في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الثالث :)من معاني الانقلاب(22)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الثالث :)من معاني الانقلاب(22) الجمعة ديسمبر 23, 2011 5:38 am
في سبيل البعث - الجزء الأول: الباب الثالث: من معاني الانقلاب(22) لن اطرق في هذا الحديث(1) موضوعا شاملا كاملا، بل افضل ان آخذ بعض ما توحيه فكرة الانقلاب التي يقوم البعث العربي عليها. ايها الاخوان : لنحاول ان نتخلص من افكار اصطلاحية كثيرة ومن نقل العبارات المألوفة، والالفاظ المجردة، ولنحاول ايضا ان نرتفع قليلا فوق المشاكل القريبة العارضة، لنحاول ذلك كله، لكي نقترب من حقيقة مشكلتنا الكبرى، ومن حقيقة قضيتنا كأمة حية تنشد الحياة الصحيحة، وتشق طريقها بنفسها وبجهدها واثقة مؤمنة. ما هو الانقلاب؟ هل تقف عند حدود التعريفات السياسية؟ هل يبقى فهمنا مقصورا على البرامج السياسية، وما تحويه من مشروعات ومقترحات، لتنظيم الحياة العامة في مختلف نواحيها؟ ام نفهم من الانقلاب شيئا اعمق واصدق؟ اننا نفهم من الانقلاب هذه اليقظة الحقيقية التي لم يعد مجال لانكارها والتشكك فيها ، يقظة الروح العربية في مرحلة فاصلة من مراحل التاريخ الانساني. الانقلاب في حقيقته هو هذه اليقظة، يقظة الروح التي تراكمت عليها اثقال الاوضاع الجامدة الفاسدة، وحالت زمنا طويلا دون ظهورها ودون انبثاقها واشعاعها. هذه الروح، تشعر اخيرا بالخطر الكبير، بالخطر الحاسم، فتنتفض انتفاضة حاسمة. وانتفاضتها هذه، وسيرها لن يكون الا في تيار معاكس للاوضاع التي عاقت ظهورها، والتي اثقلت عليها الاحمال، وشوهت طريقها، السير في طريق معاكس للاوضاع الراهنة، للاوضاع الفاسدة المريضة الزائفة، هذه المغالبة للتيار بقصد ان تستيقظ بقايا الروح الاصيلة في كل مكان توجد فيه، وتتجمع وتتكتل، لابد من هذا السير المعاكس للمادة، الذي يحيا في كل خطوة من خطاه، الذي ينبه ويوقظ، الذي يرد الى القوى الغافية والكامنة انتعاشها، وجديتها، وصحوها، وشعورها باستقلالها، وقيمتها وتأثيرها. فالانقلاب قبل ان يكون برنامجا سياسيا واجتماعيا هو هذه الحركة الدافعة الاولى، وهذا التيار النفسي القوي، هذه المغالبة الي لابد منها، والتي لا يفهم اي بعث للامة بدونها، ذلك ما نفهمه من الانقلاب. اذن فنحن لا نحارب الاوضاع الراهنة لانها فاسدة فحسب، بل نحاربها لاننا مضطرون الى ان نحارب، لانه لا بد لنا من ان نحارب، لا بد للامة من ان تستكشف في نفسها بقايا القوى الصادقة، وان تستخرج من اعماقها كنوز الحيوية الكامنة، اننا نناضل ونكافح الاوضاع السياسية والاجتماعية الزائفة، الفاسدة، لا لمجرد ازالتها وتبديلها، بل ايضا لكي تعود للامة وحدتها في هذا النضال. فالامة انكرت ذاتها نتيجة الغفوة الطويلة، ونتيجة التشويه الطارىء عليها حتى لم تعد تعرف ذاتها، ولم يعد يعرف بعضها بعضا، لقد انقسمت ايما انقسام، فتناثرت اجزاؤها وافرادها، وهبطت الى مستوى وضيع والى سجن الانانية، وسجن المصالح الصغيرة، وسجن اعياد الجمود والقعود. وفي مثل هذا المستوى لا تنشأ وحدة بين الامة، ولا توجد الحرارة الكافية للتعارف والتآلف بين هذه الملايين من العرب. لا بد اذن من غليان لا بد من مستوى مرتفع، مضطرب، متحرك، لا بد من مشاق نجتازها، لا بد من سير طويل يدخل فيه الفكر مع الخلق مع الايمان، وان نجرب ونخطىء، ونصحح اخطاءنا. هكذا نتعارف، وهكذا يعود بعضنا الى بعض، فتتوحد الامة في طريق النضال والمشاق. هذا بالنسبة للأمة كمجموع، واما بالنسبة الى افرادها، فالانقلاب الذي عرفناه بانه مغالبة للتيار، هو وحده الذي يكون الشخصية العربية من جديد، هوالذي يلقي