت حكيمة بما يكفي , قياسا بأهل زمانها, ضمن حدود المكان الذي كانت تعيش فيه مع أهل قريتها الغافية على نهر الزاب, على مقربة من جبل مكحول, إلى الشمال الشرقي منه وعلى الضفة الشرقية من نهر دجلة قبالة مدينة الشرقاط , حيث أثأر مدينة أشور التي يعود تأسيسها إلى الألف الثالث قبل الميلاد, في العصر الأشوري الأول.
اعرف بأن الجدة هذه كانت تتعمد أن تلتقط لنا حكايات , ربما بعضها مبتكر, وبعضها الآخر من قصص التراث الشعبي, مع ما يمكن أن تدخله عليها, أو تحذفه منها , بما يجعلها ملائمة للمغزى الذي تريد أن نلتقطه منها , ويؤثر فينا بما يحقق هدفها.., وكانت جدتي مثلما هو شأن كل الجدات المربيات لأجيال من الشباب والشابات, من أبناء بناتهن أو أبناء أولادهن , تحرص على أن تظهر مع تركيز خاص لما تريد أن نمتنع ونتخلى عنة, أو نتمسك ونعمل به, من خلال قصة أو رواية , وكل حال حسب ظرفه وهدفه.
هكذا كانت الجدات, بل العمات والخالات أيضاً, ممن تكون أعمارهن في الأغلب , اكبر من أعمار الأمهات, يعتنين لهذا النوع من القصص , وكن لما يروينه من روايات أو أمثال وحكم كأنهن تلفزيون بيت, بل وليت تلفزيونات هذا العصر تصل في جوانبها التربوية إلى عشر معشار ما كنا نتلقى من دروس على أيديهن .. وكان بعض الرجال يروي في المضايف والدواوين, أو في البيوت بين الأهل, ما هو شبيه بهذا, بما يربي معاني الفروسية والتقاليد الطيبة بين الفتية والشباب..
واصلت الحكيمة حكايتها فقالت:
ضاق صدر الملك من وحدته في قصره, فخرج طالبا الفلاة خارج المدينة , ولاح له قصر من بعيد.. وبعد أن سار هو وموكبه باتجاه بما يقرب من نصف ساعة في حسابات الزمن لهذا العصر , بين أن يهذبوا على الخيول , أو يغيروا, أو يسيروا بصورة اعتيادية, اقترب الملك وموكبه من القصر, ورآه كأنة قصره الذي خرج منة لتوه, ولكنة اصغر حجما منة, بقليل... وعندما سأل عن عائدية القصر, قيل له أنة لتاجر كبير, صديق للكثرة الكاثرة من الأمراء, ويقيم فيه الدعوات الفخمة.. أما المزرعة وما فيها, فقد أهداها له, أو لوالدة, واحد من الملوك السابقين..
هنا حاولت الراوية الحكيمة أن تمزح معنا: ألا ينبغي أن يكون أصدقاء الأمراء , ومن يتقبلون الدعوات ليكونوا على موائدهم, من العناوين الكبيرة: تجارا كبارا, إقطاعيين كبارا.. أصحاب نفوذ كبار.. متعهدي دور العبادة.. حتى سماسرة كبارا؟.. ثم أليس الملوك كرماء من أموال الشعب لغير الشعب؟.. أليس كرمهم للأغنياء, يا أبنائي, أم تعتقدون إنكم تصيبون شيئاً منه؟
هكذا أكرم احد الملوك صاحب القصر المنيف حسقيل بما أكرمه, وبقيتم انتم على هذا الحال مع جدتكم, في هذا (الخربوش) الذي بالكاد يصمد لريح الشتاء, أما المطر فيتخلل من سقفه كلما ابتل بنقاط قليلة منه..
قالت ذلك وهي تضحك, بل وتقهقه أحياناً, كنا لشقاوتنا نضحك عندما تظهر أسنانها متفرقة, حيث الزمن هدم جزءا منها, وجزء أخر هناك, بالكاد بقي نصف الأسنان بين فكيها, بعد أن برى الزمن ما براه منها حتى أبقى جذورها وما فوقها بقليل.

وعندما كانت تتحدث عن الملك والملك والملكية, كانت تلوك الكلمات, وتحبس كل واحدة منها بين شفتيها لحظة من الزمن, حتى تتحول إلى أحرف, كأنها بهذا تجبر خاطرها وما فيها من قصور في الجاه والملكية والقدر ...
وعندما تتذكر كيف زفوها لابن عمها , لقاء صداق لم يتجاوز لعشرة نعاج, قبضها والدها, دون أن يعطيها واحدة منها, أو يشتري لها حتى ولو ثوبا(دشداشة) جديداً واحدا, تتجرع الحسرات, برغم أن ذلك قد حصل منذ ما يقرب من الأربعين عاما على الأقل.
نبهتنا الراوية لكي لا تتحول عن حكاية أو قصة الملك إلى قصتها هي, فعادت لتقول:
- استغرب الملك مما سمعة عن حسقيل وقصره , ولكنة تابع السير باتجاه كوخ صغير كان الأقرب إلى السياج الخارجي لقصر حسقيل, فتبعة حسقيل على ظهر جواد, بعد أن عرف أن الملك جاء إلى قصره, ولكنة لم يدخله... وكان الملك قد أمر الحرس بأن يمنعوه من أن يدنو منه, منذ أن اقترب من الكوخ, الذي خرجت منة فتاة جميلة في مقتبل العمر, اسمها ز ب ي به...
رحبت زبيبة بالملك, وناشدته بمنطق عالي المستوى, وبأدب جم, أن يترجل, لتقوم بخدمة الضيافة..
وكان شيخ طاعن في السن يقف إلى جانب زبيبة, استطاع أن يقدر أنة من عائلتها..
ترجل الملك..
وعندما التمست ز ب ي به من الملك أن يدخل الكوخ, دخلة فعلا , وأجلسته على كرسي صنع من سعف النخيل.. ولكن الملك لا حظ أن الكوخ نظيف من الداخل, وان أشياءه وضعت وفق ترتيب وتناسق خاصين.
أليست تعقيدات القصور, وأشيائها, وجدرانها السميكة مما تعافه نفس من لا يكون فقير معنا, يتشبث بالمظاهر غير الضرورية, إلى الحد الذي تميت نفسه, وحتى ذوقه؟ ألا تنتمي هذه الصلة المباشرة بالطبيعة, كما هي, الذوق, قدرة اختيار الألوان المناسبة, مثلما ينمي الهواء الطلق الصحة والبناء النفسي للإنسان؟..
أجابت زبيبة عن كل تساؤلات الملك حول حياتهم, وأشياؤهم, وظروفهم, بما بهر الملك, وخاصة عندما كانت تتوسع في الإجابة بطريقة أبقت الملك بحاجة ليستمع المزيد.. وكانت كلما خاطبت الملك, أو أجابت عن شيء, تردفه بمستوى عال من اللياقة والأدب, إلى جانب البساطة وليس التعقيد وبما يريح النفس, ويغني المعرفة.
