في سبيل البعث: الجزء الرابع:(الباب الرابع:)موقف الحزب من الحكومة (1)(56)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث: الجزء الرابع:(الباب الرابع:)موقف الحزب من الحكومة (1)(56) الأحد يناير 08, 2012 3:39 pm
في سبيل البعث: الجزء الرابع: الباب الرابع: موقف الحزب من الحكومة (1)(56) نمر الآن بحادث يعد من أخطر ما تمر به البلاد في حياتها الاستقلالية. هذا الحادث هو ظهور الملاكات الجديدة التي أصدرتها الحكومة بعد ان خولها المجلس النيابي حق اصدار مراسيم اشتراعية. وكان مناسبة للكشف عن مرض يعانيه الحكم الراهن منذ بدايته. اذ لم يكن المرض ظاهرا بالشكل الكافي ولم تكن الافكار قابلة لان تتنبه الى هذه الناحية، لان امورا اخرى رئيسية وهامة، كانت تشغل الشعب. فقد كان الامر الرئيسي الاول هو التحرر نهائيا من سلطة الاجنبي واحتلاله. فلما اجتزنا هذه المرحلة كان من الطبيعي ان تظهر العلة الكامنة في سياسة هذا الدور. والواقع ان هذا الحكم مصاب منذ بدايته بعلة اساسية هي انه لا يخلص للمبادئ الدستورية التي هي اساس الحكم قانونا. فالرجال الذين استلموا مقاليد الحكم. او المجموعة المسيطرة منهم على السياسة لا تقنع، او هي لا تريد ان تقنع، بأن الدستور هو شيء جدي في حياة البلاد، وانه السبيل الى ضمان صلاح الحكم وترقية أحوال البلاد والشعب. لقد كان الدستور ذريعة لهم امام الاجنبي، فكانوا يعترضون على كل حكومة تنشأ وتؤلَف على غير الاسس الدستورية. ومن المؤسف ان يكون الدستور، هذا الشيء الاساسي في حياة الامم، مجرد ذريعة فقط لهؤلاء الرجال امام الاجنبي اذ ما لبثت نظرتهم اليه ان تبدلت، فغدا كل ما هو نظامي وشرعي وقانوني، في نظرهم اشياء شكلية ليس غير، من السهولة ان تستغل ألفاظها وتحور معانيها، وليس ثمة من غضاضة او حرج في الاحتيال عليها وامتهانها!!! فنحن نجد انفسنا اذن، في صف مناقض ومعاكس ومعارض تماما لهذه المواقف التي يتبناها رجال الحكم. فنحن معارضون لهم في اكثر الاشياء التي تصدر عنهم، ولكننا نشعر جيدا في هذه الناحية اننا معارضوهم الى أبعد الحدود. اننا ننظر الى المبادئ الاساسية للدولة، كشيء ضروري لسلامة سير السلطات وعلاقات بعضها ببعض، وانها الواسطة الوحيدة لتربية الشعب السياسية ولتقدمه في شتى مناحي الحياة. وهم لا يعيرون هذه الاشياء أية عناية او تقدير. فالمخالفات الدستورية ليست جديدة بالنسبة الى هؤلاء، فقد بدأت منذ ان بدأوا الحكم. فكثيرا ما احتالوا على المجلس بالتأجيل وتعطيل الجلسات لئلا تحصل الاكثرية، وكثيرا ما اقدموا على مخالفات صريحة للدستور، فاعتقلوا بدون محاكمة وعطلوا الصحف ومنعوا الاجتماعات، عدا عن تصرفات مختلفة تمس النواحي المالية في الدولة وغير ذلك... ولكن الاستهتار تبدي على اضخم شكل وابشعه في اصدارهم لهذه الملاكات. فالشيء الطبيعي المفهوم بداهة ان المجلس عندما يخول الحكومة صلاحية اصدار ملاكات، انما يقصد ان تضع الحكومة الملاكات اللازمة لتنظيم دوائر الدولة وأمورها ضمن القوانين، فيختار هذه الوسيلة للاسراع في العمل. ولا يقصد مطلقا ان تخالف الحكومة الدستور أو القوانين الاخرى. ولكن الحكومة قد أسات استعمال هذه الصلاحيات واستغلتها فجاءت في كثير من النواحي مخالفة للدستور في اهم مواده.. فالمشكلة في نظرنا تتلخص في ناحيتين: 1- عادة الحكومة، الاستهتار بالدستور، وخرقه بسهولة، وجعل ذلك سنة من سنن الحكم في بلادنا. وهو شر كبير في نظرنا في بدء هذه الحياة الاستقلالية والمبادئ التي يرتكز عليها نظام الحكم عندنا. وسيكون لهذه السنة السئة افظع النتائج، اذا لم يظهر رد فعل قوي جدا، من جانب الشعب وهيئاته السياسية. لكي يهزوا رجال الحكم وينبهوهم بعنف، الى ان امر تسلم مقادير امة ودولة ليس لعبا ولا مزاحا!!.. 2-مسألة الحريات قد تجلت في ملاك الداخلية الذي قضى على المواد التي ضمن بها الدستور الحريات العامة. فلا حرية فردية ولا اجتماعات سياسية ولا احزاب ولا صحافة حرة... بل صحافة موظفة أجيرة تعيّنها الحكومة وتشرف عليها بالشكل الذي تريد... فمن الناحية التربوية ليس هناك ضرر اكثر وبالا من هذا الشر. فنحن نظرا لما قاسته بلادنا من خضوع للاجنبي، خلال أزمنة متطاولة، ونظرا لما سيطر على النفوس من خنوع للسلطة والقوة، نحتاج الى تنشيط فكرة الحرية والممارسة الديمقراطية... وأما من الناحية السياسية، فلا شك ان كل حياة سياسية تنعدم بوجود هذه الملاكات وهذه السلطة الاستبدادية التعسفية، فلا معارضة ولا انتخابات حرة ولا مجالس نيابية صحيحة، اي ان امور الدولة ومقدراتها ستوكل الى مجموعة من الاشخاص يتصرفون بها حسب أهوائهم وكفاآتهم وأخلاقهم الفردية نزيهة كانت أم غير نزيهة. وبالجملة، فان السياسة التي تتبعها حكومات هذا الدور والتي تركزت في ملاك وزارة الداخلية الاخير، هي سياسة مناقضة كل المناقضة لمبادئنا ونظرتنا الى الحياة العامة، ونعتبرها منافية لمصلحة الامة، ونرى ان الوقوف في وجهها والحيلولة دون تنفيذها واجب قومي مقدس. 30 تشرين الاول 1946 (1) نص الخطاب الذي ألقاه الاستاذ ميشيل عفلق في الاجتماع الذي عقده حزب البعث العربي لاعضاء الحزب في دمشق في 30 تشرين الاول 1946، والذي بحث فيه ملاك وزارة الداخلية وموقف الحزب من الحكومة الحاضرة وقد نشر في جريدة "البعث"، العدد 62.
في سبيل البعث: الجزء الرابع:(الباب الرابع:)موقف الحزب من الحكومة (1)(56)