في سبيل البعث- الجزء الثالث(الباب الاول)بناء المناضل(7)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث- الجزء الثالث(الباب الاول)بناء المناضل(7) الثلاثاء يناير 03, 2012 3:16 am
في سبيل البعث- الجزء الثالث الباب الاول بناء المناضل(7) أيها الرفيقات والرفاق(1) من الطبيعي ومن الواجب أن نولي هذه المدرسة الاهتمام الكبير لأنها تعنى ببناء المناضل، والمناضل العربي هو الأساس لحزبنا والأساس لحركة الثورة العربية. تقوم حركتنا على الإيمان بالجماهير العربية الكادحة، بالجماهير الواسعة. ولكننا لا ننظر إلى الجماهير ككتلة تحركها الغريزة أو الحاجات المادية أو التأثيرات الانفعالية، بل ننظر إلى جماهيرنا بأنها مؤلفة من أفراد أحرار من مواطنين واعين لارتباطهم بقضية أمتهم وملتزمين بهذه القضية ومصممين على بناء المستقبل العربي، فإذن المناضل العربي هو أساس الجماهير التي تقوم عليها حركة الثورة العربية التي نؤمن بأنها هي صانعة التاريخ. أيها الرفاق، بين الحين والآخر علينا أن نرجع إلى الكلمات والشعارات التي ننادي بها ونعلنها لنرى إذا كانت لا تزال حية ندية تنبض فيها الحياة بكل قوتها وحرارتها او إنها أصبحت أشكالا فارغة ولم تعد تعني شيئا كثيرا وإنها قد أفرغت من محتواها وان الحياة في جهة والكلمات في جهة أخرى. الحركة الثورية الحريصة على الصدق وعلى التجدد وعلى أن تبقى دوما قريبة من قلوب الجماهير وقريبة من نبضات التأريخ.. عليها أن تعيد النظر بين الحين والآخر لتمتحن عملها وأفكارها وشعاراتها ولترى بملء الرؤية إذا كانت لا تزال قريبة من الواقع -إذا كانت لا تزال تعبر فعلا عن الأفكار والأهداف التي تجندت الحركة الثورية على أساسها وبدافع منها.. لذلك أقول أيها الرفاق بأن الثورة، كل ثورة، والثورة العربية بخاصة إنما ولدت من اجل الإنسان العربي، لان الإنسان هو الذي يصنع الحياة وهذه العودة بين الحين والآخر إلى الواقع بنظرة فاحصة نقدية هي التي ترينا إلى أي حد نجحنا في بناء هذا الإنسان الجديد، في تنمية الإنسان العربي الذي هو أغلى ثروة والذي هو يصنع التنمية المادية، الإنسان بصورة عامة في كل مكان وزمان هو مادة وروح لا يكفيه ولا يغنيه أن يأكل ويشبع فحسب، وليس هذا أهم شيء في إنسانيته وإن كان شيئا ضروريا أن يأكل ويشبع، ولكن إنسانية الإنسان الحقة إنما تبدأ بعد الشبع، بعد الأكل، عندما يحقق مواهبه وقدراته، عندما ينظر إلى مهماته الاجتماعية والقومية التي تعطي معنى لحياته، إنسانية الإنسان تبدأ عندما ينصرف إلى العمل والخلق والإبداع والنضال والى كل شيء يتجاوز شخصه ويتجاوز أنانيته الضيقة لأنه عندئذ يشعر بملء إنسانيته وبأنه ليس خلية عمياء في جسم أو في آلة، وإنما هو فرد حر وجد لغاية سامية في هذه الحياة وأنه مطالب بأن يعطي لحياته معنى ساميا. الضرورات الحياتية، الضرورات المادية، هي مهمة جدا ولا يمكن أن نستخف بها وأن نقلل من شأنها، وقد قامت ثورات كثيرة وتقوم ثورات بدافع الجوع وبدافع الحاجة الماسة إلى ضرورات الحياة، وتأمين هذه الضرورات أمر في غاية الأهمية.. لان الإنسان إذا كان محروما من هذا الحد من تأمين الحاجات المادية فأن إنسانيته تكون ناقصة وتكون مشوهة، لأنه لا يكون في وضع يؤهله لأن ينظر إلى المستقبل وينظر إلى الآخرين وينظر إلى ما يتجاوز شخصه ويومه وينظر إلى المثل والمبادئ، وإنما يكون مستعبدا لهذه الحاجات الضرورية القاهرة، فجزء