أعجب الملك بـ زبيبة ..
أليست بساطة زبيبة, وذكائها الفطري المختبر بتجربته, وعدم تصنعها في السلوك, هو ما يحتاج إليها القابع في قصره, والذي لا يرى ولا يسمع إلا ما هو جزء محسوب مسبقا في سياق ممل وثقيل ؟..
نعود إلى ما قالته لنا تلك العجوز عن ذلك الملك الذي تدور حول محورة روايتنا هذه:
بعد أن أكثر التردد على بيتها, وبعد إن صارت زبيبة تزوره ومن وفق ما سيأتي ذكره لاحقا, انتهى الملك إلى أن حبا زبيبة حبا جما, لم يرتقي إلية حب أي امرأة حبها تحت أي عنوان, ومن ذلك زوجاته وحبيباته..كانت إذا مشت على الأرض يفلت قلبه خارج قفص صدره ليباريها , أو يتدحرج إمامها ليحميها , أو يعقبها خلفه ليعرف إلى أين مسراها, ويكون مشعلا أو شمعة لها عندما تخرج من قصره..
ولكنه لم يفاتح زبيبة بحبة لها , وكان يحاول أن لا تكتشف أنه يرتبط بأكثر من رابطة علاقة تريحه مع واحدة من الشعب, لأنة في الغالب محصور بين جدران القصور وتقييداتها..
وبعد أن كان الملك لا يسأل عن أي شيء وحال تفعله مع زوجها, ولا يغار عليه منها, باعتباره زوجها صار يغار عليها حتى من الهواء والماء.. وربما من لقمة الطعام وهي في فمها, _نعم _ أقول _من حق الملك أن يغار على فم زبيبة, ومن حق الزوج أن يغار على فم زوجته.. أليس الفم مما ينبغي أن يغار المرء عليه؟ أليس هو من خصوصيات المرأة التي تجذب الرجل أو تنفره منها ؟ مما يقتضي أن تراعي المرأة الذكية ذلك فيها,فتستخدمه كعنصر قوة على الرجل, لينجذب إليها, ولا يفلت ..
وتداري ما فيه من عيب , لئلا يهرب عنها بعد آت يقترب منها؟ ألا يقبل كثر من الرجال المرأة أكثر بكثير من أي تفاصيل أخرى فيها ؟.. إلا يكتفي بعضهم, تعبيرا منه عن الزهد في الجنس , أو ليثبت لحبيبته في أي مرحلة من مراحل العلاقة والعشرة أنة يتسق بها , ليس حبا بالجنس, وإنما حبا بها فحسب, بالقبلة والتقبيل, ويقول إن هذا هو الأساس , سواء حضر الجنس أو غاب عنهما ؟ أو هكذا يدعي من يدعي.. وإذا كان الفم على هذا الوصف , إلا يحق للرجل , بل أليس من دواعي واجباته تجاه من يحب, أن يغار على فمها . . ضحكتها حركة شفتيها؟ ثم بعد هذا ألا يصبح مفهوماً أكثر لماذا كانت أمهاتنا وجداتنا يضعن (الفوطة) على أفواههن إمام الغريب ولا يأكلن إلا إمام ذي محرم ؟ ومن هذا مغزى الآية الكريمة التي تدعو النساء ليضربن بخمرهن على جيوبهن, ومن ذلك الفم.....................
لقد أحب ملك زمانه ذاك زبيبة حبا عظيما.. أما كيف أحبها فإليكم هذا:
ابلغ الملك كبير الحرس بأن يسمحوا لضيف الملك, عندما تأتي , بالدخول إلى جناحه الخاص بالقصر, ولم يعطهم أي تفاصيل عنها, ومع أن كبير الحرس استغرب أن يأتي الإبلاغ عن حضور ضيف , هذه المرة, من الملك مباشرة, وليس عن طريقة , فإنه لم يسأل أحدا عن السبب, أو يفضي له بهاجس الغموض في نفسه.. ولكنة جمع حرس الباب الرئيس , وطلب منهم أن يرتدوا لباسهم الرسمي, وان يتهيئوا لاستقبال ضيف الملك..
- هكذا ينبغي أن يفتح طرفا الباب مرة واحدة من قبل جنديين من الحرس
- قال لهم أمر الحرس _ وان تكون حركة ارتداد قسمي الباب إلى الخلف, حيث ينفتح الباب على سياق موحد
من السرعة والبطء, بحيث لا يسبق احدهما صاحبه عند بداية الحركة, ولا بدرجة الحركة وسرعتها.. وأن
اسم ضيف الملك زبيبة...
عندما لفظ الاسم ( زبيبة) لم يوح له هذا الاسم بما ينبئه بأنه يعرف شيئا , أو يتذكر ما يفيد عنها...
هم أحد الحراس بأن يضحك عندما سمع الاسم (ز ب ي ب ة) , ولكنة كتم ضحكته, واكتفى بابتسامة عندما لاحظ أن قفا كبير الحرس صار قبالته وليس وجهه...
انصرف كبير الحرس .. وتضاحك الحرس في ما بينهم عندما قال أحدهم:
-أنا اشتهي ***ب هذه الليلة..
أجابه أحد الحرس :
-من أين يأتينا بالـ زبيب , يا ترى؟
قال آخر :
-إن فلانا غالبا ما يشتهي ما هو غير قادر عليه ..
قال أخر:
- وهل حرام علينا, يا أخ, أن نشتهي نظريا ما لم نستطع أن نحوزه عمليا؟
قال أخر:

- لا . ولكن من يمني نفسه بما لا يستطيعه يعذبها.
أجابه صاحبه:
- لكن النفس الإنسانية لا تستطيع أن تعيش بما يقدر عليه الإنسان في اللحظة حسب, من غير أفق يشرق بأمل لما يتجاوز اللحظة وإمكاناتها ...
أجابه صاحبه:
- إن تصور الأمل حالة اقتدار يراها الإنسان في نفسه, آو يتحسسها قبل أن يغدوا قادرا على أن يضعها في إطار الممكن .. فمن أين لنا القدرة على تصور ما هو أمل لنا ؟.. أليس مكتوبا علينا أن نبقى على صفتنا هذه في الحراسة حتى يستغني عن خدمتنا, في ما نرى ونلاحظ آن الناس لا يحبون أهل القصر بل وقد لا يحبوننا أيضاً؟
- ولكن أليس محظوظين بأن نكون بين حرس الملك , ونشبع بطوننا بما ينعم علينا, في الوقت الذي يموت آخرون جوعا, أو يفتك بهم المرض لعدم قدرتهم على جعل وجبات طعامهم ممكنة ومنتظمة وكافيه ليعيشوا؟.
