التحزب في الإسلام أو تسييس الدين رؤية تاريخية نقدية
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: التحزب في الإسلام أو تسييس الدين رؤية تاريخية نقدية الخميس مارس 31, 2011 1:32 am
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ التحزب في الإسلام أو تسييس الدين رؤية تاريخية نقدية الرفيق : أ. د. أبو عبد الله العراقي الثلاثاء 29 آذار 2011 ترجع بدايات التحزب في الإسلام إلى سنة 35هـ حين تواطأ سرا الحانقون على عثمان بن عفان، رضي الله عنه، من أهل مصر والعراق ليأتوا مكة في موسم الحج متظاهرين بأداء المناسك، ومن ثم التوجه إلى المدينة المنورة، عاصمة الخلافة الراشدة، ومحاصرة الخليفة وإلزامه بالتنحي، وهكذا تطورت الأحداث حتى قتل عثمان، رضي الله عنه، فكان ما عرف في تاريخ الإسلام بالفتنة الكبرى، التي استمرت في خلافة علي، رضي الله عنه، وانتهت بمقتله أيضا، رضوان الله عليه، ليتولى الخلافة من بعده ابنه الحسن بن علي، رضي الله عنهما، ومن ثم تنازله عن الخلافة لمعاوية، رضي الله عنه، عام 41هـ، وهو ما عرف بعام الجماعة لتبدأ دولة الخلافة الأموية. ولم يقف الأمر من نتائج الفتنة عند هذا الحد بل استمر التصعيد الخطير في عملية الاستقطاب الحزبي لتسييس الدين بأن استشهد الحسين، عليه السلام، وبعده عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، وزيد بن علي رضي الله عنه وعن أبيه، لتأخذ عملية التحزب الديني آنذاك مداها في أربعة أحزاب هي : العلويون، والزبيريون، والأمويون، والخوارج، وما كان بينهم من صراع دموي من أجل بلوغ أهدافهم والانتصار على خصومها، متخذة الإسلام ستارا لهذا التحزب الدموي، ثم ما لبث عن ظهر العباسيون على أكتاف العلويين ليستفردوا بالسلطة وليستمر الصراع حتى سقوط الخلافة العباسية بيد الغزو المغولي. ومما يلفت النظر في عملية التحزب والصراع هذه أن الأعاجم وبخاصة الفرس قد ساهموا في تأجيج الصراع بوسائل شتى لا يتسع المجال للحديث عنها، سواء أكان ذلك في ظل الخلافة الأموية أم العباسية، أم بعد خروج الخلافة من يد العرب، ليأخذ هذا الصراع مداه المدمر في الاحتراب الطائفي القائم على تسييس الدين بين العثمانيين والصفويين في القرون الوسطى وبدايات العصر الحديث، لينتهي أمر العرب إلى الخضوع التام لسيطرة بريطانيا وفرنسا بعيد الحربين العالميتين على وفق ما هو معروف في اتفاقية سايكس بيكو. وفي بدايات عصر النهضة الحديثة تراجع الاتجاه الحزبي التقليدي المسيس للدين لصالح حركات التحرر الوطني والقومي ذات الاتجاه العلماني (بمعنى عزل الدين عن السياسة وليس بمعنى عزل الدين عن المجتمع)، إذ تمكنت حركة الثورة العربية من تحقيق نجاحات مميزة على طريق التحرر الوطني من سيطرة الاستعمار البريطاني والفرنسي، بعد أن تمكنت من توحيد الشعب كله على هذه الأهداف الوطنية (الثورة السورية، والثورة المصرية، والثورة العراقية، والثورة الجزائرية، وغيرها)، الأمر الذي دفع القوى الاستعمارية العالمية، وبخاصة بعد إقامة الكيان الصهيوني، وخروج الولايات المتحدة إلى العالم القديم لملئ الفراغ الذي تركته بريطانيا وفرنسا بعد انسحابهما مرغمتين من مستعمراتهما بعد نجاح حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا، وفي مقدمتها أقطار وطننا العربي، إلى تحريك النار التي تحت الرماد، ألا وهي نار الاحتراب الديني والطائفي لإضعاف حركة القومية العربية المتطلعة إلى تحقيق وحدة الأمة، ولتفتيت أقطار الوطن العربي على ضوء ذلك كي لا يكون قادرا على مواجهة الكيان الصهيوني. وهكذا بدأت تشهد ساحة العمل السياسي في الوطن العربي ظهور العديد من الأحزاب الدينية التي تجعل من الدين ستارا لنشاطها السياسي، وكان من الممكن جدا أن تحقق عملية استثمار الدين حافزا للنضال أو الجهاد لتحرير الوطن وتوحيد الأمة لو كانت النوايا صادقة والتوجهات صحيحة، وأعني بها الجهاد بنية خالصة لوجه الله تعالى على قاعدة وحدة المسلمين لإعلاء شأن المسلمين وإعادة أمجادهم التليدة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، إذ ارتبط نشوء هذه الأحزاب على قاعدة الولاء