كبير ومهم من عمل الثورة، كل ثورة، هو تغطية هذه الناحية.. تأمين هذه الحاجات لأبناء الشعب، لذلك لم نبن حركتنا على المثالية الفارغة، إنما بنيناها على الواقع وجعلنا لهذه الناحية أهمية خاصة، ولكننا لم نقف عند هذا الحد ولم ننظر إلى الإنسان العربي والى الجماهير العربية نظرة فقيرة بأنها لا تطلب إلا الخبز، لو اكتفينا بهذه النظرة لكنا ضحينا بأهم شيء في الإنسان وفي الأمة. أيها الرفاق لنعد قليلا إلى شعارنا المعروف والذي يتردد كل يوم على ألسنتنا (الوحدة والحرية والاشتراكية)، الاشتراكية هي التي تراعي هذه الناحية التي أشرت إليها. هذه الناحية هي بالنسبة إلى كل شعب ناحية في غاية الخطورة ولكنها بالنسبة إلى الشعب العربي والى الأمة العربية هي ذات خطورة خاصة وبالغة ولعلكم تذكرون قولا من كتابات الحزب بأن الاشتراكية بالنسبة إلى الأمة العربية هي قضية بقاء ومصير وصمود أمام تنافس الأمم القوية الراقية في هذا العصر، منذ البداية لم نقل أن الاشتراكية هي فقط لتأمين الحاجات الضرورية، بل قلنا بأنها هي التي تتيح للأمة أن تحقق كل طاقاتها وقدراتها، ونحن نؤمن بان امتنا عندما يتاح لجميع أفرادها أن يحققوا كل ما يمتلكون من قدرات وكفاءات فإنها تتحرر تحررا تاما من كل استعمار خارجي ومن كل استغلال داخلي ومن التخلف الحضاري، وإذا كانت الأمة العربية لا تزال حتى الآن تشكو من نقص سيادتها وتحررها ومن نقص في تقدمها ومن انعدام لوحدتها، فما ذلك إلا لأنه حتى الآن لا تزال الكثرة الساحقة من أفراد شعبها مقيدة بقيود كبيرة بقيود مادية ومعنوية لا تسمح لها بأن تنطلق ملء قدرتها وأن تناضل وأن تبني لكي تتحرر وهذا ما يجب أن نرجع إليه بين الحين والآخر ونتذكره تذكرا قويا لنعرف الأسباب الحقيقية لتعثر الثورة العربية ولتأخرها عن تحقيق كامل أهدافها. فما دامت الجماهير الواسعة في كل قطر عربي لم تعط بعد كل الفرص من اجل تحقيق ذاتها وتحقيق إنسانيتها ومن اجل أن تعطي أقصى ما تستطيع لمعركة البناء ولمعركة القتال والنضال، ومن الطبيعي أن نبقى مقصرين عن بلوغ الأهداف الكاملة إذ لا يحقق أهداف الأمة العربية إلا كامل الشعب العربي، فالاشتراكية كما قلت في نظر الحزب حملت هذا المعنى منذ البداية لأنها ضرورة حيوية ومصيرية بالنسبة للأمة العربية لأنها هي التي تضع في الساحة كل القدرات العربية، كل الكفاءات العربية، كل إمكانات الشعب العربي النضالية. أما الحرية أيها الرفاق.. فهي التحرر من الاستعمار ولكنها أيضا هي التحرر من كل القيود، من قيود التخلف.. من قيود الجهل من قيود الذات، الحرية هي روح الثورة.. روح الثورات، إذ لا يمكن أن نتصور ظهور ثورة إذا لم يكن باعثها الحرية، والحرية ليست هي الفوضى كما تعرفون. الحرية مسؤولية.. الحرية هي تسليم كل مواطن مسؤولية حياته ومسؤولية مجتمعه، يتحمل مسؤولية مقدراته الشخصية كما يتحمل مسؤولية مقدرات المجتمع الذي ينتمي إليه، والأمة التي ينتمي إليها. وإذا كانت الحرية بحاجة في مجتمع متخلف إلى الرعاية والعناية والتهذيب، إذا كانت بحاجة إلى تعليم وتثقيف يساعد المواطنين على ممارسة حريتهم، فإن ذلك لا ينقص شيئا من أهميتها ومن ضرورتها الحيوية، كذلك الوحدة العربية أيها الرفاق، وهي الهدف الذي ألح عليه الحزب وأعطاه رجحانا على بقية الأهداف، لان هناك فرقا نوعيا هائلا بين صورتين.. صورة الثورة والتقدم في حالة التجزئة وصورة الثورة والتقدم والتحرر في