- ولكن هل يكفي أن تشبع البطن, عندما تقلق النفس ولا ترضى , أو لا يكون العقل مقنعا, والضمير مشغولا بهواجسه؟..
أجابه آخر:
قطع عليهم النقاش اكبر هم سنا بأن قال:
- إن حلم صاحبنا الذي قادة ليشتهي الـ زبيب غير واقعي, لان من ذكرته بهذا هو ضيف جلالة الملك, ومن اسمها يبدو أن الملك لن يهتم بها كثيرا, وربما لن يقيم لها وليمة عشاء.. إنها على الأغلب من صنفنا, أو ربما جاءتها النعمة قريبا.. ولا نعرف كيف , وان الملك أراد أن يراها لدقائق لأمر ما ثم يصرفها .. وفي كل الأحوال فهي زبيبة وليست زبيبا .. ماذا يمكنك أن تشتهي من زبيبة واحدة؟ إنها لو كانت أكياس من ألـ زبيب ربما انطوت أمنيتك في ما تشتهيه على قدر من الواقعية.. فأغلقوا أفواهكم ولينصرف كل إلى عملة!
ضحك وضحك الجميع..
وبينما كان حرس الباب يذرع بخطواته الأرض جيئة وذهابا, سمع وقع أقدام, وعندما حدق في الظلام, وركز أمامه, لاح له شبح إنسان واحد من بعيد.. تهيأ وأمسك بقوسه في يده جيدا, والتقط سهما من كنانته المعلقة على كتفه , وأيقظ النائمين حوله, وصاح بالقادم إلية.. بصوت مسموع :

- قف .. مكانك!!
صاحت زبيبة .. بصوت مرتجف متقطع:
- أرجوكم لا تطلقوا علي .. إنا ز بـ ي .....بة , أنا ضيف... ألملـ...ك
قالتها متقطعة من شدة خوفها ..
قال الحارس باستغراب, بعد أن ركض صوبها:
- زبيبة ؟ أنت ضيف الملك؟
- نعم, قالتها بعناء شديد, يعاونها في ذالك تأكيد من حركة رأسها :
- نعم..
- تفضلي.. تفضلي
قال الحارس..
- عفوك سيدتي, لم نعرفك.. تصورنا..
- ماذا تصورتم ؟
أعاد احتراك الحرس لها ثقتها بنفسها ؟ وصارت قادرة على الكلام بنوع من
الثبات.. ولما لم يجب الحارس .. قالت زبيبة :
- أنا أقول لكم ماذا تصورتم.. عندما لم يتحقق تصوركم, أخطأتم مرة أخرى في تصور أنني محض متطفل , أو ربما يتسلل يقصد سوءا بالقصر وأهله.. لقد تصورتم أن أتيكم بعربة تجرها خيول, وربما خلفي وأمامي عربات أخرى أيضا.. أما أن تروا إنسانة منكم ومثلكم تأتي مرغوباً فيها إلى هذا القصر فقد كان ذلك خارج خيالكم .. أليس هكذا ؟
قال الجميع :
- نعم يا سيدة..
وقال الحرس كبير السن:
- ولكن , اعذرينا يا سيدتي فإن التصور أو الخيال جزء من القدرة عليه.. انه جزء من قدرة أن يتصور أو يتخيل, والقدرة لا تنفصل عن الواقع كثيراً, ومن ذالك إمكانية التحقق, فكيف تريدين منا أن نتصور أن واحدة من الشعب مثلك.. منا.. هي صاحبة الحظ وفي موعد مع جلالة الملك .. مع أن هذا لم يحصل من قبل ؟
أضافت زبيبة إلى كلامه وهي تبتسم:
- وأن يكون اسمها زبيبة, أليس كذالك ؟
- نعم , يا سيدتي...
وهم أن يبتسم هو ومن حوله من الحرس, لولا أن تذكروا أنها ضيف الملك , وأن الياقة تقتضي أن لا يبتسموا أمام الملك وضيوفه , وإنما أن يستعدوا لهم أصولياً على أساس تقاليد الحرس الملكي فحسب..
عقبت زبيبة مازحة, وهي تبتسم , بل وتضحك بهدوء:
_ أتعرفون كيف , ولماذا سماني أهلي زبيبة؟
قال الجميع فرحين:
- لماذا؟ وكيف يا سيدتي؟
قالت:
عندما حملتني أمي.. وكنا نعمل عند مالك إقطاعية كبيرة من الأرض , اقتطعها له والد جلالة الملك هذا أو جدة , تقديرا له لسبب أجهله ولم أتبينه رغم أنني سألت عنه .. ولكن هل يستدعي الأمر سببا واضحا لان يقتطع الملوك أراضي الوطن إلى من يهبونها لهم. أو يقضون بها دينا استحق عليهم جراء لعبة قمار, أو يتنازلون عنها للغزاة بعد أن يغلبوا ؟
ومع أن قسما منهم جفلوا, فقد استهوتهم جرأة زبـ ي ب ة ونوع كلامها ...
ولذلك ابتسم بعضهم في ما بقي بعضهم الأخر صامت من غير إشارة في وجهه إلى علامة رضا أو رفض.. ألا تبدأ حياة المعارضة بكلام كهذا , لتختبر النفوس واتجاه هواها ؟ ومن ذلك تلتقط عيناتها وتنمو بعد أن يركز عليها وفق مناهج خاصة تعدها المعارضة لتدفع إليه صاحب الشأن إلى الحد والاتجاه الذي تريد!؟
قالت زبيبة:
- توحمت والدتي , واشتهت آنذاك زبيبا, ولان ذلك كان فوق مستوى خيالها,لان قدرتها وقدرت والدي اعجز من أن تجعل هذا ممكنا ..قالت في نفسها : ولو زبيبة واحدة .. وأمر طبيعي أن يعجز منالها عن ذلك أيضا.. لذلك وعندما وضعتني ، سمتني ز ب ي ب ة ، وهذا حق للمرأة أن تسمي مولودها إذا كان أنثى .. هكذا حققت حلمها في عن طريق اسمي ، بعد أن عجزت عن الحصول حتى على زبيبة واحدة مما كانت قد اشتهته نفسها .. حققت اسمها في .. وبذلك تواصلت روحها، مع أمالها بعد أن عجزت قدراتها عن ذلك ، رحمها الله، لأنها ماتت بعد الوضع .. ولو لم يكن اسمي زبيبة ، لما اختارني الملك لأكون إحدى من تحضى بحبه لها .. أوعلى الأقل للارتياح إزاءها ..
أتعرفون لماذا ؟..