المذهبي أو الطائفي بحيث يقتصر نشاط الأحزاب الإسلامية السنية!! (جماعة الإخوان المسلمين، وواجهاتها الحزبية المتعددة الأسماء في أقطار الوطن العربي، وحزب التحرير) على أهل السنة، حتى أنهم يكفرون الشيعة، ويثقفون على معاداتهم، واقتصر نشاط الأحزاب الإسلامية الشيعية!! (الحزب الفاطمي المنحل، حزب الدعوة وفروعه، حزب الله وفروعه، عصابات جيش المهدي والتيار الصدري وغيرها) على الشيعة، وبخاصة الإثنى عشرية، حتى أنهم يكفرون الفرق الأخرى من الشيعة، كما هو الحال في تكفيرهم لبعض الزيدية، ناهيك عن تكفير السنة. وواضح أن هذا الاصطفاف لا يمكن أن يخدم الشعب ويوحده، بل يثير الاحتراب الطائفي بين أبنائه، كما هو حاصل اليوم في العراق في سياسات الأحزاب التي تدعي الإسلامية، كما لا يخدم الدين ولا يعلي من شأنه لأنه يجعل من الدين الطائفي وسيلة للكسب السياسي الرخيص، إذ أن مآل التسييس الحزبي للدين ستكون نتيجته الحتمية تخريب الدين والوطن على حد سواء، فلا توافق في الولاء للحزب والولاء للدين والطائفة، ولا توافق في الولاء للدين والولاء للحزب والطائفة، ولا توافق في الولاء للوطن والولاء للدين والطائفة والحزب، ولا توافق في الولاء للأمة والولاء للوطن والدين والطائفة والحزب، وهذا ما تعكسه اليوم بوضوح بعض التظاهرات في العراق ولبنان والبحرين واليمن، وهو ما يراد لمصر وسائر الأقطار العربية أيضا، وبالتالي فما الذي نتوقعه من هكذا اصطفا تفتيتي؟ وكيف يمكن، والحالة هذه، أن يشعر الإنسان بالانتماء للدين أو للأمة أو للوطن إذا كان ولاؤه ابتداء وانتهاء للطائفة، بل وللحزب تحديدا إذا ما تعددت الأحزاب الإسلامية!! للطائفة الواحدة كما هو واقع حالها الآن في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي؟. لهذا كان موقف البعث من هذه المسألة وما يزال في غاية الموضوعية والدقة والوضوح والسلامة، وهو الموقف الذي حدده القائد الشهيد صدام حسين رحمه الله وجعل الجنة مثواه في أحاديثه وكتاباته وفي قيادته للحملة الإيمانية العظيمة التي شهدها العراق منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي حتى قيام المجرم بوش ومن تحالف معه بغزو العراق واحتلاله، والذي يمكن إيجازه بنقطتين 1- البعث ليس حياديا بين الإيمان والإلحاد وإنما هو مع الإيمان ضد الإلحاد، ولكنه ليس حزبا دينيا ولا ينبغي له أن يكون كذلك. 2- البعث يرفض ويدين ويقاوم كل أشكال تسييس الدين ويعتز بالدين من غير سياسات لأن تسييس الدين يحوله إلى وسيلة تكتيكية رخيصة، في حين أن الاعتزاز بالدين بلا سياسة من شأنه أن يبقي الدين، وبخاصة الدين الإسلامي، غاية إستراتيجية عظيمة، لأنه روح الجسد العربي، ومحتوى رسالته الخالدة. وعلى هدي هذه القاعدة كان الحزب، وما يزال، يبني تنظيماته. فلا تمييز على أساس الدين، ولا الطائفة، ولعل هذا الأمر في مقدمة العوامل التي جعلت من البعث حزب الجماهير العربية حيثما يكون، كما كانت السبب فيما تعرض ويتعرض له الحزب من تآمر في العراق وغير العراق، وما جريمة اجتثاث البعث التي ينتهجها المحتل الأمريكي وسلطة العمالة في العراق إلا شاهد على هذا التآمر المحموم الذي لن يزيد البعث والبعثيين إلا إصرارا على مواصلة الجهاد لحمل رسالة الأمة، التي حملتها بإرادة الباري عز وجل إياها عنوانا لمجدها ومجد الإنسانية جمعاء، وتحملها اليوم طريقا لإنسانية جديدة ليس فيها عدوان أو تعصب أو استغلال أو استعمار. لذا يتوجب على المسلم المؤمن أن يجنب دينه كل مظاهر التسييس الحزبي كي يبقى المسلمون عامة والعرب خاصة موحدين في إطار الدين الذي ارتضاه الله لهم بعد أن أكمله، فجعلهم بسببه إخوة لقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، فهل نقبل أن يأتي من يأتي ليطعن هذه الأخوة وهذا الدين بتسييسه على قاعدة الولاء الحزبي الطائفي، أم نتمسك بهذه الأخوة، ونعتز بالدين الواحد الموحد بلا سياسات تمزقه وتفرقنا، كي نستعيد مجدنا، ونبني أمتنا، ونتواصل مع دورها الإنساني، الذي عبرت عنه في حمل هذه الرسالة العظيمة إلى مشارق الأرض ومغاربها.
التحزب في الإسلام أو تسييس الدين رؤية تاريخية نقدية