في سبيل البعث: الجزء الرابع:(الباب الثالث:)موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية(28)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث: الجزء الرابع:(الباب الثالث:)موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية(28) الأحد يناير 08, 2012 2:08 am
في سبيل البعث: الجزء الرابع:ميشيل عفلق الباب الثالث: موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية(28) ان التعاون الذي حققه ميثاق الجامعة هو تعاون قاصر قد يتحقق مثله بين دول غريبة متباينة في اللغة والعنصر والتاريخ، وبعيدة عن بعضها في الإقليم والقارة. فالميثاق في مجموعه اقرار لحالة التجزئة الراهنة في العالم العربي، وتوكيد للنزعات الشخصية في الفئات الحاكمة وإذعان من دول الجامعة لسياسة الأمر الواقع الذي سهل عليها التراجع امام مطامع الأجنبي ضد بعض اجزاء الوطن العربي، كاعترافها بعدم بلوغ فلسطيين طور النضج السياسي، واهمالها شأن الاجزاء العربية الاخرى في افريقيا الشمالية وغيرها، وسكوتها عن الخطر الصهيوني وعن اغتصاب تركيا للواء اسكندرون. . والميثاق ضعف امام الأجنبي وعدوانه، يترك الحرية المطلقة لهذه الدول في تعاقدها معه بينما يسجل حذرها وخوفها بعضها من بعض. فجاء هكذا فاضحا لحقيقة الساسة من رجال الحكم بالدول العربية، وخاصة في سوريا ولبنان، ومبطلا لادعاءاتهم ومزاعمهم عندما كانوا بعيدين عن الحكم بانهم يعملون لتحقيق الأهداف القومية، يوم كانوا متخذين صفة القيادة الوطنية. وقد ظهر اليوم انهم كانوا اسرع من غيرهم الى التنازل عن هذه الاهداف بدافع انانيتهم الشخصية وحرصهم على مراكز الحكم ومنافعه. والمفروض في القادة، في شعب لم يكتمل وعيه ولم يستعد تجانسه، ان يكونوا سابقين له في الوطنية والوعي والتجرد، لا متخلفين عنه مضعفين لطموحه. ان الميثاق "عمل عظيم"، في نظر هؤلاء الرجال وفي نظر صحفهم الرسمية. ولكن الشعب العربي لم ينظر إليه إلا على انه برهان جديد على ضعف القيادة الوطنية ونقص كفاءتها واخلاصها. ليس الميثاق في نظرنا خطوة قصيرة فحسب، نرجو ان يسمح المستقبل بتوسعه، ولكنه بالنظر لهذه الشوائب التي تدخله خطوة منحرفة ضالة، نخشى ان يزيد المستقبل في خطرها ويوسع اضرارها. ولو كان ضعف التعاون العربي وليد ضرورات قاهرة تفرضها ظروف خارجية، لكان ثمة امل في تعاون آت اكثر نموا وقوة. ولكن الميثاق يبرهن على وجود نقص في وضوح الفكرة العربية وتمكنها من نفوس الرجال الرسميين وأذهانهم. فلا بد اذن من ان يستيقظ الشعب العربي ليسترد قضيته من الأيدي التي لا تصلح لتوجيهها. فرجال الحكم المشوبون في صدق ولائهم للفكرة العربية، والمسخرون لشتى الاعتبارات والمصالح الشخصية التي تضطرهم الى مسايرة السياسة الأجنبية، لا ينتظر منهم إفصاح صادق عن أماني الأمة، وهذه الأماني لا تظهر على حقيقتها الا في المؤتمرات والمنظمات التي يبادر الى عقدها وتأليفها رجال الأمة الشاعرون بواجبهم نحوها. فيجب ان يمثل ميثاق الجامعة آمال الأمة العربية تمثيلا رائعا، لا ان يضع الشوائب التي تعوق نموها الطبيعي وسيرها الى الوحدة العربية، التي لا تزال، كما قال الأستاذ صلاح الدين البيطار في خطابه في 8 اذار سنة 1944: "حلم العرب الأسمى، فالأمة العربية واحدة، والعرب