وقبل أن يجيب الحرس قالت:

-لان مكان الـ زبيب هو مخازن الذوات أو التجار , أو على موائد الملك وكبار الميسورين فحسب..عندما أتمكن سوف أجعلكم تتذوقون ألـ زبيب, وربما الجوز .. من يدري !؟
قالت ز بـ ي ب ة ذلك, وهي تبتسم بفرح غامر بعد أن عاودها رونقها .. ورغم أن ملابسها بسيطة, فقد حرصت على أن تجعلها نظيفة نسبيا, وان ترتب شعر رأسها المغطى جزئيا بوشاح..
نادى عليهم أمر الحرس بعد أن جاءهم يتبختر:
- لماذا تجتمعون تفرق .. كل إلى مكانه..
قال له كبير السن فيهم:
- سيدي .. إنها ضيف الملك .. إنها السيدة زبيبة
ماذا؟
-نعم سيدي.. زبيبة ضيف الملك
عندما لاحظ آمر الحرس أن امرأة تتوسطهم, قال:
-أصحيح ما تقول
ثم اقترب وسألها باستغراب:
- أأنت زبيبة ؟
- نعم يا سيدي , أنا زبيبة .. أنا ضيف الملك.. الم يخبركم جلالة الملك بأنني سأكون ضيفة هذه الليلة ؟ قالت ذلك بثقة , وكنوع من المناكدة مع آمر الحرس, وبأسلوب واثق ينطوي على قدر ظاهر من الاعتزاز بالنفس, و بأنها ضيف الملك
قال آمر الحرس:
- عفوك , ولكن..
- ماذا يا حضرة آمر الحرس .. إلا إنني مواطنة من الشعب لا أصلح أن أكون ضيف الملك ؟ أتريد ان تعدل على قرار جلالة الملك ورغبته؟
-لا..لا..... كيف لي أو لغيري أن يجرؤ على إجراء تعديل على أي قرار من قرارات الملك , آو رغباته؟ عفوك يا سيدة زبيبة, ولكننا الشعب. من قبل,أن يكون بين ضيوف الملك وزائريه خاصة في الليل, مواطن آو مواطنة من الشعب .. كان الملك يظهر في احتفالات رسمية بعينها أحيانا, ليرى كيف يحييه الشعب من بعيد, ولكن لم يسبق لنا أن تعاملنا مع حال كحالك.
وبعد أن صعدت في رأسها نشوة الإحساس بالتفرد في حضوة الملك , قالت:
- لكن البداية .. هل يستغرب إلى هذا الحد أن يكون من بين جلاس الملك ومن يستمع إليهم وربما من بين محظياتة واحد من الشعب؟
ألا يكفي العناوين الكبيرة من تجار .. وقادة جيوش كبار.. ووزراء.. وأمراء.. أن يحتكروا الملك والملك كل هذا الوقت!؟ إذا فليبقوا يحتكرون الملك والمال... ويتركون لنا الملك ..
ابتسمت وتوجهت بالسؤال إلى الحرس الذين كانوا يسمعون كل ما دار بين أمر الحرس و زبيبة:
- أليس هذا عدلا يا جماعة؟
قال الجميع
- نعم يا سيدتي .. إنه عدل..
قال آمر الحرس, بعد أن رمق الحرس بنظرة عدم ارتياح من مطاوعتهم زبيبة بالقول إن كلامها عدل, فيما يفترض بهم أن يصمتوا:
- ولكن عفوك سيدي , أريد أن اتصل بكبير حجاب الملك ..
فهمت زبيبة أنه حتى تلك اللحظة لم يكن مقتنعا بأنها , هي فعلا , ضيف الملك المقصود , أو أنه يصعب عليه تصديق ذلك ..
قالت زبيبة :
-افعل ما يمليه عليك واجبك..
وبعد أن انصرف أمر الحرس عنها..
قالت زبيبة لنفسها:
- أليس الإخلاص, وأداء العمل وفق وصفه المشروع, هو واجب كل منا؟
إذن علي أن لا أتضايق , وأنا أرى أمر الحرس يعمل وفق قياسات واجبة ليتأكد من أن قولي صحيح وليس محض ادعاء ... وإنني أنا ضيف الملك , وليس غيري, وأن اسمي ينطبق على و ليس اسم ترف مما اعتاد آمر الحرس وهو يهرول :

- عفوك سيدتي .. ارجوا صفحك.. وغير ذلك من كلمات المجاملة والتودد مردفا كلماته من حين إلى آخر بانحناء ليستمليها بالرضا عنه..
عرفت زبيبة كل أسباب ذلك, لأنها قدرت أن كبير المرافقين زجره وأنتبه على تأخيرها.. وربما فعل الملك نفسه ذلك معه.. وان لم يكن الملك خشنا في التعامل بوجه عام.
ربما كان الملك نفسه قد عنفه ..
وأجابت:
- قد لا يكون الملك ممن يفعل ذاك ، ولكن ، أليس من يحيطون بالملك عادة هم الأكثر خشونة منه ؟إنهم، وليس الملك، ملائمون أكثر لتأديب أمثال آمر الحرس !؟
ثم قالت مع نفسها :
- أليس من ضمن ما ينبغي أن يؤدي آمر الحرس واجبة فماذا لو عكسنا الحال؟ فلو لم يتأكد مني, وأدخلني على الملك , وظهر أنني لست المطلوبة, فما عساه يفعل ؟ أليس البعيد عن الملك والملك أكثر حرية؟ وأجابت بنفسها
بعيدا عن الملك إن يكون ولكن ليس انأ .. هذه فرصتي , وغبية من تدع فرصتها تفلت من بين يديها وبخاصة, عندما تكون فرصتها مع ملك .. والملك هو ملك بلادنا..؟! أما بعيدا عن الملك , فمعنا هذا أن يكون بلا وسيلة مؤثرة في الحياة لأنه يعني أن يكون بعيدا عن الملك و والسلطان, سواء أكانت الملكية شخصية أم ملكية الدولة , ومن يكن دون ملكية , يعش اعزل أمام الحياة والطبيعة والمخلوقات , ومن يكن اعزل أمام الطبيعة والمخلوقات , تكن الطبيعة والمخلوقات قادرتين عليه , فإما أن تستبعداه , أو تفترساه , ومن يفترس يموت ويفقد حريته , لان موته ليس نضالا استجوبته الحياة, وانما اختيارا غبيا في التعامل معها .. ومن يستبعد يفقد حريته .. إن الطبيعة ومخلوقاتها غير الإنسانية اقوي من الإنسان إذا تجرد من عقله , وان قيمة تفوق عقل الإنسان تكمن في أنه قادر على اختراع أو ابتكار الوسائل المناسبة ليتفوق بها على المخلوقات الحية ويتكيف مع الطبيعة, ولن يكون قادرا على ذلك إلا عندما يحوز تلك الوسائل , والملكية نوع من الحيازة إن كان باسم العامة من الناس , أو باسم أفراد.. وتحت هذه العناوين : العقل .. الدولة وما تحوزه.. الفرد وعقلة وما يحوزه , يتحقق التفوق, مع شروط أخرى، كل ضمن حالها على أساس وصفة وظرفه.. لذلك إذا أردنا الحرية , ينبغي أن لا نتنازل لعناوين بعينها لتملك ما تشاء , ويتجرد الشعب من الحرية, وإلا فالحديث عن الحرية والمساواة في الفرص يغدوا هراء, فإما أن يملك الجميع عند خط البداية ويحوز ما ينبغي أن يحوزوه عند خط البداية , وبصورة متساوية , أو أن يجردوا من كل شيء ينطوي على ما يعتقد انه فائض على الحاجة الإنسانية لمن يريد التمتع بالحرية, أو دخول مسابقة ضمن طريق يحمل وصفها وعنوانها.. وإلا حتى لو بداء التسابق على خط عرضي مستقيم يصطف عليه الجميع في تسابقهم على عمق أو ارتفاع بعينة, فإنهم سيكونون غير متساويين في ما يسجله كل واحد منهم لنفسه.. ألا يضيعنا التباين في الوسائل أمام نتائج متباينة بعد خط الشروع بالانطلاق, بغض النظر عن النيات!؟..
