:في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الخامس) القومية قدر محبب(31)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: :في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الخامس) القومية قدر محبب(31) الجمعة ديسمبر 23, 2011 6:54 am
في سبيل البعث - الجزء الأول: الباب الخامس: القومية قدر محبب(31) قلما يفكر المرء بالاشياء البسيطة مع ان في بساطتها سرا يفوق الاسرار. من ذا يفكر باسمه ووجهه؟ انهما قدر يلازمه طوال ثواني حياته. القومية كالاسم الذي يلصق بنا منذ ساعة ولادتنا ومثل قسمات الوجه المقدر علينا حتى من قبل ان نولد في وراثة أبوينا واجدادنا. إننا نألف اسماً ولا نجيب الا اذا نودينا به ولو كنا نفضل عليه اسماء احسن وقعا. كما نقبل بوجهنا ونستشف به خفايا نفسنا وصورة شخصيتنا ولو انه لا يحقق دوما كل شروط الجمال. متى انتبه الانسان الى قدره يخرج من حالة الحياة السطحية ويدخل في جريان الحياة الحارة القوية، فاذا رافق عنده هذا الانتباه الى القدر، القبول به، اتخذت حياته اتجاها واتسمت بالرجولة. القومية للشعب كالاسم للشخص والملامح للوجه، هي قدر قاهر يسير مجموعة من البشر في مجرى من الحوادث والظروف فريد، وينسج عليه غلافاً من الصفات متميز الشكل. وكما ان من العبث ان يضيع المرء عمره في اللهف والاسف -لو ولدت في غير هذا البيت ووجدت على غير هذه الصورة- فان من الجهد الضائع ايضا ان يحاول الانسان التحلل من رباط قوميته التي احكمت شدها به اصابع القرون، ولكان اجدى به ان يقول: ما دامت طريقي معينة، ومسرح نشاطي محددا، فلاملأ كل خطوة من خطوات الطريق بأقصى جهودي، ولأظهر على هذا المسرح كل بطولتي، هذا هو قدري فلأكن به خليقا. هبوا امرءاً تستيقظ فيه قوميته، ولم تتضح له ارادة هذا القدر فيقبل بها ويريدها، اي رجل هو؟ الى اي تاريخ ينتمي؟ ماذا يهبه الماضي من فخار ويرتب عليه الحاضر من مسؤولية؟ اية اماني تجتذبه الى المستقبل وتعلو به فوق حدود فرديته وانانيته؟ هل له مميزات تبين له في الحياة اتجاهه وتضيء له سبيله؟ او بتعبير آخر، هل له اسم، هل له ملامح؟ انني كلما فكرت في حالة امرىء كهذا ترتعد فرائصي ذعرا من صورة الشقاء الذي يضمه وصقيع العزلة التي تنأى به... اي ضيق في أفقه واي فقر في روحه، وأية تفاهة وشحوب في حياته؟ يعيش عمره وهو لايدري انه فرع من نبتة تغور اصولها في احشاء الماضي، و تمتد اغصانها على امتداد العصور، ولا يعلم انه واحد من الملايين الذين تعاقبوا خلال القرون والاجيال فحرثوا الارض وشادوا العمران واعملوا الفكر وأذابوا الارواح وحاربوا وسقطوا صرعى الحروب، كل ذلك ليكتبوا تاريخ امتهم سطراً سطراً، وليرفعوا بنيانها حجراً حجراً، وليوضحوا عبقريتها ويتابعوا رسالتها. وكل هذه الملايين جاهدت وجالدت وصارعت العواصف وصمدت للنكبات لكي تخرجه من ظلمة العدم الى نور الحياة، لكي تلده هو، هذا الغافل الناسي، لتغني حياته بحياة الملايين، وتدعم نشاطه بجهود مئات الاجيال ولتحمله مسؤولية الماضي وشرف هذه المسؤولية، لتوجد له اسماً ينادى به وملامح تعرفه بين الامم، كي لا يبقى زيدا او بكرا من الناس، بل ليستطيع القول اذا تفاخرت الشعوب: انا عربي. قد يكون قاسياً هذا القدر الذي القى بنا في عصر الضعف والمذلة والتأخر والتفرقة، بدلا من ان يوجدنا في عصر الوليد او الرشيد، فنستند الى دولة عزيزة منيعة، وشعب ناشط موحد الكلمة، وحضارة ساطعة الضياء. وقد يكون القدر احيانا قاسيا ولكنه عادل ابدا، فهو لا يوزع البطولة الا بنسبة الصعوبة، ولا يورث المجد الا بقدر الجهد. فلن تكون في نظره بطولة الذين يجاهدون اليوم ليحرروا بلادهم من استعمار الاجنبي وخطر التجزئة وينشلوها من هوة الجهل والفقر، بأقل من بطولة قتيبة وابن نصير. واذا كان عصر الرشيد والمأمون قد اتسع لانتاج الفلسفات والآداب، فسيكون كل واحد من ابطال اليوم في نظر الجيل الآتي موضوع ملحمة خالدة وتكون تضحيته منشأ فلسفة جديدة. 1940 ميشيل عفلق منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
:في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الخامس) القومية قدر محبب(31)