ليسوا بقادرين على التخلي عن هذا المثل الاعلى، او انهم ينكرون ذاتهم. ونحن اذ نتطلع الى هذه الوحدة بين اقطار العرب، لا نتجاهل الواقع في السياسة، ولكن الإستقلال الذي ننشده هو الذي يتقدم بنا في طريق هذه الوحدة،والسياسة التي نتبعها هي التي تضع حجرا ثابتا في بناء هذه الوحدة. لذلك نحن لا نرى في الإستقلال والوحدة غير اسمين لشيء واحد،وهو سيطرة الأمة العربية على مصيره، بل ان في الوحدة العربية ضمانة هذا الإستقلال". وعلى هذا لا ننكر ان ما يجري اليوم من مشاورات هو خطوة، وان كانت خطوة بسيطة. ولكن الضرر يقوم في إيهام الشعب العربي بأنها هي الوحدة الحقيقية. فالوحدة الحقيقية تفترض على القائمين بتحقيقها وجود فكرة صحيحة وايمان بهذه الفكرة، مع اننا نعتقد ان الحكومات العربية ورجالاتها لم يكونوا بعد هذه الفكرة الصحيحة الواضحة ذات الإتجاه العربي الصرف، وليس لهم من ايمانهم ما يسمح بالتغلب على انانيات شخصية ومصالح إقليمية، في سبيل الظفر لفكرة الوحدة العربية. مكتب البعث العربي النشرة الدورية (رقم 1) 1945 ( 1 ) هذا الرأي في الجامعة العربية في الوقت الذي قيل فيه، يبدو ان فيه بعد نظر ومخالفة لجيع الآراء الأخرى. فأكثر الناس رحبوا بالجامعة العربية بنسب مختلفة، ولكن لم يتجرأ احد على القول انها أداة لتثبيت التجزئة، وان ميثاقها يشكل خطوة منحرفة وليست سليمة، وان الزمن سيزيدها انحرافا. الحكومات العربية في تلك الفترة وما قبلها بقليل كانت اما حكومات عميله كعبد الله ونوري السعيد، او حكومات، رغم ان لها ماضيا وطنيا نضاليا. استسلمت بوصولها الى الحكم لمؤثرات الحكم، وسارت في سياسة لا تختلف كثيرا عن سياسة الحكومات العميلة من حيث محاولتها الدائمة لكبح جماح الطموح القومي عند الشعب، وكبح جماح الروح التحررية، وايجاد الاعذار لتبرير التسهيلات امام الأجنبي المستعمر. فنستطيع القول انه في ذلك الحين اي في وقت اصدار ميثاق الجامعة كانت الحكومات تعيش في جو نفسي يكاد يكون نقيض الجو النفسي الذي يعيش فيه الشعب العربي. بكلمة اخرى الظرف كان ظرفا ثوريا ممتازا، لأن التناقض بين سياسة الحكومات ومصلحة الشعب كان واضحا للغاية، وكان باستطاعة حزب ثوري جريء ان يكسب التأييد الشعبي لمجرد فضحه لهذا التناقض. وكانت كل مساوئ الحكومات العربية ومواطن ضعفها قد تجمعت في الجامعة العربية _ اي ان الجامعة كانت اسوأ واضعف من الأعضاء المكونين لها. كانت الجامعة مطعونة من اساس نشأتها لانها شكلت وأسست بعد تصريح لوزير خارجية بريطايا اثناء الحرب يقول فيه ان بريطايا ترتاح ان ترى الدول العربية تضمها جامعة..، ووجودها في القاهرة كان يبعدها عن الجو القوي، عن الجو العربي الحار، وبالتالي عن التجاوب مع المشاعر الشعبية. وكانت خاضعة في الدرجة الاولى لملك مصر بصورة خاصة، الذي وضع امين الجامعة العام -عزام- من صنائعه، والذي كان في خطته ان يستخدم الجامعة لبسط نفوذ الملك فاروق على الاقطار العربية. فالحزب كان ينظر إلى الوحدة العربية نظرة جديدة ومختلفة أساسيا عن نظرة السياسيين والحكام، اذ انه لم يكن يفصلها عن باقي نواحي السياسية بل يعتبرها احدى صور النضال في سبيل الإستقلال وفي سبيل التحرر الاجتماعي والعدالة الاجتماعية في حين انها كانت عند السياسيين