قالت زبيبة كل هذا مع نفسها , وهي تمشي إلى جانب آمر الحرس .. إلى حيث كبير الحرس, ثم مع الأخير, إلى حيث الباب الداخلي لقصر الملك..
وعندما دلفت زبيبة إلى باب القصر, إلى جانب كبير الحرس, كانت تدقق في تفاصيل ممر القصر الذي يمتد بعد الباب, وكادت تصطدم بالملك الذي كان يقف وسط الممر وهو ينتظرها , لولا أن لاحظت أن كبير الحرس وقف فجأة, وأدى التحية العسكرية , بعد أن ضرب رجليه في الأرض, وبقي مسمرا في مكانة, إلى أن قال له الملك:
- أشكرك.. اترك زبيبة وانصرف.
وهكذا استدار بصورة نظامية أيضاً , وتركهما وحدهما.
حيت زبيبة الملك , بعد أن ثنت ركبتيها , مع إشارة من رأسها , وهي تمسك بطرفي ثوبها, حتى تخالها فراشة رغم أن ثوبها لم يكن ثوب قصور ,ولا يشبه ثياب الأميرات وزوجات وبنات الذوات اللاتي يرتدن القصر عادة في المناسبات العامة والخاصة , بل ولا يشبه حتى ثياب الجواري.
ابتسم الملك, مرحبا بضيفة:
- أهلاً... أهلاً... أهلاً وسهلاً..
وتقدم إليها خطوتين, حتى التصق بها وربت على رأسها,ورفعه قليلا وهو يقول :
- (مشتاقين) يا حلوة ...
انشغلت زبيبة بوصف الملك لها بالحلوة, وراحت تداور كلمة(حلوة) مع نفسها , وهي تقول:
- هل يراني الملك حلوة فعلا, أم انه أراد أن يجاملني وهو يرحب بي فحسب؟
بالكيف , ولماذا يعتبرني حلوة, وهو يرى طرازاً خاصاً من النساء غيري داخل قصره ومن يأتين إلى قصره من بنات الأعيان والأمراء فهن كثيرات!ّ؟
- عفوك, يا جلالة الملك.. كيف, ولماذا اعتبرتني حلوة؟
- إن وصفي لك بالحلوة وصف تستحقينه يا زبيبة , وقد رأيتك واستقر وصفك في نفسي مثلما أقوله لك الآن منذ أن زرتكم في بيتكم وتكررت زياراتي إليكم في ما بعد, عندما كنتم في مزرعة ذلك العاق الذي طردناه من الأرض التي كان احد الملوك السابقين قد اقتطعها له ..
أشار إلى هذا ليذكر كيف أن احد الملوك السابقين اقتطع لأحد الأعيان من أصحاب المصالح الخاصة ارض واسعة , وراح يربي فيها مختلف الـ زبي**ات بالإضافة إلى الزراعة, وكان يربي فيها خلايا نحل يبيع عسلها إلى من يشتريه, وقد صار ذلك الرجل في ما بعد يعمل في التجارة داخل المملكة وخارجها , حتى أصبح ما يملكه يعد ضمن الأرقام الأسطورية من الشيقلات(معناها أساسا معيار وزن, من الفضة أو الذهب استخدمه الاكديون والبابليون والأشوريون ثم استخدم كعملة في العهد الأشوري, وبعد اسر اليهود الأول والثاني في عامي 589و 587 ق.م . على يد نبو خذ نصر أخذه اليهود من البابليين ونسبوه لأنفسهم.) وكان كلما التقى الملك في مناسبة ذكره بما لدية من عسل طبيعي و لذيذ ينفرد به عن سائر ما يسمعه الملك عن العسل الذي يباع في الأسواق وحتى العسل الذي يجمعه المسئولون من مناحل في مزارعهم البعيدة عن مزارع الملك وحدائق قصوره, إلى أن أمر الملك احد التابعين بان يذهب إلية ليشتري منة للقصر كمية كبيرة من العسل, ولكن ما أن فحص العسل بالتذوق عن طريق خبراء في هذا حتى اكتشفوا أن العسل مغشوش, وان اقل غش فيه هو أن ذلك التاجر الشره كان لا يبقي النحل في الخلية أي بقايا عسل , وانما يخلي كل الخلية منه ويستبدله بشيء مما يأكله النحل مضطراً في فصل الشتاء حيث يركن النحل في السبات داخل أماكنه في الخلية ، وعند ذلك يعتبر طعم العسل ويكون من النوع الرديء بخلاف العسل الذي ينتجه النحل فيما لو أكل من العسل في ذلك الفصل ، بالإضافة إلى رحيق الإزهار والورود الذي يمتصه في الفصول الأخرى غير فصل الشتاء ، ولذلك صادر الملك مزرعة هذا التاجر اللعين ، وأعادها إلى ملكية الدولة ..
ويوم ذاك ، كان أبو زبيبة يعمل في مزرعته ، وعندما أعيدت المزرعة إلى الدولة، ابقي الملك من أراد فيها من العمال والفلاحين ،ومنهم والد زبيبة ، الذي تزوج منذ وقت ليس ببعيد ، وعندما زار الملك تلك المزرعة ، رأى زبيبة وأعجب بها ، وأعجبت هي به ، حتى أحبته وأحبها من خلال تردده على المزرعة من حين إلى أخر ..هكذا، إذن عرف الملك زبيبة وأحبها..
قال الملك:
- إن وصف حلوة ليس شكلا فحسب يا زبيبة , إنه وصف معنى وصورة, وكلاهما ينطبق عليك ..