حالة الوحدة. الوحدة لا تكتفي بأن تضيف أعدادا بعضها إلى بعض، لا تكتفي بأن تضيف قوى بعضها إلى بعض.. لا تضيف كفاءات وقدرات وثروات بعضها إلى بعض فحسب وإنما تخلق مستوى جديدا.. تخلق حالة سوية للأمة، فالأمة في حالة التجزئة أمة مريضة.. ومشوهة ومنقسمة على نفسها وفكرها حائر مشتت ومنقسم، ولا تصل إلى وضع الصحة والعافية إلا في حالة الوحدة. شعار الحزب أشار منذ البدء إلى أن الأمة الواحدة هي التي تستطيع أن تفكر في الرسالة، في أن يكون لها رسالة، ولكونها في حالة التجزئة يكون هذا ادعاء غير جدي، فكما أن الإنسان لا يبدأ بتحقيق إنسانيته إلا بعد أن يلبي حاجاته المادية الضرورية.. كذلك الأمة، لا تبدأ رسالتها على الأرض.. ورسالتها الى الإنسانية الا بعد ان توحد أجزاءها، وبعد أن تصل الى الحالة السوية.. حالة الجسم الواحد.. هذا أيتها الرفيقات وأيها الرفاق تذكير لنا جميعا بأن لا نغرق في المجردات وأن لا نسكر بالشعارات وأن لا نبيع الحقائق بالكلمات.. علينا أن نعود باستمرار إلى واقعنا الحي نتفحصه نحدب عليه، بغيرة وحب وتفاؤل لنرى ما حققناه وما أنجزناه ولنرى ما بقي علينا أن نتابعه وننجزه. هذه العملية مطلوبة في حزبنا.. مطلوبة باستمرار لكي نبقى صادقين مع أنفسنا.. صادقين مع حركتنا ومع امتنا ولكي تكون خطانا على أرض الواقع لا في أرض الأوهام، وأن يكون تفاؤلنا تفاؤلا جديا ناتجا عن معرفتنا ووعينا للظروف وللواقع لا عن تجاهلنا لهذا كله. هذا ما اكتفي به الآن وأحب أن استمع إلى أسئلتكم والى ما يدور في أذهانكم وما يعترض حياتكم الحزبية من مشكلات وما تطرحه على أذهانكم وضمائركم الأوضاع القومية وكيف تواجهونها وكيف تفكرون في إيجاد الحلول لها، فأرجو أن أسمع أسئلتكم. *** أسئلة واجوبة ما هو تحليلكم لموقف الحزب في اعتبار القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية، مع وجود أجزاء مغتصبة من الوطن العربي لا تقل أهمية عن فلسطين؟ اعتقد أن الفرق بين قضية فلسطين وقضية الأجزاء العربية الأخرى المغتصبة فرق واضح، فاغتصاب فلسطين وزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي لتعطيل النهضة العربية لإشغال العرب وهم في مرحلة نهوض تأريخي، لإشغالهم بهذا العدو ومنع تحقيق الوحدة العربية وفصل القسم الآسيوي من الوطن العربي عن الشطر الأفريقي، كل هذا أعتقد بأنه واضح ولا يحتاج إلى شرح طويل لنظهر بأن اغتصاب تركيا للواء الاسكندرون أو ايران لعربستان أو مثل هذه الأجزاء لا يمكن أن يساوي قضية فلسطين التي هي فعلا قضية مركزية، والعرب يعيشون هذه الحقيقة منذ ثلاثين سنة، أي أنهم يجربون هذا الالتحام العضوي بين الاستعمار أو الامبريالية وبين الصهيونية ثم التحالف بينهما وبين الرجعية العربية كل هذا لا ينطبق على الأجزاء المغتصبة من الأرض العربية في أمكنة أخرى فقضية فلسطين لم تعد قضية مركزية بالنسبة إلى العرب فحسب وإنما أصبح لها حجم دولي وعالمي وأصبحت قضية العصر وفي نظرتنا البعيدة نعتبر بأن الحل النهائي والسليم والمبدئي لقضية فلسطين سيكون في الوقت نفسه إنهاء للاستعمار وللصهيونية في العالم كله، لان استرداد فلسطين واسترداد عروبة فلسطين بكاملها، هذا معناه أن الأمة العربية والقوى التقدمية في العالم التي هي حليفة الأمة العربية في هذا الصراع قد رجحت كفتها واستطاعت أن تتغلب على القوى الاستعمارية والصهيونية. لذلك كثيرا ما نقول بأن تحرير فلسطين هو تحرير للعالم من الاستعمار وإن كان هذا يتطلب زمنا ويتطلب نضالا طويلا. أما الأجزاء العربية الأخرى، الأجزاء المغتصبة، فهي بشكل آلي تعود إلى الأرض العربية والى الوطن العربي عندما تحل قضية فلسطين الحل المبدئي القومي الكامل. ما هو تصوركم لمستقبل الدور القيادي للبرجوازية الصغيرة، وما هو البديل؟ في المؤتمر العاشر كما تعرفون أقر هذا المبدأ بشكل نظري بإنهاء دور البرجوازية الصغيرة. ولكن هذا بقي أمنية ولا يزال دون تحقيقها الكثير من الجهد والنضال والصعوبات، إلا أننا لا يجوز أن نتهاون في هذا المطلب وفي هذه القناعة وأن نتمسك بها دوما وأن نصر عليها، لان في هذا الإصرار نشرا للوعي وتوسيعا وتعميقا للوعي الثوري في الحزب وعند جماهير الشعب مما يعجل في إيصال الطبقات الكادحة إلى المشاركة في قيادة الثورة. نحن نقول بالمشاركة، وان كنا نعطي الأولوية للطبقات الكادحة. عندما تكون الطبقات الكادحة في مركز القيادة في الثورة العربية لا يعني هذا بأن البرجوازية الصغيرة لا يستفاد من كفاءاتها ولكن هذا يعني إنها لن تكون مستأثرة ولن تفرض عقليتها وتصوراتها المنبعثة من مصالحها كطبقة والتي لا تنسجم دوما مع مصلحة الثورة العربية، ولا نتصور هذا الانتقال بشكل عنيف -الانتقال من قيادة البرجوازية الصغيرة الى قيادة الطبقات الكادحة- وإنما نتصوره بشكل تطوري، فنلح على مبدأ المشاركة والتفاعل، الآن الطبقات الكادحة هي فعلا بحاجة إلى هذا التفاعل اليومي مع المثقفين الثوريين الذين يشكلون النسبة الكبيرة في طبقة البرجوازية الصغيرة، وأضيف إلى ذلك بأن هذا الإصرار على إعطاء ثورتنا العربية طابع الثورة الشعبية الجماهيرية له أكثر من فائدة ويلبي أكثر من غرض، فنحن من جهة نؤمن بأن الجماهير الكبيرة الواسعة هي القادرة على إحداث التغيرات التأريخية الحاسمة وليست الأقليات المثقفة مهما يكن شأن تفوقها الفكري والثقافي، من جهة أخرى نريد فعلا أن تكون الثورة العربية المعاصرة ثورة إنسانية كما كانت في الماضي رسالة إنسانية، ولا تكون كذلك إلا إذا كانت ثورة الجماهير الواسعة لا ثورة النخبة المتعالية والتي تتعامل مع الأفكار المجردة وتمنح الشعب التقدم بدلا من أن يكون التقدم من صنع الشعب ومن صنع نضاله ومن صنع معاناته ووعيه لدوره القومي والإنساني. والثورة العربية هي ثورة الوحدة وبدون وحدة لا تكون الثورة ثورة حقيقية وليس من قوة قادرة على تحقيق الوحدة في هذا العصر إلا الجماهير الشعبية الواسعة، لان الوحدة تصطدم بمصالح فئات وقوى كثيرة معادية، الأجنبية المعادية والداخلية المستغِلة، والجماهير العربية الكادحة في كل قطر هي وحدها صاحبة المصلحة في الوحدة العربية. لذلك حتى لو لم نحقق تقدما كبيرا في هذا المجال، ولكنني اعتقد بأننا نتقدم عن السابق وأن دور الطبقة العاملة والطبقات الكادحة يتسع على الأقل في الحزب، يأخذ مكانا، وفي هذا القطر يأخذ مكانا متزايد الأهمية، ولكننا نطمح إلى أكثر بكثير ولذلك نصر باستمرار على أن الهدف الأخير هو أن تكون الجماهير الكادحة هي قائدة الثورة العربية. هناك سؤال قريب من هذا عن الطبقة العاملة في نظر الحزب هل يأخذها الحزب بمنظورها الطبقي أم ماذا؟ لعلكم تلاحظون بأننا في كتابات الحزب لا نذكر الطبقة العاملة إلا مقرونة بالطبقات الكادحة لكي نعطي صورة واقعية عن الثورة العربية، ظروف الثورة العربية تختلف عن ظروف الغرب في عصر الصناعة في العصر الذي ظهرت فيه الماركسية كنتيجة لتطور الصناعة ولتضخم الطبقة العاملة في الغرب، فنحن من جهة لم نبلغ في وطننا العربي هذا المستوى من التقدم الصناعي، ومن جهة أخرى ليست مشكلتنا الأساسية هي المشكلة الطبقية، دون تقليل من أهمية المشكلة الطبقية، نظرة الحزب تعتبر أن المشكلة الأساسية هي المشكلة القومية التي تتضمن في داخلها المشكلة الطبقية فنحن في الحزب منذ البداية توجهنا إلى الأكثرية الساحقة من الشعب العربي، وقلنا أن هذه الأكثرية هي التي يقع عليها الظلم الخارجي والظلم الداخلي وهي بالتالي صاحبة المصلحة في التغيير وهي إذن دعامة الثورة، ولم نقتصر على الطبقة العاملة خاصة في بدايات الحزب قبل ثلاثين وخمسة وثلاثين عاما كانت الصناعة في الوطن العربي مبتدئة فكانت نظرتنا اقرب إلى الواقع الحي وعندما توجهنا إلى الأكثرية الساحقة من الشعب العربي التي تشمل العمال والفلاحين والمثقفين والموظفين الصغار والكسبة وكل هذه الأعداد من المواطنين الذين يصيبهم الظلم، الظلم بشكل أو بآخر، لأنهم مستغَلون استغلالا مزدوجا مستغلون من الطبقات المسيطرة ومستغلون بصورة غير مباشرة من الاستعمار الذي يستغل ثروات الوطن وهكذا كانت النظرة أقرب إلى الواقع. فالمنظور القومي لا يمحي المنظور الطبقي. عندما ننظر إلى مشكلاتنا من خلال النظرة القومية وبالمنطق القومي، لا يجوز أن يفهم من ذلك أننا نتجاهل الظلم الطبقي والاستغلال الطبقي وأننا ضد الصراع الطبقي، كلا، وإنما وضعنا الصراع الطبقي في مجاله الطبيعي.. في مجاله الجدي والمؤثر والفعال، عندما قرنّاه بالقضية الأهم التي هي قضية الأمة في صراعها مع الاستعمار والصهيونية وفي صراعها مع حلفاء الاستعمار والصهيونية في الداخل التي هي الأنظمة الرجعية والطبقات الرأسمالية والإقطاعية المستغلة، وقد يحلو لبعض ذوي العقلية المحافظة وذوي المصالح الكبيرة أن يفهموا البعث فهما يمينيا بأنه ما دام يركز على القضية القومية فهو يرفض النظرة الطبقية ويحرّمها ويحرّم الصراع الطبقي، ولكننا لم ننخدع بهذه التحريفات وسنبقى دوما متيقظين، لئلا يدخل على فكرنا ما ليس منه، فالحزب حركة ثورية اشتراكية لمصلحة الطبقات الواسعة الكادحة، ولكنه يرى الثورة بأنها ثورة قومية، والصراع الطبقي والحركة الطبقية تجري من ضمن النضال القومي. سؤالين، احدهما حول توجه الحزب القومي في العراق، كونه لم يحقق طموحات شعبنا في الوطن العربي الكبير.. وآخر حول ضعف اهتمام الحزب بالمغرب العربي وتركه الساحة النضالية لقوى سياسية لا تخلو أفكارها من الإقليمية والقطرية؟ أيها الرفاق هناك أحيانا تصورات تضع العمل القطري كشيء مناقض أو معاكس للعمل القومي، وهذا تصور غير سليم وغير صحيح. كيف نستطيع أن نعمل لوطننا الكبير إذا لم نعمل، لم نبدأ بوطننا الصغير، إذا لم نبدأ من الأرض التي نحن عليها، لكن الفرق بيننا وبين الذين لا يتوجهون بتوجيه حزب البعث، بالتوجيه القومي والمنطق القومي هو أننا نسعى دوما لكي نجعل من عملنا القطري خطوة إلى عملنا القومي، ولكي نجعل من عملنا القطري أداة تفتح لنا نافذة ومجالات على الوطن الكبير.. هذا ولا شك أنكم تدركون كيف أن إمكانات كثيرة في هذا القطر توضع في خدمة العمل القومي، فلو أننا لا نكتفي ولا يقف طموحنا عند هذا الحد ولم نؤمن في الماضي ولا نؤمن الآن بأن سلامة قطر عربي يمكن أن تضمن في القطر نفسه، إذا كانت الأقطار العربية الأخرى في حالة غير سليمة خاضعة للنفوذ الاستعماري أو للحكم الرجعي أو للفئات الانتهازية المفرّطة بالحقوق القومية، لذلك نحن نعتبر العمل القومي فضلا عن أنه هو الواجب وهو الأول في سلم الأولويات، فأنه أيضا هو الضمانة لنجاح عملنا في القطر الذي يحكمه الحزب، فلا فاصل إذن بين العمل القطري والعمل القومي إذا نحن فعلا طبقنا مبادئنا واستلهمنا فكرتنا وجعلنا من كل إنجاز أو عمل صغير نقوم به في هذا القطر في القرية وفي المعمل وفي أي مكان وفي أصغر بقعة، أن نجعل آفاق هذا العمل الوطن العربي وبعث الأمة العربية وأن نخلق عند جماهير شعبنا وهم يعملون لوطنهم الصغير.. وهم ينتجون ويبنون، أن نخلق عندهم هذا التفكير وهذا الشعور وهذا الاهتمام، بل هذا الهم، لأنهم إنما يبنون ويكدحون لبناء الوطن العربي الواحد، لتحقيق الوحدة العربية الكبرى ولقيام الدولة العربية الواحدة الراقية ذات الحضارة الجديدة، وأن يكون الهم القومي حاضرا معنا في كل عمل وفي كل خطوة نخطوها، لأنه عندئذ يتحول الفكر إلى عمل والى انجاز، ويتحول الإيمان إلى تحقيق تاريخي عندما يصبح هم الوطن العربي والوحدة العربية هو شاغلنا جميعا في القرية وفي المدينة وفي المدرسة وفي الجامعة وفي كل مكان. نحن كما سبق وقلنا بأننا نحتاج إلى تربية جديدة تقوم على الإيمان بالضرورة الحتمية للوحدة العربية، وأن تصبح هذه القناعة هي المسيّرة لأفكارنا ولعواطفنا ولكل تصرفاتنا، لأننا إذا لم نكن كذلك فلا نكون ثوريين أيها الرفاق، ولا نكون بعثيين ولا نكون فاهمين مستوعبين لتطورات واحتمالات المستقبل. فالمستقبل إما أن نربحه في صراعنا مع تلك القوى الضخمة التي تريد أن تعطل نهضتنا (الامبريالية والصهيونية والرجعية) -ولن نربحه إلا بالوحدة العربية-، إما أن نتوحد فنبقى وأما أن نعجز عن الوحدة، عن بلوغ الوحدة العربية، فنندثر.. هذا ما يجب أن يدخل في تربيتنا الجديدة. لن نربح المستقبل إلا بالتعلق بالوحدة العربية، بهدف الوحدة العربية، وبتفضيله على أي شيء سواه، بتنشئة أطفالنا على هذا الإيمان، لان الوحدة كما قلت أكثر من مرة، منذ أن أنشئ الكيان الصهيوني المغتصب في أرضنا، في قلب وطننا، أصبحت قضية مصير، قضية بقاء. المغرب العربي يحظى باهتمام الحزب باستمرار ولنا أمل كبير في التأثير في المغرب العربي ولو أننا نعتمد على التأثير البطيء العميق أي على انتشار أفكار الحزب، فهناك خطوات قد تحققت ولا يزال أمامنا خطوات أوسع ويحصل في أقطار المغرب اهتمام متزايد للتعرف إلى أفكار الحزب، ولم تعد تلاقي الانغلاق أو التردد التي كانت تلاقيه في السابق، وأملنا أيضا في المستقبل. تؤكدون باستمرار على صلة العروبة الحية بالإسلام، هل هي صلة ذكريات أو امتداد أو تجديد؟ سأختصر لان هذا الموضوع طرقته أكثر من مرة وهنا في هذا المكان بالذات، الصلة كما نراها ونؤمن بها هي صلة عضوية بين العروبة والإسلام لا يمكن أن تنفصم. صلة تاريخ، وهي مستمرة منذ القديم حية لا تموت، وهي أيضا -ونظرة الحزب ركزت على ذلك- صلة تجديد.. أي أننا لنا فهم ثوري للإسلام ونرى أيضا ونعتقد بأن نشوء حركات إصلاحية وثورية في الدين تنفض الغبار عن حقيقة الدين وتعيد إليه إشعاعه وحيويته، اعتقد بأن هذا ضروري في حركة الثورة العربية واعتقد بأنه سيحصل بشكل حتمي، الأمة عندما تنهض وتدخل في طور الإبداع فإنها تنهض وتبدع في كل مجالات الحياة، ولا تقتصر على ناحية واحدة والدين من أهم مجالات الحياة.. الحياة الروحية في