في سبيل البعث - الجزء الثاني( الباب الاول )البعث هو الانبعاث من الداخل(2)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث - الجزء الثاني( الباب الاول )البعث هو الانبعاث من الداخل(2) الجمعة ديسمبر 30, 2011 10:27 am
في سبيل البعث - الجزء الثاني: الباب الاول: البعث هو الانبعاث من الداخل(2) ان نشوء حزب البعث هو نتيجة حاجة الى معالجة مشاكل الوطن العربي معالجة جذرية وكلية، وعلى أساس ان هذا الوطن يشكل وحدة وان شعبه يشكل امة. وان نقطة انطلاق المعالجة هي الأمة نفسها، لا بمعنى تجاهل وإهمال صلتها بالعالم، ولا بمعنى اعتبارها هي الغاية وكل ما سواها وسيلة لها، بل بقصد الاهتداء إلى المعالجة الصحيحة والعميقة لمشاكل هذه الأمة، معالجة تنبع من حاجاتها الخاصة ومن تفاعلها مع العالم، دون التقيد بأية نظرة مصطنعة تفرض من الخارج، سواء أكانت أممية طبقية أو أممية دينية أو أي شيء من هذا القبيل. لاعتقادنا بأن الحاجات الصادقة العميقة لأية أمة، وخاصة لامتنا في وضعها الراهن ومرحلتها التاريخية الحاضرة، تتضمن بالضرورة الحاجة إلى قيام تعاون متين الأسس وواضح الاتجاه بينها وبين الأمم الأخرى، أو بالأصح، قيام تعاون عالمي تكون هي جزءاً فعالا فيه. واعتبرنا ان الانطلاق من الداخل إلى الخارج هو الطريق الصحيح لا العكس، لأن تسخير الأمم والشعوب لنظام من فوقها ومن خارجها يبقى، إلى حد بعيد، في العمل والتطبيق وفي الأوضاع الراهنة للعالم، ومهما تكن القيود والضوابط، تسخيراً لهذه الأمم والشعوب لمصلحة اتجاه وظروف أمة معينة يتجسد فيها هذا النظام. وكان القصد من هذه النظرة ان نتجاوز وضع المسألة على شكل غاية ووسيلة إلى ما يوحد بأكثر قدر ممكن بين الغاية والوسيلة، فلا يعود أي شعب وأي بلد وسيلة لغيره أو غاية تكون الشعوب والبلدان الأخرى وسائل له. هذه النظرة مبررة بوضع الأمة العربية في هذه المرحلة، إذ ان العدوان على حريتها وسيادتها ووحدتها يأتي من الخارج، ومن الخارج أيضا يقدم لها الحل "الثوري" الذي يدعي انه يكفل لها استرداد سيادتها واستقلالها والتخلص مما ترزح تحته من استعمار أجنبي وتخلف واستغلال. أي انه لا يحسب لإرادتها حساب ولا لما تشترطه الثورة من تحريك عميق للقوى الذاتية. وليس الأمر مقتصراً على هذا الحد، إذ ان هناك فرقاً أساسيا بين صورة الثورة وأسلوبها وأهدافها، والمعاني الكثيرة التي تحملها عندما تكون نابعة من الداخل ونتيجة معاناة وتجربة كاملة، وبين صورتها عندما تفرض من الخارج وتستقي من تجربة أخرى مختلفة. إن فكرة البعث تحاول ان ترتفع فوق كل من المنطق القومي المتعصب والمنطق الاممي المتعسف، فأولهما يجعل مصلحة الأمة هي الغاية ويكون اهتمامه بالمشاكل العالمية بمقدار ما تمس هذه المشاكل مصلحة الأمة فحسب. والآخر يتخذ من تحقيق الثورة العالمية غاية ومن المصالح الخاصة بكل امة وسائل لهذه الغاية. أما منطق البعث فهو يربط بين القومية والإنسانية حتى لتكاد تصبح أحداهما مرادفة للأخرى، فالإنسانية لديه ليست شيئاً اعلى من القومية، وبالتالي فهو لا يعتبر القومية مرحلة مؤقتة. إن مفهوما معينا للثورة العالمية يوحي بإهمال الحاجات الأساسية العميقة لكل امة بمفردها من أجل تلبية حاجات الثورة العالمية. وإذا سمح بمعالجة مثل هذه الاحتياجات الضرورية والخاصة بكل أمة في حدود قوميتها وظروفها الاجتماعية والفكرية، فان هذه المعالجة تتم على مستوى سطحي ومفتعل. وينتج عن هذا، ليس فقط ان تظل هناك احتياجات أصيلة في داخل كل امة لم تلبّ، وإنما أيضاً ان يتناقض هذا المنطق مع نفسه بمعنى انه لا يحقق ما يدعي انه يرمي إلى تحقيقه من حيث انه منطق ثوري. فالعلاج الصحيح للمجتمع العالمي إنما يكون بتلبية الحاجات الخاصة بكل امة وبمعالجة مشاكلها المعالجة المناسبة لها الناتجة عن ظروفها هي نفسها بكل تعقيداتها، وبهذا تغني كل امة بقية الأمم نتيجة ممارستها لتجربتها الخاصة. فالذي نريد أن نؤكده دوماً هو ان حركة البعث حركة قومية بمعنى أنها من داخل الأمة، ولهذا فهي تتمتع بحرية كبيرة لأنها تستوحي أفكارها وخططها من حاجات الشعب العربي. فهذا الموقف يعطيها قوة خاصة لأنها واثقة من تجاوبها مع حاجات الأمة ومع ظروف البلاد، ولثقتها هذه تتكلم وتعمل بجرأة وصراحة أكثر من أية حركة أخرى، ولا تحتاج إلى التناقض أو التحولات المفاجئة بين حين وآخر. فهي إذن لعدم تقييد حريتها منذ البداية بحركة أو نظرة خارجة عن ظروف وحاجات الأمة العربية، اقرب بكثير إلى الانسجام مع نفسها دوماً وأكثر جرأة في الإعلان عن أهدافها الثورية وفي إتباع الأسلوب الثوري المنسجم مع هذه الأهداف، وبالتالي في تحريك القوى الثورية للمجتمع لأنها ليست مشبوهة في نظر الشعب أو غريبة عنه. وهذه القوة تمكنها من زيادة ثوريتها، وزيادة صراحتها في العمل الثوري وبالأسلوب الثوري. أما الحركة التي لا تستطيع أن تكسب ثقة الجماهير ويبقى جمهورها محدوداً، فهي مضطرة إذن إلى أن تداور وتوارب وتبتعد عن النهج الثوري، أي إلى الظهور على غير ما تدعي أنه حقيقتها. فحركة البعث تقوم فعلاً على الوعي الشعبي، الذي هو اكبر قوة تستند إليها، لأنها منطقية مع نفسها ومع الشعب، في حين ان حركات أخرى لا تستطيع أن تعتمد كثيراً على الوعي إلا في نطاق القلة الحزبية المنظمة والقادرة على أن تفسر أسباب البعد عن الصراحة والتكتم في الأهداف.. أما بالنسبة للجماهير الواسعة فيتعذر على هذه الحركات أن تشكل لها وعياً، نتيجة هذا البعد بين أهدافها البعيدة وأهدافها القريبة، بين ممارستها وبين نظريتها. القاهرة، آذار 1957 منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
في سبيل البعث - الجزء الثاني( الباب الاول )البعث هو الانبعاث من الداخل(2)