- لكن هناك من هن أجمل مني, يا جلالة الملك وقد رأيت الكثير منهن.. اعذرني في صراحتي, أو شيء من وقاحتي , إذا قلت :
ربما تكون عاشرت كثير منهن..

- لكن لم أر واحدة منهن حلوة القلب والروح والشخصية والشكل مثلك يا زبيبة !!
- كيف يا جلالة الملك ؟
- لقد رأيت من يقتربن من الملك أملا في التاج وتأثيره وليس اقترابا من معان أخرى , مع أنني لا أرى التاج أهم مميزاتي يا زبيبة ..
- وهل ينفصل الشكل عن الجوهر يا جلالة الملك ؟.. ها أنت قلت أنني حلوة وعددت الأسباب, وأضفت أنني جميلة الشكل أيضا.. أليس التاج شكلا لك ؟
_قد يكون التاج جزءا من منظري ولكن ليس الشكل كله .. ثم إنني لا أرى أن الشكل يحتل نفس المكانة في شخص الرجل مثلما يحتل في شخصية المرأة, إلى جانب الصفات الأخرى.. إن التاج شيء يا زبيبة .. هل يجوز أن يكون كل مدخل التقويم إلى الملك هو الشيء أو الأشياء فحسب؟
- لا, يا جلالة الملك , إن المدخل إلى الإنسان ينبغي أن يكون ما يشكل الجوهر من الصفات والطباع , وقد يكون الشكل مكملا أو مضافا , ومن يجعل الشيء هو المدخل الحاسم في تقويم الأشياء يكون كما الشيء قيمته في التداول والاستعمال وليس بحد ذاته .. لذلك فان من يقوم الناس على أساس أشيائهم فحسب, قد يصلح كشيء للتداول, وليس كقيمة للخلق والتقويم وسند يركن إليه... مع أنني لا استطيع أن أتصور الإنسان شيئا حتى على غرار ذلك الملعون الذي طردته من المزرعة , وجردته من ملكيتها ..
-لقد أردت من كلامي التخصيص في الملك ولم أرد من ذلك التعميم ليشمل الحكم العامة أيضا..
- بل العامة أيضا يشملهم هذا الحكم يا جلالة الملك.. انه يشمل الإنسان. اليس الناس ناسين !؟
لم يعلق الملك على كلام زبيبة لكنه قال:
قلت يا زبيبة انك لا تتصورين حتى ذلك الملعون الذي طردناه من المزرعة شيئا: الم تقولي ذالك؟
- نعم , يا جلالة الملك ..
أتقصدين انه من غير قيمة؟ حتى ولو كانت تافهة بحيث لا يصلح لان يسمى شيئا يا ز ب ي ة !؟
-لا , يا جلالة الملك أنا لا اقصد هذا , وانما أردت أن أقول:
مع انه ملعون وان قرارك يصدده عادل, ولكن لا يجوز أن نعتبره شيئا , ذالك لأنة في حقيقته آدمي وان كان فقد إنسانيته, أو أنها ضعفت فيه لان أي آدمي مهما بلغ من السوء, لا بد أن يكون فيه شيء من إنسان, وان كانت خواصه وطباعه, المرجحة للسيئ من الصفات فيه, قد جعلته قريبا من شيء ..
قال الملك:
- ولكن هل يمكن أن نجعل الجزء الصغير الايجابي في شخصية كائن من يكون بديلا عن الأرجحية السيئة فيه , يا زبيبة؟
- قد يحاول المصلحون, يا جلالة الملك, على هذه - أجابت زبيبة - قد ينمون الجزء الايجابي فيه ليكون السمة الغالبة, فيما يتراجع السلبي , أو السيئ فيه لينحصر في زاوية ..
- ولكن الملك ليس مصلحا اجتماعيا يا زبيبة..
- آه لو كان بإمكان الحاكم أن يكون مصلحا اجتماعيا , إلى جانب كونه مصدر قرارات أخرى لكان الحال حالا أخر.. قالت زبيبة.
- ليس كل ما يتمنى المرء يدركه يا زبيبة. أجاب الملك ..
- ولكن أليس بالإمكان تكليف من يقوم بهذا؟ من غير أن ينشغل بتفاصيل الحكم وتسلسل حلقاته ومن غير أن يتحمل الحكم أيضاً مسؤولية عمله!؟
-ليس هناك ما هو مستحيل يا زبيبة ..
-ولكن لم أناقش هذا مع نفسي من قبل.. هل فكرت, يا جلالة الملك, بأن تكون منتميا إلى جمع منظم؟
- بل فكرت بان يكون لي جمع منظم تابع للسلطة, يا زبيبة!!
- إن الجمع المنظم الذي يفيد الدولة, يا جلالة الملك هو الجمع الذي يخلق السلطة, وليس الذي تخلقه السلطة.. وأن ينتمي إليه الملك لا أن يكون مجرد تابع للملك!؟ وعندها يمكن أن تكلف الجمع المنظم الذي هو على وصفي , بان يتولى قيادة الشعب قيادة مباشرة , وأن يتولى إصلاح ما يقدر على إصلاحه, في الوقت الذي تتكفل أنت بالحكم وفق تسلسله, أنت ومن يعاونك ..
- لكننا الآن واقعيا بلا جمع منظم, يا زبيبة, وأنا ومن يعاونني نقود السلطة.. وهذا يعني أن السلطة لم يخلقها جمع منظم, بل إن الحكم سبق فكرة وجود جمع منظم, مع أنني اقر بأننا بحاجة إلى عصبة مؤمنة بعقيدة تسمونها جمعا منظما, وطالما تفضلون هذه التسمية فليكن..
- إن السلطة التلقائية يمكنها أن تخلق الجمع المنظم الذي تريده.. ولكن هل تريد جمعا منظما يكون محض شكل أو أحد الأغطية في الحكومة, بما يزين طريقة الحكم شكليا؟أم تريد جمعا منظما يبني المجتمع ويقوم الانحراف؟
- بل أريد الصنف الأخير, يا زبيبة.. ولكن عليك أن تقولي ما يعد واقعيا, وليس خياليا.
- هل تقصد بالواقعية, يا جلالة الملك, أن نتلاءم وننسجم مع الواقع مثلما هو فحسب, أم أن نغيره تغييرا عميقا, مع ما يسبق التغيير من وصف للواقع , وطبيعة القوى والوسائل , وتأثير كل منها بقدر وزنة !؟
- بل اقصد المفهوم الأخير يا زبيبة.. مع أن تشكيل جمع منظم يقوم بمهمة تغيير المجتمع تغييرا عميقا إلى أعلا وأمام ليس من مهمات السلطة, وانما من مهمات المناضلين والثوار, وعند ذاك تكون السلطة وليدته , وليس هو وليدها, وتكون أهدافها أهداف الأمة, ويكون الممكن هدفا نضاليا, وليس رشح الملموس مثلما هو فحسب.
