في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الخامس)"القومية العربية والنظرية القومية(39)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الخامس)"القومية العربية والنظرية القومية(39) الخميس ديسمبر 29, 2011 11:41 am
في سبيل البعث - الجزء الأول: الباب الخامس: القومية العربية والنظرية القومية(39) ان اصطلاح "القومية العربية" في استعماله الشائع اليوم، هو خليط من افكار واتجاهات سياسية وعواطف، ومن رواسب وانحرافات سلبية وايجابية جعلته بعيدا عن المعنى الصادق الخلاق الذي يوحي به، بحيث نرى القومية تارة مرادفة للتعصب والتوسع، وتارة اخرى مقيدة في اغلال من العنصر او الدين او التاريخ، او مساوية للوحدة ورفض التجزئة او لوحدة النضال الشعبي مع ان هذه المعاني كلها، السلبية والايجابية، عارضة متبدلة جزئية، والقومية هي وحدها الخالدة الثابتة الشاملة. ان القومية العربية لدى البعث، هي واقع بديهي يفرض نفسه، دون حاجة الى نقاش او نضال، اما مجال الاختلاف وضرورة النضال فهما في محتوى هذه القومية، هذا المحتوى المتطور الذي يحتاج في كل مرحلة من مراحله الى نظرية قومية تلائمه. ولهذا لا موجب لأن نناقش في اننا عرب ام لا، ولكن يجب ان نختار وان نحدد مضمون العروبة في المرحلة الحاضرة: أتكون رجعية ام تقدمية؟ أتستقيم مع الاستعمار والاستبداد ام شرطها الحرية؟ وهل تبقى مع التجزئة ام ان الوحدة شرط اساسي لها؟ ولذلك فرق الحزب منذ تأسيسه بين "الفكرة العربية" وعنينا بها القومية العربية، وبين "النظرية القومية"، فقال ان الفكرة العربية هي بديهية خالدة، وهي قدر محبب، وانها حب قبل كل شيء، اما النظرية القومية فهي التعبير المتطور عن هذه الفكرة الخالدة حسب الزمان والظروف، وان هذه النظرية تتمثل اليوم -حسب اعتقادنا- في الحرية والاشتراكية والوحدة. وبهذا التفريق تتسع القومية العربية لكل هذا الواقع الغني الممتد عبر عصور التاريخ في جميع اقطارنا، فهي تحتضن هذا التاريخ وتتغذى به، وتؤلف من عناصره المختلفة تجربة واحدة موحدة. فهي بذلك الصفة المشتركة التي تجمع عناصر وحقبا تاريخية متعددة تشملها جميعا، ولا تصطدم بأي منها. ولذلك نقول ان القومية العربية هي قومية وعربية، قومية بمعنى ان فيها الشروط الابتدائية لكل قومية، عربية بمعنى ان فيها التطور الخاص بالامة العربية عبر مختلف العناصر والحضارات والازمنة. وان الصفة العربية المشتركة التي وحدت بين هذه العناصر جميعا هي التي استمرت دون انقطاع، وكانت اللغة العربية ابرز عنوان لهذا الاستمرار بما تتضمنه اللغة عادة من وحدة في التفكير وفي المبادئ والمثل. وبهذا المعنى فقط، يأخذ التاريخ قيمة في قوميتنا، تاريخنا بالدرجة الاولى، والتاريخ العام بالدرجة الثانية، فنحن لا ندخل التاريخ في قوميتنا ليكون صورة وقدوة بل لانه التربة الحية التي نما فيها وعينا وتصحح وتكامل، حتى بلغ هذه المرحلة الحاضرة التي نعبر فيها عن قوميتنا الايجابية بكليتها، والتي لا مكان فيها للتمييز او التفوق او السيطرة او العزلة. وليس المهم ان تكون شتى المعاني السلبية والايجابية، كالعنصر والدين والتراث التاريخي، قد أسهمت، في الماضي، في صنع هذه القومية وتداخلت فيها. ولكن المهم هو المعنى الذي نستخرجه من ذلك في مرحلتنا الحاضرة، مرحلة انبعاث وخلق المستقبل العربي، المهم ان نعرف ان هذه القومية -التي وصفناها بالخلود وبأنها تفترق عن المضامين المختلفة التي تعبر بها عن نفسها خلال الزمن وبالتفاعل مع الحوادث والظروف- لا يعني الخلود فيها جمودا، وانما يعني ثباتا واستمرارا للحد الادنى من المقومات تبنى عليها وتنسج حولها تعبيرات متنوعة متجددة، فهي خلق دائم، ولكنها ليست خلقا مجردا ولا خلقا من العدم، بل نابتا من التجارب الحية، لان هذا هو الذي يعطيه قوته ويضمن استمرار حيوته وتكامله. ولذلك فنحن نعتبر ان التجربة الحاضرة للامة العربية هي القيمة الأولى والكبرى لهذه القومية، لأنها أغنى وأثمن من جميع المراحل التي عاشتها أمتنا في الماضي وبالتالي فان مجال التجدد والخلق مفتوح أمامها الآن بكل اتساعه، لتعطي لقوميتها المعاني الحرة الاصيلة التي توحي بها تجربتها الحاضرة بكل عمقها وعنفها، وتخلع