على كل فرد تبعة اعماله، وهو الذي يطلق الفكر حرا مستقلا، ويقيم الخلق مسؤولا جديا، وهو الذي يفجر نبع الايمان في الروح، لان مثل هذا السير الطويل الشاق لا يستغني عن الايمان، بل ان مادته ودمه ينبعان من هذا المصدر الروحي. فالانقلاب اذن طريق، طريق الى الغاية المنشودة، الى المجتمع السليم الذي ننشده. ولكنه ليس طريقا من الطرق، انما هو الطريق الوحيد. لهذا السبب الذي ذكرته -حتى لو ازيلت هذه الاوضاع من امامنا بمعجزة من المعجزات- فلن نكون الأمة المطلوبة ولن نصل الى الأهداف المطلوبة ولن نبني المجتمع المطلوب ولكن الأمة التي نريدها، والمجتمع الذي نريد ان نبنيه، متوقف علينا نحن، متوقف على جهودنا، على صدقنا، على وعينا، ولا يهبط من السماء، ولا يخرج بشكل آلي، ولكنه في فكرنا، وخلقنا، اذن لابد ان نمشي في هذا الطريق. مغالبة التيار هي، في مثل حالتنا، المقياس الوحيد الذي يميز بين الصدق والكذب، بين الجد واللهو. عندما نجد الاستعداد لمغالبة التيار، عندئذ تصبح الاقوال والافعال والبرامج، وكل شيء آخر، ثانوية، ويصبح الشيء الوحيد الملموس الراهن الذي يمكن ان نطمئن الى وجوده هو ان نجد من يستطيعون تحمل هذه التبعة، ومن يسيرون في طريق معاكس للوضع القائم في البلاد العربية، وعندها تنشأ تباعا، وتنبت الفضائل المطلوبة لإكمال الطريق، وللبناء الجديد في نهاية الطريق. فالانقلاب هو مغالبة الحقيقة للواقع، لان للامة حقيقة رغم تخلفها ورغم تشوهها، وهذه الحقيقة تعلن عن نفسها مهما تكن سيطرة الواقع. والانقلاب هو هذا الاعلان، هذا الاثبات لوجود الحقيقة. الانقلاب هو مغالبة المستقبل للحاضر، لان اهدافنا المستمدة من اعماقنا ومن روحنا شعت وانطلقت تسبقنا، لتغرينا بالسير نحوها والتسابق اليها، هذا هو المستقبل، فالانقلاب هو اذن مغالبة هذا المستقبل، الذي هوحقيقة انفسنا واهدافنا، للحاضر المزيف، للحاضر الغريب عن حقيقتنا. ايها الاخوان : الماضي شيء حقيقي، وشيء اصيل في حياة امتنا، ومن العبث ومن الخطل ومن العقم في التفكير ان ننكر هذه الحقيقة، اننا نقصد بالماضي ذلك الزمن الذي كانت فيه الروح العربية متحققة. وماذا نقصد نحن بالمستقبل، وما هو هذا المستقبل الذي يغرينا ويدفعنا الى النضال ان لم يكن هو الزمن الذي يجب ان تتحقق فيه روحنا الاصيلة. فماضينا بهذا المعنى الصافي الصادق، ارسلناه امامنا، اشعاعا ينير لنا الطريق ولم نتركه وراءنا نندب عهده ونستصرخ عونه، وننتظر بجمود وخمول ان يأتي هو الينا، وان ينزل الى مستوانا. ليس هذا هو الماضي، الماضي كحقيقة للروح العربية، كحقيقة متحققة للروح العربية لايمكن ان يأتي، ولا يمكن ان يرجع ويهبط وينزل، وانما علينا نحن ان نسير نحوه سيرا تقدميا الى الامام، وان نرتفع اليه ونصعد، وان نسلك طريقا وعرة صعبة حتى ننمي فينا الفضائل والمواهب والقوى التي تؤهلنا اخيرا لان نفهمه، فنمتزج به ونلتقي معه. فالسير التقدمي، والسير الصاعد في طريق الانقلاب هوالسبيل الوحيد لالتقائنا بماضينا. وهذا الالتقاء لايكون الا ارتقاء، ولا يكون هبوطا وانحدارا، او جمودا وامعانا في الجمود والقعود. الى جانب هذه النظرة نحو الماضي التي نضعه في مستقبل بعيد يستثير فينا الهمم، نرتفع اليه ونبلغه بعد الجهد، ونستحقه استحقاقا كريما، توجد النظرة الاخرى التى تعكس ظلال الحاضر السوداء، البشعة، الثقيلة، على ذلك الماضي، فيفهم من الماضي انه استمساك بالحاضر وتشبث عنيد للاحتفاظ به، والاغراق في اخطائه ومفاسده. فكيف يكون هذا الماضي انطلاقا روحيا، وفكرا مبدعا وخلقا قويما مستقلا، وايمانا حيا فياضا؟ التشبث بالاوضاع الراهنة، المحافظة عليها ،الدفاع عن هذه الاوضاع التي تهدد العرب بالانقراض، ليس هذا هو الماضي، بل انه هو الحاضر، هو الواقع الفاسد، هو النفعية، هوعبودية المصالح. اما الماضي الحقيقي فهو الذي يدعونا حنيننا اليه، الى ان نعي ونجد، ونناضل ونرتفع. هذا هو الماضي الروحي الحر السليم الذي كان للعرب. لقد كان هذا الماضي عهدا تحققت فيه الروح، اي انه كان هو نفسه انقلابا بلغ فيه الفكر حريته واستقلاله، ونضارة احساسه بالحياة وبالعلم فابدع ونظم، وانسجم مع قوانين الحياة والطبيعة، وبلغت فيه الشخصية حريتها وفرديتها وجديتها ومسؤوليتها، فانطلقت تعمل اعمالا حرة، وتقف مواقف بطولية وتتجاوز حدود الانانية الى الانسجام مع الارادة العامة والانسجام مع المجموع وبلغت فيه الروح ينبوعها الصافي فامتلأت خصبا و تجددا، وعرفت قدرها الازلي، فاشبعت بالايمان. لقد كان ماضينا انقلابا، ولن نبلغ مستواه، ولن نلتقي به الا عن طريق الانقلاب. فالانقلاب الجديد هو السير الواعي الجاد، المؤمن، نحو هذا المرتفع الذي يحل فيه التناقض وتوحد الاضداد، ويلتقي الماضي بالمستقبل، وتتصالح الامة مع نفسها في الابداع واداة الرسالة. يسالوننا ايها الاخوان ماذا تقصدون بالرسالة، الرسالة العربية الخالدة؟ الرسالة العربية ليست الفاظا نتغنى بها، ليست مبادئ توضع في البرامج، ليست مواد للتشريع، كل هذه اشياء ميتة زائفة، لان بيننا وبين الوقت الذي نستطيع فيه ان نشرع من وحي روحنا ورسالتنا مسافة طويلة، وفاصلا كبيرا. ما هي اذن الرسالة الآن؟ هى حياتنا نفسها، هى ان نقبل بتجربة لهذه الحياة، بتجربة عميقة صادقة ضخمة جسيمة مكافئة مع عظمة الامة العربية، مكافئة مع عمق الآلام التي يعانيها العرب، متكافئة مع جسامة الاخطار الي تهدد بقاء الامة. هذه التجربة الحية الصادقة، التي تردنا اخيرا الى ذواتنا، والى واقعنا الحي، وتحملنا مسؤولياتنا وتضعنا فى طريقنا الصحيح، لكي نكافح هذه الامراض وهذه الحواجز، وهذه الاوضاع الزائفه، نكافح الظلم الاجتماعي والاستثمار الطبقي، وعهود النفعية والرشوة والاستغلال ونكافح الاستبداد، وتزييف الارادة الشعبية وامتهان كرامة الفرد العربي كمواطن وانسان، في سبيل مجتمع حر يسترد فيه كل عربي شعوره بذاته ووجوده وكرامته، بفكره ومسؤولياته.. التجرية التي نكافح فيها تقطيع اوصال الامة العربية الى اقطار ودويلات مصطنعة مزيفة، حتى نصل الى توحيد هذه الاعضاء المتناثرة حتى نصل الى حالة سليمة طبيعية لا يتكلم فيها عضو مبتور باسم الكل، حتى نتخلص من هذا الوضع الغريب الشاذ. عندها يستقيم للعرب ان يجتمعوا كلهم فتستقيم نفوسهم، وتتصحح افكارهم، وتتقوم اخلاقهم، ويتفتح مجال الابداع امام عقولهم، لانهم اصبحوا كائنا طبيعيا سليما، امة واحدة. فهذه التجربة السليمة الصادقة لمكافحة هذه الاوضاع حتى نصل الى الوضع السليم، تلك هي الرسالة العربية. والرسالة هي ما يقدمه جزء من البشر الى مجموعة الانسانية، ولا يعطى معنى الرسالة لشيء ضيق اناني وانما لابد لها من المعنى الانساني الشامل الخالد فد تتساءلون كيف تكون رسالتنا هذه فى معالجة مشاكلنا، فاقول لكم بان العرب عندما يقدمون على هذه التجربة، وهم في الواقع قد بدأوا فيها وانغمسوا فيها ولن يتراجعوا مطلقا، عندما يقومون بكل ذلك، فانه لن يقتصر عمل هذه التجربه على حل مشاكلهم فحسب، بل يخرجون منها بتجربة انسانية عميقة تخلق فيهم شخصية مشبعة بآلام الحياة الانسانية ومعرفة اسرارها، ومداومة امراضها، فيقدمون للعالم وللانسانية كلها ثمرة هذه التجربة الخالدة. شباط 1950 (1) حديث القي في مكتب البعث العربي في حمص منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الثالث :)من معاني الانقلاب(22)