- أقول, ليس مستحيلا أن يشكل جمع منظم حتى في ظل السلطة.. ويمكن أن تكون له بعض سمات الجمع بصفاته وتطلعه الأصيلين, وليس كلها, وبما يغير جانبا من حياة الناس نحو الأفضل وليس كلها..
- وكيف يا زبيبة؟
- عندما يشكل جمع منظم وأنت جزء منة , اجعله جزء من الشعب, ولا تعتمد في انتمائه على أصحاب النفوذ الطارئ, والعناوين الكبيرة والملكية الباذخة, وإنما على الناس العاديين .. واجعل قاعدته الأساس من الناس الأقل ملكية في المجتمع, ولن تتمكن من هذا إذا لم تكن جزءا من الشعب..
- كيف أكون جزءا من الشعب , وأنا واقعيا ملك الشعب, والشعب رعيتي, يا زبيبة؟
- أن تكون في روحك, وضميرك, وتصرفك, وتفكيرك جزء من الشعب, وان تنشئ للشعب والجمع المنظم أهدافا كبيرة, بما يناسب بلدنا ودورنا في الحياة ورسالة الإنسان فيها, وان تقود الشعب والجمع المنظم لبلوغها بنزاهة وأمانة , وان ترفض المساومة على المبادئ وتدعوا لكل ما هو شريف في التصور والتصرف, وان تلزم نفسك بعمل ما تدعوا إليه الشعب والجمع المنظم , وان تكون صادقا وعادلاً عند خط البداية وعلى طول الخط..
- ولكن, أليس هذا صعب يا زبيبة ؟
- نعم يا جلالة الملك ولأنه صعب سيثبت ما تقطعه فيه من شوط ولن تهزه الرياح لتغير حاله كما هي الانجازات والأعمال السهلة فما يأتي سهلا لن يكون الحرص عليه كبيرا ويذهب خارج ميدانه سهل بفعل الآخر..
- نعم هذا صحيح وأنا أريد أن نستمر بالحوار حتى نهتدي إلى ما هو أفضل ولكن فيما بعد يا زبيبة.
- مثلما ترى يا جلالة الملك..
- ولكن قبل أن نغلق باب الحوار في هذا أخشى أن يحصل تناقض بين رجال الجمع المنظم ورجال السلطة وربما زاحم رجال الجمع المنظم رجال السلطة على امتيازاتهم بما في ذالك جانبها الشكلي أكثر مما ينشغلون في المباراة على ما هو مفيد للشعب والدولة ..
- قد يحصل هذا يا جلالة الملك إذا بقى الحال على ما هو عليه أي مجرد أن يضاف إلى مؤسسات الدولة عنوان جديد جمع منظم.. أما إذا سارت الأمور وفق ما أوضحناه قبل قليل على أساس أن تنشئ للجمع النظم مهمات نضالية في ضوء الأهداف الكبيرة التي تخدم الشعب عندما يدخل الجمع المنظم معترك الحياة مع هامش جدي للمخاطرة والتضحية فإنه سيكتسب استحقاق ودور القيادة في المجتمع بما يرضي المجتمع من غير قسر وستنظم الأدوار الكبيرة على أساس أن لكل واجباته بحيث لا يكون ثمة تعارض أو تنافس غير مشروع بين رجال الجمع المنظم أو رجال الحكم.. مع أنني اقر بان الفصل المطلق في هذين الوصفين غير ممكن من الناحية العملية على طول الخط وعلى كل المستويات وفي كل الظروف.
كان الممر الذي يسلكانه في القصر طويل ومعتم بعض الشيء ذلك لان الشموع التي وضعت على الجانبين لم تكن تكفي إلا ليتبينا طريقهما إلى حيث جناح الملك.
قالت زبيبة:
ألا ترى أن هذا الممر, بل والقصر كله , يبدوا موحشا, يا جلالة الملك؟
- قد يكون ذلك , لان الممر وبعض فضاءات القصر ليس فيها نوافذ إلى الخارج .. أو ربما لأنك تدخلين قصرا أول مرة , فكيف, إذا كان قصر الملك!؟ قال ذلك وابتسم..
- أما إني ادخل قصر ملك أول مرة فنعم , واحمد إلهنا أن وفر لي فرصة لقائك وحنانك وعطفك , يا جلالة الملك ولكنها ليست المرة الأولى التي ادخل فيها قصرا.. لقد دخلت قصر صاحب المزرعة الذي طردته , وهو مثلما تعرف مشابه لقصرك تقريبا, بل وإنهم قالوا أنه مثله وحاول أن يتزوج من محظيات والدك الصغيرات بعد وفاته ذلك أن صاحب المزرعة حرص على أن يتشبه بالملك , فتصور أنه يملك العرش إذا ملك قصرا كقصر الملك وملك زوجات هن من بين محظيات ملك سابق .. قالت ذلك , وضحكت بصوت مسموع ,.. ثم استدارت إلى الملك بانحناءة , قائلة:
- عفوك يا جلالة الملك , هذا ليس أنا , نفسي إنما نفسي التي ضحكت على عقل هذا الطراز من الناس أصحاب العقد والعقول والنفوس الصغيرة..
- كيف لا تكونين أنت التي ضحكت , وانما نفسك؟
- نعم يا جلالة الملك, لو خيرتني بين تصرفين لاخترت أن لا اضحك في حضور مقامك ولكن نفسي التي لم تعتد بعد على تهذيب القصور , هي التي فلتت خارج سياجها فضحكت ..
- أحسنت , يا زبيبة, ولكن لماذا تجبرين نفسك على غير طبيعتها يا زبيبة؟
أفضل أن تتركي لنفسك الحرية لتكون على طبيعتها.
- أيحب ملك الحرية لإنسان بسيط مثلي ؟ قالتها وكأن نفسها قالت ذلك , وليس هي..
ضحك الملك .. أردفت, وهي لا تزال في نشوة شعور خاص اجتاحها:
- أنا ملك بلادي العظيمة , أحب الحرية لشعبي , أحب أن امزح أحيانا مع أي إنسان لا يحمل عنوانا عاليا عن نفسي أيضاً حتى وان لم أكن أريد هذا دائما.
قالت زبيبة :
- نعم يا جلالة الملك , إن التبسيط مع الناس من أصحاب العناوين العالية يقرب العناوين إلى معانيها الإنسانية , ولكن مع صنائعهم قد يشجعهم على التمرد عليهم
أردفت:
- على أي حال .. إذا كان هذا هو فعلا ما تريد, يا جلالة الملك, فلماذا تحصر نفسك في قصر؟
- وهل أنا محصور يا زبيبة ؟ إن الحرس الذين رايتهم ليسوا حرس حصار علي.. وإنما حرس حماية , مع ما هو مضاف لهيبة الملك.
