في سبيل البعث - الجزء الثاني:(الباب الاول) القومية حقيقة حية ذات مضمون ايجابي أنساني(3)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث - الجزء الثاني:(الباب الاول) القومية حقيقة حية ذات مضمون ايجابي أنساني(3) الجمعة ديسمبر 30, 2011 10:30 am
في سبيل البعث - الجزء الثاني: الباب الاول: القومية حقيقة حية ذات مضمون ايجابي أنساني(3) لقد انطلقت فكرتنا من خطوط أساسية كبرى (1)، تعتبر أولا ان القومية حقيقة حية لا يمكن تجاهلها ولا يمكن افناؤها وليس من الخير ان تتجاهل أو تفنى، إذا ما فهمت فهماً سليماًَ، وإذا ما بنيت على أسس إنسانية متينة ايجابية، لا دخل للتعصب والانكماش ولعوامل التفرقة فيها. لم يُظهر لنا التاريخ الإنساني بعد ان القومية شيء طارئ عابر سطحي يمكن ان يتلاشى تبعاً لتبدل الظروف السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية بل إن ما يرينا إياه التاريخ هو ان القومية تتغلب على شتى التبدلات السياسية والاجتماعية وغيرها، وتظل حية حتى في حالة ضعفها وتراخي روابطها وغموض وعيها لذاتها. والنظرة المتعمقة ترينا ان القومية، وإن كانت تتأثر وتتغذى بكثير من العوامل الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنها تظل أعمق من هذه العوامل وأرسخ قدماً وأبعد غوراً في التاريخ، فهي من صنع أجيال وقرون وهي نتيجة تراكم طويل وتفاعل عميق أوصل إلى خلق صفات مشتركة وروابط روحية ومادية بين مجموعة من البشر أصبحت هي الشخصية المعبرة عن هذه المجموعة وهي المجال الطبيعي والحياتي الذي تنطلق فيه هذه المجموعة في تحقيق إنسانيتها. والقومية ليست كما يمكن ان يوهم التفكير المنطقي السطحي درجة في سلم التطور والارتقاء، وان بينها وبين الإنسانية فاصلاً أساسيا وتفاوتاً في الدرجة والقيمة، بل أنها هي تربة الإنسانية وهي المجال الحي لإخصابها، وان الإنسانية ليست وضعاً اجتماعياً أو سياسياً يمكن ان يتحقق تحققاً مادياً في التاريخ، بل هي روح واتجاه ومثل تنبثّ في تكوين الشعوب والأمم وتلون حضارتها وتوجه سلوكها وأخلاقها، فالإنسانية مرافقة للقومية وليست لاحقة لها. وإذا فهمنا القومية فهماً ايجابياً سليماً، فإننا لن نراها ولن نقيمها على صورة تعزل الأمم بعضها عن بعض، وتوجد بينها الحواجز والأحقاد، بل نراها في سبيل التفاهم والتعاون الواقعي المجدي بين الأمم، وسبيل التكامل والتنافس الايجابي لكي يكتمل المعنى الإنساني بهذا التنوع، ولكي تكتمل الحضارة الإنسانية بهذا التخصص. فبقاء القوميات لا يعني تعذر قيام روابط إنسانية أعلى وأوسع من الرابطة القومية، فقد توجد روابط روحية أو مادية دائمة أو عارضة بين مجموعة من الأمم، تربط فيما بينها سواء رابطة الدين المشترك بين عدد من الأمم، أو الوضع الجغرافي في قارة من القارات، أو النظام الاجتماعي المتماثل أو المتقارب، أو الضرورة الاقتصادية للتعامل والتبادل، كما يمكن ان توجد روابط تدفع عدداً من الأمم إلى التفاهم والتعاون لدفع خطر معين، ولتغذية اتجاه جديد فيه خير لمجموعها ولمجموع الإنسانية، كما يحدث الآن في التكتل الآسيوي الإفريقي بين أمم عانت تجربة واحدة أو متقاربة في معاناة الاستعمار مدة من الزمن وفي مكافحته والتحرر منه والسعي للدفاع عن نفسها ضد احتمال عودته، والعمل على إشاعة روح السلم والتعاون بين جميع الشعوب لكي يتقلص الاستعمار وينحسر ويخف أذاه وينعدم بالنسبة لهذه الأمم الآسيوية والإفريقية، وبالنسبة لشعوب العالم كله. إذن فالشيء الذي نقوله ونؤمن به هو ان وجود شخصية للأمة، واضحة متميزة، نامية