في سبيل البعث الجزء الرابع :(الباب الاول:)بذور البَعث (4)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث الجزء الرابع :(الباب الاول:)بذور البَعث (4) السبت يناير 07, 2012 3:27 pm
في سبيل البعث الجزء الرابع :ميشيل عفلق الباب الاول: بذور البَعث (4) لقد حيل بين "البعث العربي" وبين حقه في اصدار صحيفة تنطق باسمه، مدة ثلاث سنوات كاملة. وها هو اليوم يُصدر صحيفة "البعث" بعد أن اصرّت الحكومة على أن لا تُسمى "البعث العربي". وقد يتوقع اكثر الناس من هذه الصحيفة ان تبهرهم منذ العدد الاول. ولكن الحركة التي تريد "البعث" ان تكون لسانها، ما فتئت منذ نشأتها تحارب عند الناس ميلهم الى التأثرات الآنية وسرعة تصديقهم للسحرة وصانعي المعجزات. وان يكن لحركة " البعث العربي" صفة مميزة تحرص عليها، فهي انها لا تطمئن الى المفاجآت، ولا تثق بالنجاح السهل، وانها تريد -وهذه هي غاية الصحيفة ايضاً- ان تكون حركة حية تمد في الارض جذوراً عميقة راسخة تكفل لها البقاء والثبات والنمو الطبيعي. اذن فلن نأتي الناس بمعجزة، لاننا كنا عارفين، منذ بدء عملنا، ان المعجزة في مثل وضع الامة العربية، هي ان تنشأ بين العديد من الحركات المصطنعة حركة طبيعية، تنقلب عملاً صادقاً للصمود في وجه شتى الاعمال البرّاقة الزائفة. لابد ان يقتنع الناس اخيراً بأن بعث الامة هو امر اكثر جدية مما يظن، وانه لا غنى له عن جميع الشروط التي تقتضيها قوانين الحياة لنجاح حركة أصيلة. فلا بد من زمن كاف لنشدان الفكرة التي يقوم عليها البعث نشداناً دؤوباً عميقاً صبوراً، اذ انها بالضرورة فكرة جديدة غير مألوفة، غامضة تحتاج الى التوضيح، بعيدة لا تُنال بيسر وسهولة. ولا بد من وقت كاف يحصل فيه الإلتقاء والإرتباط بين الفكرة واشخاصها، يهتدي فيه هؤلاء اليها من خلال التجارب والآلام والوعي المتزايد لإرادتهم الصميمة، ويكون هذا الإهتداء الذي هو ارتقاء بسيط عسير، مميزاً وضامناً لصدق الفكرة وصلاح اشخاصها لها. لو كان اصلاح حالنا سهل التحقيق لما كنا بحاجة الى اصلاح، ولو كانت كثرة الناس قابلة لأن تفهم الحق بسهولة وتعمل به، لما كانت بحاجة الى من يدعوها اليه، ولو كان الاشخاص المستسلمون للواقع، السعداء به، المنتفعون منه، صالحين لحمل لواء الثورة عليه، لما حصل في تاريخ البشر ثورات، ولما كان للبشر تاريخ. فخير لنا وللقراء اذن، في هذا الزمن الذي كثرت فيه الدعوات والإدّعاءات، ان نتجنب كل ما هو باهر مفاجئ، وان نأخذهم بما اخذنا به انفسنا من إعراض عن الزخرف وابتعاد عن التكلف، فنقول لهم كلمتنا قولاً طبيعياً بسيطاً. نعلم ان الناس قد ملّوا الكلام، ومن حقهم ان يملوّه. ولكنهم غير محقين اذ يحسبون اننا لم نعد بحاجة الى الكلام على كل انواعه، وان الاعمال ممكنة ومجدية دون كلام يسبقها ويخلقها، فالواقع ان الامة ما زالت تنتظر الذين يخاطبونها بصدق وبساطة، وثقة ومحبة. وما نحسب الذين يصانعونها ويخادعونها، مستكثرين عليها قول الحقيقة، الا انهم في آخر الامر لا يخدعون الا انفسهم. فالامة في ظمأ شديد، وبها استعداد عميق لتقبل الكلمة الصادقة، مهما كلفها ذلك من جهد لفهمها، وألم لتحملها. انها بحاجة الى الكلمة التي تصدر عن الحب، فترتفع فوق الجُبن والطمع، والمسايرة والاستهتار، الكلمة التي لا يزيدها الزمن الا نماء وقوة، والنور الا نصوعاً وحقيقة، لا التي تعيش بفضل الجهل والظلام والعزلة عن العالم، الكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة، اصلها ثابت وفرعها في السماء. والكلمة الطيبة لا ترضي كل الناس، بل مهمتها ان تقسم الناس الى شطرين تفصل بينهما حدود حاسمة. ولئن كان في مخاصمة قسم من الناس خسارة ظاهرة، وصعوبات ومتاعب، فما ذلك الا الثمن العادل لكسب الانصار الحقيقيين، الذين يقفون حياتهم على خدمة الفكرة، لأنهم يرون فيها معنى حياتهم. اما الكلمات الخبيثة، اعني الحركات المجتثة الجذور، او ذات الجذور الميتة، فلا تريد ان تغضب احداً، انها تعجز عن فهم قوة الروح، فلا يهمها الا العدد وتفقد الشعور بالقدر الاصيل، والمهمة الجدية، فهي ابداً سجينة للحاضر الزائل، والربح العاجل، تبدل كل يوم زياً. ولكن ماذا يفيد الانسان ان يربح العالم اذا هو خسر نفسه. اننا نحن ايضاً نريد ان نربح كل الناس، وان تعم فكرتنا جميع افراد امتنا. ولكننا نعرف ان ذلك لن يكون الآن، ولن يتم بغير مشقة. اننا نتطلع الى المستقبل ونعمل له، ومن اجل ذلك نضحي بالحاضر ونظفر عليه. نهمل رأي الناس لكي نكوّن لهم رأياً، ولا نبالي اليوم كم عددهم، لكي يتحول هذا العدد اللفظي في غد الى حقيقة. اننا نتحمل عزلة الشتاء في سبيل فرحة الربيع. ومن اجل ان تأتي الغلال وافرة غنية، قبلنا بأن نكون بذرة في بطن الارض منسيّة. همّنا الآن ان نجعل أصل الشجرة ثابتاً. ميشيل عفلق 3 تموز 1946
في سبيل البعث الجزء الرابع :(الباب الاول:)بذور البَعث (4)