- إنهم يحاصرونك.. أولئك الحرس, والأبواب المتعددة المغلقة وهذا الممر الموحش والقصر الذي لم أتبين فيه حتى الآن حركة حياة إلا في روحك المتطلعة في جوهرها يا جلالة الملك. .. كل هذا يحاصرك, من غير قصد من الحرس والخدم الذين ينفذون علية الحصار فعلا ومن غير قرار من جهة محددة بصورة مباشرة ولكنك محاصر بل مسجون يا جلالة الملك.. كيف تحب الحرية وتبني قصورا بلا نوافذ كافيه لاستقبال النور الهواء؟ كيف تحب كل شيء طبيعي وتدعوني لأتصرف على طبيعتي ولا تتعامل مع الطبيعة بصورة مباشرة أو تراها من خلال النوافذ على الأقل؟
- هوني عليك . يا زبيبة سأشرح لك.. أما أن النوافذ في القصر قليلة , فهذا من دواعي امن القصر إذ كلما كثرت النوافذ في القصر صعبت حراسته وتأمين حمايته
- ولكن هذا يجعل القصر موحشا يا جلالة الملك... أليس الشعور بالوحشة عدوا لدودا لمن يحكم ؟ وما الذي يبدد الوحشة غير الخروج منها ؟ اخرج من وحشة القصور يا جلالة الملك ودع نفسك تتصرف وفق ما هو طبيعي فيها... اخرج إلى الطبيعة والناس ... فليس ما هو أفضل منهما ليبدد الخوف من نفسك ..
- لقد كنت هكذا أو قريبا مما تقولين يا زبيبة... عندما دخلت القصر أول مرة ولكنني وجدت أن من في القصر استغربوا من سلوكي ذاك بل وعابوني عليه ربما اعتبر بعضهم الخروج على تقاليد القصور ينطوي عليه شيء من خفة أو عدم معرفة باللياقة حتى اضطررت لأن اعتاد على ما إنا عليه .... أليس الاعتياد ممكنا لمن يعيش في هذا القصر منذ سبع سنوات؟
-بلى يا جلالة الملك _ أجابت زبيبة _ يكون الاعتياد ممكنا لمن لا يرفض العادة وأسبابها إذا كانت غير صحيحة أو غير مشروعة ولذلك لابد لكل إنسان أن يمعن النظر دوما ليرى ما إذا كانت مشروعة أم غير مشروعة وها أنت اعتدت لأنك لم ترفضها وتضحي من اجل موقفك لتثبته أما أنا فلم اعتد على هذا بعد ولأنني لا أريد أن اعتاد فأغلب الظن أنني لن اعتاد .. ذلك لأنني أرفض الأسباب التي تقودني إلى الأعياد على هذا وبخاصة عندما يكون البديل ممكنا...
- وما هو البديل يا زبيبة؟
- أن تخرج من هذا القصر لتكون بين الناس , تعيش قريبا منهم ومن وسائلهم .. أترى يا جلالة الملك سمك جدران قصرك العامرة بك إنها سميكة وبلا نوافذ إلى الحد الذي لا تدعك تسمع وترى ما هو خارج قصرك بل إن فضاءات القصر مصممة لكي لا ترى حتى من هم داخل القصر ..
- وفق مقتضيات الحاجة للحكم والحماية , يا زبيبة يستخدم أي شيء ليحقق غرضه أو أغراضه .
- إن كل ما أراه وحتى جانبا كبيرا مما اسمعه منك الآن يا جلالة الملك يشكل عبئا عليك وليس وسيلة تحريك وتحقق أغراض الملك بوسائل مريحة لنفس الملك ومريحة لنفس الشعب إن قصرك على ما هو علية مفخرة للشياطين يا جلالة الملك!!

ذلك لان الشياطين تفرخ في القصور المهجورة وبما أن قصرك هذا موحش وجدرانه سميكة وليس فيه نوافذ كافية و مظلم وهوائه في الداخل فاسد والحركة فيه محددة على وفق إيقاع لا يتغير فإنه يصلح بصفات مهيأة على صورة ما يريد الشيطان ليجعله مكانا يتكاثر فيه مسرحا لهواه.
ومع الشيطان تكثر المؤامرات وتفرخ حسدا ورغبة في الملك وطمعا في السلطان ... ومثلما لا تجعل جدران قصرك تسمع ما هو خارجة ولا ترى النور وتتعامل مع الهواء الطلق في الخارج فإنها تمنع صوتك عندما يهاجمك متآمرون من أن يظهر في الخارج وتقطع عليك الطريق والنجدة وتمنع عنك المناورة بالقتال عندما تهاجم كما أن زواياه المظلمة تساعد في إخفاء كل الخناجر المبيتة بنية سوء وكل السهام التي تتربص بك يا جلالة الملك .
- نعم يا زبـيـ ب ة .. كلامك هذا حق وعدل ولكن هل تريدين مني أن أتنازل عن الملك وأكون خارج القصر مثلما عشت حياة الإهمال من والدي رحمة الله بمؤامرة من إخوتي وأبناء الجواري !؟
عند هذه اللحظة وصلا إلى مخدع الملك... وبعد حين من الحديث في شأنيهما فحسب . عادت زبيبة لتقول للملك:
عفوك يا جلالة الملك , أتمانع في أن نعود إلى كلامنا؟
- لا...لا .... تفضلي وقولي ما تريدين قولة , يا زبيبة.
- سألتني باستغراب عما قصدته عندما قلت رأيي بان تكون خارج القصر مثلما كنت في الأيام التي عشت فيها حياة الإهمال من والدك الملك السابق , وقلت إن ذلك قد تم بمؤامرة من إخوتك أبناء الجواري.. وقبل إن أجيبك يا جلالة الملك أذنت لي بأن اسمع منك قصتك هذه وكأنك أردت أن تقول انك كنت تعيش خارج القصر مهملا , وليس داخل القصر مثلما كان يعيش إخوتك وأمراء آخرون ... أليس هذا ما سمعته؟
- نعم يا زبيبة ...
- إذن , أرجوك لو سمحت بتطفلي أن اسمع منك قصتك قبل أن أجيب عن تساؤلك..
- عفوك يا جلالة الملك فانا لا امتنع عن الإجابة أو تن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
زبيبة والملك"رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين(الجزء الأول)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين" زبيبة والملك"(الجزء الثاني)
» رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين"زبيبة والملك"(الجزء الرابع)
» رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين"زبيبة والملك"(الجزء الثالث)
» رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين"زبيبة والملك"(الجزء الخامس والأخير)
»  رواية لكاتبها السيد الرئيس صدام حسين" زبيبة، والملك، والمخابرات المركزية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى حزب البعث العربي الاشتراكي :: خطب ولقاءات الشهيد صدام حسين-
انتقل الى: