في سبيل البعث الجزء الرابع :(الباب الاول:)مهمّتنا النضال لإنقاذ أهداف(6)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث الجزء الرابع :(الباب الاول:)مهمّتنا النضال لإنقاذ أهداف(6) السبت يناير 07, 2012 3:35 pm
في سبيل البعث الجزء الرابع :ميشيل عفلق الباب الاول: مهمّتنا النضال لإنقاذ أهداف(6) العَرب من الأيدي المأجورَة تمرّ على الشعب في هذه الآونة(1) حوادث سياسية تضطره الى أن يزداد واقعيّة ويزداد يقظة وحذراً من الإستسلام إلى الأحلام المريحة. وهو يقترب يوماً بعد يوم نتيجة لهذه الحوادث التي تمرّ عليه من مجابهة الحقائق القاسية والتعرف على مشاكله وإدراك مدى صعوبتها وعمقها، و بالتالي يقترب من معرفة الحلول التي يمكن ان تنجح. وهذه الحلول لن تكون ناجحة شافية اذا لم تكن بدرجة عمق واتساع وخطورة المشاكل نفسها. البعث العربي أمل الأمة هذا بوجه عام، أما فيما يخص موقف حزب البعث العربي من هذه الحوادث والإضطرابات فمهما يكن رأيه واجتهاده وتحليله، والموقف الذي يتخذه منها، فهناك حقيقة لا غنى للحزب عن أن يدركها ويتمسك بها على أنها الحقيقة القوية الثابتة التي هي مقياس كل الحقائق الأخرى والتي يجب ان تكون مرجعه في كل شيء. هذه الحقيقة هي أن حزب البعث العربي الصخرة المتينة الوحيدة في وسط هذا البحر الهائج أو هذه الرمال الواهية المضطربة، وأنه بقدر ما يحتفظ بمكانته وتماسكه وفعاليته وقدرته على إدراك الحوادث والتأثير فيها، يستطيع ان يضمن للبلاد أملاً حقيقيّا ًبالتدرج نحو الخلاص. فكل شيء ما عدا هذا الحزب بفكرته وبأشخاصه العاملين حسب هذه الفكرة نستطيع ان نحكم عليه بالعقم والبطلان والكساد. فاذا كان في البلاد نقطة ارتكاز مهما تكن صغيرة، شريطة ان تكون حيّةً متينةً قابلةً للنمو عندها لا يبقى أي مبرر لليأس والتخاذل. فإذا جاءت الأحداث على أحسن ما يتوقع المخلصون ملائمة للمصلحة العامة وموافقة للرغبات، ولم تكن في البلاد قوة واعية مضمونة الإخلاص قد توفرت لها الشروط للعمل، ما قيمة هذه الأحداث اذا جاءت على هذا النحو ما دامت الفرص ستذهب سدى ولن يستفاد منها كقوة تستخدم لمصلحة البلاد وخيرها. واجبات أعضاء البعث العربي فاذا كانت هذه الحقيقة واضحة في أذهاننا راسخة في نفوسنا، وأيقنّا بعد شتى التجارب أن هذا الحزب هو الأمل الوحيد وأنه قد يكون مهدداً بالضياع إذا قصّر أعضاؤه في مهمتهم ولم يؤدوا الواجبات المترتبة عليهم ليكونوا في مستوى حزبهم، إذا أيقنّا أن الأحداث الخارجية لا قيمة لها إلاّ اذا ضمنت القوة الداخلية لأنّ هذه الأحداث منفعلة تنتظر قوة تسيرها لمصلحة البلاد. إذا أيقنتم من كل هذا ومن أنّه لا يوجد من يستطيع إيجاد هذه القوة غير هذا الحزب عندها تخرجون من عداد الأكثرية الساحقة التي تنظر الى الحوادث نظرة رعب وخوف وجهل او تفاؤل في غير محلّه، وتنشأ في نفوسكم هذه القوة الخارقة التي تضمن الإستقرار النفسي الذي تنطلقون منه للقيام بواجباتكم. فلا مجال اذا للرعب والذعر والتساؤل المتلهف عن أسباب الأحداث المتعاقبة وأسرارها وغوامضها. فعليكم ان تقوموا أوّلاً بواجبكم وبعد ذلك تكون لأسئلتكم معنى وفائدة، إما إذا أهملتم هذا الواجب فإن الأسئلة والتساؤلات والغيرة المذعورة على الحزب وعلى سلامة البلاد لا تعدو أن تكون نوعاً من الهيجان المؤقت أو ضرباً من التلّهي الفكري لمعرفة الأسباب والنتائج معرفة حيادية متفرجة لا دخل