الإنسان لها أهميتها الكبيرة، لذلك بمقدار ما تتقدم مسيرة الثورة العربية نجد أن الفكر الديني يصبح أكثر إشراقا.. أكثر تجددا.. أكثر تحررا، يذهب إلى اللب والى الحقيقة ويتخلى عن القشور وعن العقلية الحرفية الجامدة، النهضة العربية ستكون نهضة شاملة.. نهضة في الفكر ونهضة في الدين ونهضة في الفن ونهضة في البناء المادي والاقتصادي، ولذلك كانت نظرة الحزب إلى هذه الصلة.. صلة العروبة بالإسلام بأنها هي بصورة خاصة صلة تجديد.. أي أننا نستمد من فهمنا الثوري لحركة الإسلام قوة ثورية لتجديد عقليتنا ولتجديد أوضاعنا الفكرية والاجتماعية والقومية، وهنا أحب أن أشير إلى فكرة عزيزة علي، وهي أن أمتنا قد عرفت عند ظهور الإسلام ما لم يتسنّ لأية امة أخرى أن تعرفه.. عرفت تجربة مطلقة وبقي شيء من هذه الذكريات في نفس كل عربي حتى الآن وسيبقى ذلك طويلا الى المستقبل البعيد. الثورات أيها الرفاق معرضة لكثير من الأمراض النفسية والأخلاقية لأن قياداتها بشر ومعرضون حسب المصادفات لكثير من هذه الأمراض التي قد يكون لها تأثير بالغ السلبية وبالغ السوء على مصير شعوب وأمم، ونحن كعرب عندنا هذا الرصيد الروحي.. هذا التراث إذا حرصنا على أن نبقي صلتنا حية بيننا وبينه، وخاصة نحن كحركة ثورية أن نستلهم هذا التراث بقيمه الروحية والأخلاقية السامية فإننا نعطي لثورتنا العربية ضوابط أخلاقية وجوا فيه هداية وفيه ردع وفيه ضوابط كثيرة نحن بحاجة ماسة إليها، لذلك قلت في مقال (آفاق عربية) في العام الماضي بأن ثورات هذا العصر ثورات نسبية، والثورة العربية كذلك ثورة نسبية ولكنها إذا حرصت على صلتها بالتراث الخالد فإنها تستطيع أن تدخل إلى جوها شيئا من المطلق.. أي من الضوابط الأخلاقية الرفيعة. تبدو حركة الثورة العربية عاجزة عن وقف تنفيذ مشاريع التسوية المشينة في الوقت الحاضر.. وإذا ما نجحت هذه المشاريع فتكون مقدمة لضرب الثورة العربية وإجهاضها.. ما رأيكم في ذلك؟ هذا تصوير للواقع، كما أن التخوف هو تخوف مشروع لان تقوم القوى الرجعية بعد أن تنجح الحلول.. حلول التسوية، لضرب وإجهاض الثورة العربية، لذلك نقول دوما بأن الثورة يجب أن تكون مهاجمة وان لا تكتفي بمواقف دفاعية، وقد تضطر أحيانا إلى الدفاع ولكن هذا يجب أن يستخدم لإعداد خطة الهجوم، والهجوم لا يعني دوما الحرب والقتال وإنما هو اخذ المبادرة أو المبادرات وهكذا نعود دوما إلى النقطة الأساسية والمركزية وهي إطلاق حرية الجماهير الشعبية، لا يمكن أن ننتقل إلى مواقع الهجوم ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية العميلة إلا بإطلاق حرية الجماهير وإلا بتعبئة الجماهير. ونحن في هذا الحزب مقدمون على مرحلة جديدة والحزب اخذ في التهيئة والمبادرة لتوحيد القوى العربية الثورية والتقدمية في جبهة عريضة، ولذلك فالمستقبل فيه مجال للتفاؤل والأمل.. ولو أننا لم نفقد تفاؤلنا مطلقا، لأننا نعتبر أن هذه الردة الاستعمارية الرجعية لا تقوم على أساس متين وقوي، بل هي استغلال مؤقت لثغرات قائمة في الثورة العربية، وهذا من منطق الثورات ومن منطق تقدم ونضج التجربة الثورية، فترات قصيرة يكون فيها توقف.. يتوقف فيها المد الثوري ولكن من اجل التحفز لقفزات جديدة، والواقع أننا من خلال هذا التوقف المؤقت نرى ونلمس بعض الأخطاء وبعض النواقص التي شابت بنية الثورة العربية في السنين العشرين الأخيرة، وهذا مجال للتأمل وللتفكير وللتصحيح. في بعض الكتابات عن القومية جاء أن الإيمان يسبق المعرفة، فكيف يمكن أن نؤمن بالشيء قبل معرفته، ثم ما هو دور العقل في هذه المسألة؟ هذا سؤال أسمعه من سنين عديدة من عدد من الرفاق، وهي كلمة ذكرتها في حديث من الأحاديث الحزبية في بداية نشوء الحزب.. وفيها بعض الغلو، ولكني قصدتها لكي أنبه إلى حالة مرضية كنا نلمسها عند بعض الشباب في ذلك الوقت. كانت الفكرة القومية مهملة أو مطروحة على مستوى فاتر وحيادي وكأنها ليست مسألة حيوية بالنسبة إلينا، كان ذلك طبعا له أسباب أهمها تأثير الأفكار الشيوعية في ذلك الحين.. أي قبل أربعين سنة أو ثلاثين سنة أو أكثر من ثلاثين، فكنا نرى في لقاءاتنا مع بعض الشباب مثل هذه العقلية التي تجادل في البديهيات، واذكر أني أيضا تطرقت الى هذه العقلية بمقال صغير كتبته لمجلة مدرسية عام 1940 في المدرسة التي كنت ادرس فيها حتى ذلك الحين، كنت ادرس التاريخ وكانت في المدرسة مجلة يكتبها الطلاب بخط يدهم... فكتبت لهم هذا المقال الصغير (القومية حب قبل كل شيء) وهو مثبت في كتاب (في سبيل البعث) وفيه على ما أذكر أقول لهم الحب أولا والتعريف ثانيا.. ما يطلب من الشباب العربي ليس أن يقتنعوا بقوميتهم وبانتمائهم إلى أمتهم بعد التعريف الذي نعطيه للقومية وللأمة، المفروض أن يبدأوا بالحب، ثم التعريف يأتي بعد ذلك، وهذا القول هو أيضا بنفس المعنى الإيمان يسبق المعرفة.. في قضية مصيرية قضية أمة في حالة خطر.. في ظروف تهدد بقاءها وتهدد معنى وجودها.. تهدد أن لا يكون لها مستقبل وان لا يكون لها دور حضاري بين الأمم، هل نطرح المسألة بهذا الشكل الحيادي بأنه هل نكون عربا، أم ننتمي إلى حركة أممية أم غير ذلك؟ هذا الجو استوجب مثل هذه المبالغة.. مثل هذا الغلو بأنه الحب أولا والتعريف ثانيا.. الإيمان يسبق المعرفة.. المفروض أن نؤمن بانتمائنا القومي.. بقوميتنا وبعد ذلك على هدي هذا الإيمان وهذا الحب نستطيع أن نرى الشروط اللازمة.. الشروط العلمية اللازمة للنهضة، ولكن مسألة امة ليست مسألة رياضية، ليست مسألة حساب، ليست مسألة رموز مجردة، إنها مسألة عميقة جدا، ارتباط الفرد بأمته بتأريخها، بتراثها، بحضارتها، بآمال الأجيال للمستقبل هذا يحرك كل كيان الإنسان ولا يقتصر على التعريف. أما أي شيء آخر اقصده.. لم أضع نظرية فلسفية لهذا الكلام ولم اقصد مناقضة العقل أو إلغاء دور العقل أو التقليل منه، وإنما فقط الإشارة إلى خلل في فترة من الفترات كانت الفكرة القومية ضعيفة، كان يمثلها كما تعرفون، تمثلها القيادات القديمة والحكام بشكل ينشر الغرور القومي والذي يخفي المصالح الخاصة ويخفي الجهل ويخفي الاستغلال للآخرين، فكانت الصورة غير مشرقة ولذلك وجدت الأفكار الأممية في ذلك رواجا عند كثيرين من الشبان وكان لا بد أن نهزهم في عاطفتهم العميقة وان نذكرهم بأن انتماءهم القومي يجب أن يكون نوعا من الإيمان ونوعا من الحب العميق قبل المعرفة والتعريف. أيتها الرفيقات أيها الرفاق بودي لو أستطيع أن أكمل الإجابة على جميع أسئلتكم ولكن من جهة أرى أن الوقت الذي مضى قد يكون أتعبكم ونحن أمامنا فرص، ومناسبات نرجو أن تكون عديدة في المستقبل للقاء بكم والسلام عليكم. 11 أيار 1977 (1) حديث في مدرسة الإعداد الحزبي بتاريخ 11/5/1977 منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي – سياسي sahmod.2012@hotmail.com
في سبيل البعث- الجزء الثالث(الباب الاول)بناء المناضل(7)