والحكام ذات مفهوم تقليدي جامد وخداع. كانت اكثر الحكومات خضوعا للاجنبي ورجعية في الوضع الاجتماعي تستطيع ان ترفع شعار الوحدة العربية وتكسب به تأييدا رخيصا، لانها كانت لا تؤمن بجدية هذا الشعار وامكانية تحقيقه. والواقع ان تلك السنوات (اواخر الحرب وما بعد الحرب مباشرة) قد وصلت فيها العصبية الاقليمية ووحدة المصالح الاقليمية وحرص الحكام على مراكزهم وسلطتهم الى الذروة، بعد ان كان اكثر هؤلاء الحكام من غلاة الداعين للوحدة والمتمسكين بها قبل الوصول الى السلطة. لقد تجلى هذا بشكل خاص في سياسة رجال الحكم في سوريا ولبنان. فالحزب ثار على هذه الانتكاسة، وفضح تراجع الساسة الوطنيين وفضح اغراضهم الشخصية والطبقية، وسلط الانوار على اهمية الوحدة العربية وضرورتها الحيوية للعرب، وربطها بالإستقلال، وشكك في كل استقلال لا يوصل الى الوحدة او يمكن ان يتعارض مع الوحدة. وهذا نابع من نظرة الحزب الى الوحدة، فهو يرى ان عوامل عديدة قديمة وحديثة من بينها عامل الإستعمار الأجنبي تؤثر في شكل يرسخ الروح الانعزالية والمصالح الاقليمية ويبعد عن الوحدة. حتى كاد الإستقلال يعني في اول عهده بالنسبة الى بعض الاقطار العربية بانه انفصال عن الجسم العربي واصطناع شخصية قوية جديدة للقطر الذي نال استقلاله. ففي سوريا مثلا، وهي السباقة الى التفكير والعمل الوحدويين كان توجيه الدولة بعد جلاء الجيوش الأجنبية توجيها يركز على الشخصية السورية والطابع السوري. حتى ان صحيفة"الفيحاء" - وكانت تعتبر صحيفة رئيس الجمهورية- كتبت بمناسبة الجلاء معتبرة ان سوريا تستقل لاول مرة في التاريخ، وعدت العرب من جملة الفاتحين فكان الحزب يحارب هذه الانحرافات وهذا التشويه، ويعتبر ان الوحدة العربية لا يمكن ان تتحقق الا اذا اقترنت فكرتها بحياة كل قطر، واعتبرت هي الاصل والاساس، وان الشخصية العربية هي الشخصية الأصيلة لكل قطر عربي، وان الإستقلال القطري يجب ان يوضع في خدمة الوحدة والنضال من اجلها، والا فان الاقطار العربية مهددة ان تسير بطريق التباعد والاختلاف الاقليمي المتزايد، وهذا ما كان متجسدا فعلا في الجامعة العربية فكان عملها سطحيا ومظهريا يخفي هذا الترسيخ للتجزئة والمصالح الاقليمية تحت ستار خادع من الاتفاق والتفاهم. وكانت الجامعة علاوة على ذلك اداة بيد الحكومات ضد الشعب العربى، مثل حلف رجعي للملوك، والرؤساء ضد الشعوب. وقد تجلى هذا في عدة مناسبات، اذ كانت الجامعة تقف ضد الانطلاقات التحررية في البلدان العربية كموقفها من الانقلاب الذي وقع في اليمن ضد الامام يحيى، او كانت مهمتها تضييع المسؤولية وحماية الحكام من محاسبة شعوبها، كما في قضية فلسطين، والنزول بالاهداف العربية الى مستوى قدرة تلك الحكومات الضعيفة او العميلة، والاصرار على ان ذلك هو غاية ما يطمح اليه العرب. لقد ظلت الجامعة سنين طويلة تتجاهل المغرب العربي، وانه جزء من الوطن. لذلك كله وجد الحزب من واجبه ان يحذر الشعب العربي من الانخداع بالجامعة لئلا تكون بمثابة التخدير لحاجته العميقة الى الوحدة. وقد كتب الاستاذ ميشيل عفلق هذا الرأي ونشر في اول نشرة داخلية دورية في تاريخ الحزب.
في سبيل البعث: الجزء الرابع:(الباب الثالث:)موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية(28)