لها في العمل ولا اشتراك لها فيه. الآن بعد أن بيّنت لكم بأن الأساس دائماً في هذا الظرف وكل ظرف هو ان نقوم نحن بواجبنا ومهمتنا، وهي أن نحقق هذه الحركة التي صمّمنا على إيجادها والتي عرفنا أنها تلبّي الحاجات العميقة في أمتنا، الآن نستطيع ان نلقي نظرة على ما يجري خارج الحزب ونقف الموقف المناسب ونكون مطمئنين الى أن تفكيرنا سيكون دائماً مجدياً نافعاً للبلاد وان موقفنا سيكون صائباً. أهداف العرب في أيد مأجورة لقد اتضح في هذه الآونة أكثر من أي وقت مضى بأن الأهداف القومية المقدسة، أهداف العرب التي يجب أن تنبعث في صميم كل عربي وتكون مدار حياته ونقطة التجمع والتركز لجميع جهود العرب، لقد اتضح بأن هذه الأهداف قد تناولتها الأيدي المأجورة المحترفة وشوّهتها وجزّأتها، وجعلتها ذرائع لغير المقاصد الحقيقية منها وشعارات لمصالح ليست غريبة عن البلاد فحسب بل معادية لها، ولم يعد النزاع اليوم بين العرب، كما كان قبل حين، بينهم وبين الإستعمار على حقّهم في الحرية والسيادة وانما انتقل النزاع الى مرحلة أخطر، وارتدى ثوباً مموّهاً فصار النزاع بينهم وبين بعضهم، أي أن قسماً منهم أو اقساماً قد تبنّوا المصالح الإستعمارية وألبسوها باسماء قومية. وهكذا اصبح النزاع في الظاهر على الأهداف القومية التي تخفي وراءها مصالح ومآرب عدوانية. كنا نحارب الفرنسيين لأنهم احتلوا البلاد وكنا نعرف أن العرب يحاربون الإنكليز للسبب نفسه، فالمعارك مستمرة بين طرف وطني وطرف أجنبي لا لبس فيها ولا خفاء. أما الآن فالنزاع على الوحدة والإتحاد وعلى الجمهورية والديمقراطية وعلى الحرية والسيادة بين العرب انفسهم، او بكلمة أصح وأكثر إنصافاً يجري النزاع على أيدي فئات محترفة باعت نفوسها وضمائرها للأجنبي، وهناك من يريد تحقيق المصالح الإستعمارية عن طريق الدعوة للوحدة والجمهورية والحرية، وهناك حكومات عربية ملكية تناصر الجمهورية في سوريا وأخرى تستسلم للأجنبي ولكنها تدّعي انها تحمل لواء الوحدة والإتحاد. فعلينا ان نترفع عن هذه المنازعات التي لا تمت الى حقيقة القضية القومية بصلة، وإن سميت باسمها واتّخذت لها ألفاظاً عربية وتسميات اشتقت من الاهداف القومية، ولكنها في الواقع أجنبية. علينا أن ننظر الى هذه الأمور من عل، وأن ندرك ما فيها من خطأ وتضليل، وأن نفهم حقيقة هذه المنازعات وأن نفهمها للشعب حتى لا يذهب ضحية منازعات لا تعبّر عن مشاكله الحقيقية. هدفنا الوحدة والحرية والإشتراكية لقد عمل البعث العربي منذ نشوئه على الدعوة والعمل للأهداف العربية الصحيحة وكثيراً ما لخصها في ثلاثة: الوحدة والحرية والإشتراكية، وكثيراً ما دخل المعارك الإنتخابية وشعاره فيها هو العمل لهذه الأهداف الثلاثة. والبعث العربي قد أدرك حقيقة الأهداف القومية عندما جمعها في هذه المبادئ وأدرك انها تشكل وحدة تامة. فالعمل للوحدة أمر ضروري طبيعي بالنسبة للعرب لضمان مستقبلهم، كذلك العمل في سبيل الحرية أيضاً، إذ ما قيمة الوحدة ان لم تكن تضم شعباً حراً واعياً لحقوقه قادراً على ممارستها... والمبدأ الثالث الإشتراكية وهو ان يكون في هذه الوحدة شعبٌ حرٌ منتجٌ قادرٌ على الحياة، وتكون لأفراده فرصٌ متكافئة فتظهر قواه وامكانياته دون عرقلة مصطنعة تفرضها طبقة على أخرى او استثمار داخلي. عندها يُعطي العرب طاقتهم القصوى ويكون مجتمعهم قادراً على البقاء والدفاع عن نفسه. لا تعارض بين أهدافنا اننا عندما نتصور حاجة العرب المتساوية الى هذه الغايات الثلاث: الوحدة والحرية والاشتراكية، ندرك بأن هذه الاهداف تتعاون دون ان تتعارض، وتنسجم موحدة، كل منها يساعد الآخر ويمهد له. غير انها اصبحت مجزأة متناحرة على ايدي الفئات السياسية المشبوهة في اخلاصها وفي صلاتها. فالذين يدعون للوحدة يحاربون الحرية والاشتراكية، والعكس صحيحٌ ايضاً. فكيف يمكن ان يكون بين اهداف قومية واحدة متممة لبعضها مثل هذا الإنقسام والتعارض؟ والأصح هو في ان نقول: ان التعارض هو في الفئات المأجورة لا في الاهداف القومية. البعث العربي لا يستطيع ان ينظر الى الأمور نظرة سطحية تقليدية مقتبسة من عالم السياسة المملوء بالغش والاصطلاحات المصطنعة والارتجال، لانه يستمد احكامه من اخلاصه وتجاوبه مع مصير الامة، لذلك لن يكون له هذا الموقف السطحي الطائش المشوّه الذي يقفه الآخرون الذين هم تارةً يحاربون هدفاً بحجة الإنتصار لهدف آخر، وتارةً يتذرعون بهدف ليحطموا آخر، وهكذا... موقفنا من الجامعة العربية تذكروا ان حزبنا وقف من الجامعة العربية موقفا سلبياً حذراً منذ تأسيسها فأصدرنا البيانات والمقالات نحذر فيها الشعب العربي من خديعة جامعة الدول التي شكلت لتحول دون الجمع بين العرب ولتلهيهم بجمع كاذب عن حاجتهم الى الوحدة الحقيقية، ولكي تخدرهم وتبث بينهم الفوارق والتجزئة وتحول دون اي تعاون حقيقي تفرضه مصلحتهم وظروفهم القاهرة. لقد كانت نظرتنا منذ البدء ان الجامعة العربية هي جامعة حكومات اقطاعية فهي تمثل خطرين كبيرين: خطر الاستعمار الخارجي وخطر الاقطاعية الداخلية، والعرب لا يشكون الا من هذين الدائين. فاذا وصلت البلاد الى هذه الحالة المؤلمة من تشتت أهداف العرب القومية تتناهبها الدول الإستعمارية فليس ثمة ما يدعو الى التشاؤم والهلع، بل يجب ان نرى في ذلك سبيلاً إلى تصفية الميدان السياسي من كثيرين من الخداعين الذين كانوا يموهون ويضلّلون، والى ان نكتشف حقيقة الاغراض التي كانت تحرك السياسيين لنحذرهم ونحذر الشعب منهم، فلا نكون أداة مسخرة لمنازعات مأجورة لخارج البلاد ولمآرب غير وطنية. المهمة الملقاة على عاتقنا ان ما يجب ان يبقى في اذهانكم هو اولاً: ان ما يجب ان يعول عليه ليس مشاهدة الحوادث او البحث في أسبابها ونتائجها، وإنما المعول عليه ان توجد في البلاد حركة نقية واعية فعالة تستطيع ان تؤثر في الحوادث وان تحولها إلى الطريق الذي يعود بالخير على البلاد. فمرجع كل شيء هو حزب البعث العربي، ومهما تعاقب على بلادنا من أحداث وعواصف أشدّ من التي جرت فلا مجال للذعر لأن هذه النواة ستنمو وتتغلب على الأنواء. اما الفكرة الثانية فهي ان ننظر دوماً الى حقيقة اهدافنا ونستمد ذلك من تفكيرنا لا من الصحف والسياسيين المحترفين، فأهدافنا القومية موحدة منسجمة لا تناقض بينها، وعلينا ان نرسم الخطة القويمة لهذه الأهداف مهما كانت الصعوبات -إنها الوحدة والحرية والإشتراكية. فالوحدة التي تتعارض مع الحرية هي وحدة كاذبة، والحرية التي تتعارض مع الإشتراكية والوحدة هي كاذبة ايضاً، واذا كان هناك من يستغل ذلك ليقدم طريقاً مضللة كاذبة فمن واجبنا ان نحذر الشعب كي لا يسلك سبيل الخداع بل الطريق الصحيحة. ميشيل عفلق 29 كانون الاول 1949 (1) حديث القي على الطلبة الجامعيين، ونشر في جريدة البعث، العدد 336
في سبيل البعث الجزء الرابع :(الباب الاول:)مهمّتنا النضال لإنقاذ أهداف(6)