بالتالي على تجاربها الماضية معنى جديدا. فهي بهذا المعنى تخلق المستقبل وتخلق الماضي نفسه، وهي بالتالي -أي هذه التجربة- تترك في الصف الثاني اكثر المعاني السلبية او الايجابية التي تدخل عادة في بناء القومية، وترفعنا فوق النظرة التاريخية، كما تجنبنا النظرة الاممية المجردة. فالعرب اليوم لا يريدون ان تكون قوميتهم عنصرية، وارادتهم هذه نابعة من تجربتهم، فقد جربوا ما معنى العنصرية، وجربوا ما معنى الظلم. والعرب اليوم لا يريدون ان تكون قوميتهم دينية، لان الدين له مجال آخر وليس هو الرابط للأمة، بل هو على العكس قد يفرق بين القوم الواحد، وقد يورث -حتى ولو لم يكن هناك فروق اساسية بين الاديان- نظرة متعصبة وغير واقعية. والعرب اليوم لا يريدون ان تكون قوميتهم تاريخية. ان القومية العربية لا تنفي التراث التاريخي غير العربي، أي هي لا تتعارض معه، فالامة العربية اليوم وارثة لتراث حضاري غني وواسع، يشمل شتى الحضارات التي دخلتها وتفاعلت معها، من مصرية وآشورية وبابلية وفينيقية وغير ذلك. فالقول بالقومية العربية لا يعني مطلقا ان نتنكر لتراث الفراعنة مثلا أو نتبرأ منه، فهذا فهم سطحي ومضلل جدا، وكذلك فان القومية العربية لا تعني الانغلاق امام الحضارة الإنسانية، بل هي، على العكس، في تفاعل مستمر معها. على أن قوميتنا، برغم هذه المرونة وهذا الشمول، تبقى قومية ذات شخصية، فهي لكي تستوعب التراث القديم العديد المتنوع، ولكي تتفاعل مع الحضارة الإنسانية، يجب ان تكون لها شخصية. فنحن نسمي عربا هذه المجموعة من البشر التي استلمت من الماضي تلك المقومات والشروط الابتدائية والضرورية للشعور المشترك، وللمصلحة المشتركة، لا لتقف عند هذا الحد، بل كنقطة انطلاق تبدأ منها حياة جديدة تملؤها بكل المثل الانسانية التي توحي بها او تدفع اليها تجربتها الحاضرة. والقومية بمفهومها الحديث هي التي -بمنعها القفز الى عالمية مائعة ومجردة- تقي من الانتكاس والرجوع الى العصبيات الصغيرة، فهي اذن تحفظ شخصية الإنسان من التميع ومن التضاؤل. ان مفهوما للماركسية يدعو الى العالمية ويعتبر القومية انتكاسا، مع أنها في الواقع حركة تقدمية، لأنها حررت الإنسان من العصبيات الصغيرة وارتفعت به الى روابط اوسع، لها من نضجها ومن قيامها على اسس انسانية ما يجعلها خيرا من ان تهدم القومية لتدفع الانسان الى العالمية دفعا مصطنعا وسطحيا، فيصبح ضائعا في هذا العالم، ويحتاج الى قوة تجريد جبارة ليحفظ على نفسه ايمانها بصفة "المواطن العالمي" هذه، وهو وضع سيعود بالإنسان حتما الى نوع من العصبيات الصغيرة. ان القومية في مفهومنا، هي محررة من خطر الانغماس والاستسلام لعوامل البيئة والظروف الاجتماعية المحلية، ومحررة ايضا من خطر الانقلاب من جو الحياة بكاملها، ومن الوقوع في التجريد، ذلك ان في القومية الحد المعقول من التجريد الذي يجعل المصري والسوري واليمني عربا، وهذا لا يمنع ان يشعر العربي بأنه إنسان، وبأن له رسالة مشتركة مع بقية البشر، ولكن ضمن كونه عربيا، فصلته بالآخرين وتعاونه معهم انما يتمان من خلال شخصيته العربية. واخيرا، فان قوميتنا لا تزول باردتنا، ولكنها في الوقت نفسه لا تستمر ولا تتحقق تحققا كاملا بدون هذه الارادة، أي ان فيها امكانيات التفسخ والتناثر، كما أن فيها امكانيات الوحدة والانسجام والنضج. فالقومية العربية ليست مرحلة نضال مشترك، او شعارا لهذه المرحلة تنتهي بانتهاء النضال او بانتهاء دواعيه، ليعود كل قطر بعد ذلك الى شخصيته الخاصة. ان البعض ينظر الى نجاح النضال كنهاية للقومية العربية ولمبررات وجودها، اما نحن فنجد نهايتها في فشل هذا النضال، اذا كانت لها نهاية، والاصح ان نقول: ان في هذا الفشل انتكاسا وتقهقرا لها، وما دمنا نؤمن بأن الاقطار العربية هي في حالة ثورة وتقدم وتفتح، فنضالها متزايد، ووضوح شخصيتها العربية الموحدة متزايد ايضا بنسبة نجاح نضالها. ان النضال المشترك هو اليوم في الواقع الشعار للقومية العربية المتفتحة المنبعثة من جديد، فهي التي خلقت هذا النضال، وهي التي تغذيه. القاهرة، عام 1957 منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب الخامس)"القومية العربية والنظرية القومية(39)