وناضجة، هو الشيء الايجابي المثمر الخيّر الذي يساعد على التعاون بدلاً من ان يعوقه، ويفتح الأمم بعضها على بعض، ويوجد بينها التجاوب، وان فقدان هذه الشخصية أو انطماسها وغموضها هو المعرقل للتعاون وهو المغلق لنفوس الشعوب اذ ان الذي لا يعرف نفسه لا يستطيع ان يعرف غيره، والشعب الذي لا يحس بشخصيته وبالروابط التي تربط أفراده بعضاً إلى بعض، من العبث ان يشعر بروابط تتطلب جهداً أكبر وتعمقاً أكثر. هذا هو فهمنا الايجابي للقومية بأنها هي هذا المستوى الناضج الذي بلغته المجموعات البشرية نتيجة تفاعل قرون طويلة بين إفرادها وبين الظروف الطبيعية والتاريخية التي مرّت بها والتي نسجت فيما بينها روابط مادية وروحية مشتركة، أهمها واعلاها هي رابطة الثقافة. هذه هي النقطة الأولى التي انطلقنا منها عندما بدأنا عملنا من أجل تحقيق أهداف الأمة العربية في هذه المرحلة، في التحرر والحرية وفي الوحدة القومية وفي تبديل النظام الاجتماعي الفاسد، وان نستبدل به نظاماً تقدمياً سليماً يضمن انطلاق مواهب المواطنين جميعاً، ويضمن الانسجام فيما بينهم، وزيادة الإنتاج في وطننا وتكافؤ امتنا مع غيرها من الأمم، وتكافؤها مع مسئوليتها التاريخية. فلم نفكر طويلا في البحث والتنقيب عن مقومات الأمة العربية، وهل لها من المقومات والروابط المشتركة بين جميع أقطارها وأبنائها ما يبرر وحدتها ووحدة نضالها ووحدة أهدافها. فذلك واضح يفرض نفسه فرضاً، ولا يجادل فيه إلا المكابرون وإلا ذوو الأغراض من المستعمرين الذين ادخلوا التشكك في أذهان بعض أبناء شعبنا، واستغلوا حالة الجهل وحالة التفرقة، وحالة انخفاض مستوى الحيوّية ومستوى الحضارة والوعي في امتنا، فأطلقوا هذه الشكوك ليتركونا نجادل في البديهيات. ولم نر ان من واجبنا البدء في تقديم البراهين على قوميتنا ومبررات وجودها، لأننا لم نتصور هذه القومية تصوراً سلبياً، لم نتصور أنها وجدت لتخاصم غيرها، ولكي تثبت وجودها وحقها إزاء قوميات أخرى، أو لكي تدعي التفوق أو حق السيطرة على غيرها أو لتدفع التهمة عن نفسها. لم ننظر إلى امتنا هذه النظرة المنفعلة السلبية، بل اعتبرنا هذا الوجود القومي يعلن عن نفسه بنفسه، وبمجرد استمراره وتغلبه على نواحي الضعف التي طرأت على الأمة العربية طوال عدة قرون، والتغلب على المحن التي خلفها الاستعمار الخبيث الذي عمل جاهداً لتفكيك قوميتنا، فمجرد استمرار هذا الشعب واستمرار شعوره برابطته وبتراحمه هو دليل ان هذه القومية قائمة وباقية.. وإنما التفتنا إلى ما هو أجدى، التفتنا إلى الناحية الايجابية، لا لنخاصم أمماً أخرى، ولا لندفع عن أنفسنا التهم، بل لنصلح من شؤوننا، ونزيل عوامل الضعف، التفتنا إلى محتوى القومية لنبني وعيها على أسس سليمة فعالة، وقلنا ان الشيء الذي يهم العرب في هذا الوقت هو ان يتحرروا من الاستعمار الأجنبي، وان يتحرروا من النظام الاجتماعي الفاسد الذي يخنق قواهم ويعطل طاقتهم، ويهدر إمكانياتهم، ويتحرروا من التجزئة المصطنعة التي قطعت أوصال الجسم الواحد ويتحرروا من كل العوائق الرجعية التي تقيد العقل وتمنعه من التجدد والإبداع، وتغل المجتمع بقيود العادات والتقاليد السقيمة التي لم تعد تتجاوب مع الحياة، هذا هو ما فهمناه من القومية. إن مشكلتها ليست في البرهان على وجودها وإنما في تحقيق مضمون ايجابي حي لها. 22آذار1957 (1) حديث ألقي في نادي المغرب بالقاهرة في 22 آذار 1957 . منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
في سبيل البعث - الجزء الثاني:(الباب الاول) القومية حقيقة حية ذات مضمون ايجابي أنساني(3)