منذ أن اغتصبت الصهيونية جزءا من الارض العربية فى فلسطين سنة 1948
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: منذ أن اغتصبت الصهيونية جزءا من الارض العربية فى فلسطين سنة 1948 الثلاثاء مارس 13, 2012 11:09 am
الوحدة العربية ومعركة تحرير فلسطين منذ أن اغتصبت الصهيونية جزءا من الارض العربية فى فلسطين سنة 1948 رفع فى الوطن العربى شعار يقول ان الوحدة هى الطريق الى تحرير فلسطين ".على أساس من القول بأن دولة الوحدة هى القادرة ـ وحدها ـ على أن توفر المتطلبات المادية والبشرية والاستراتيجية الكافية لتصفية دولة اسرائيل فى معركة قصيرة تضع فيها العالم أمام الامر الواقع . وكان لابد من أن تتحرر الدولة العربية أولا حتى تقيم الوحدة فتحرر فلسطين ... وهكذا كانت هزيمة 1948 . التى عرفت باسم " النكبة " محركا أول لقوى التحرر العربى التى استطاعت خلال العشر سنوات التالية أن تجلى الجيوش المحتلة عن كثير من أجزاء الوطن العربى . ومع كل خطوة تحررية كان يبدو كما لو كان موعد الوحدة قريبا . وأن الارض المغتصبة من فلسطين فى طريقها الى الحرية . وبلغ التفاؤل ببعض العرب حد دراسة تفاصيل الوحدة التى هى الطريق الى تحرير فلسطين فقيل أنها تلك التى تقوم فيما بين الدول العربية المحيطة بالارض المحتلة وأسموها " دولة الوحدة الطوق" .وظل ذاك الشعار سائدا الى ان تحققت الوحدة بين مصر وسورية سنة 1958 . وانتظرت الجماهير العربية فى كل مكان أن توفى دولة الوحدة مسئولياتها فتكمل الطوق أو تحرر فلسطين .. وطال الانتظار الى أن وقع الانفصال سنة 1961 . وقع سهلا بدون مقاومة . وقبل سريعا بدون انتظار . وثبت من كل هذا أن الامل الذى عقد على وحدة 1958 فى تحرير فلسطين كان أملا غير واقعى ومتسرعا معا . اذ أن وحدة 1958 لم تفشل فى تحرير فلسطين فحسب ، بل فشلت حتى فى الحفاظ على وجودها . ومنذ سنة 1961 التقت أغلب القوى فى الوطن العربى ، وفى العالم ، على محاولة دفن قضية الوحدة وقضية تحرير فلسطين معا تحت ركام من الصراعات الدولية والاقليمية . الى أن جاء حزيران ( يونيو ) 1967 فاذا بالقدر الاكبر من القوة العربية يقاتل متراجعا فى صحراء سيناء بينما كان قد تقدم اليها دفاعا عن دمشق . وكان ماكان . وكان طبيعيا أن تعصف هزيمة حزيران ( يونيو ) بكثير مما كان سائدا فى الوطن العربى من أفكار واتجاهات ، وأن تثير الشك فى مبررات وجود كثير مما كان موجودا من قوى ونظم ، وأن تشيع اضطرابا شديدا فى المقدرة على رؤية المستقبل الذى كان يبدو ـ حينئذ ـ حالك السواد . غير أننا الان . وبعد مايقارب ثلاث سنوات من الهزيمة نستطيع أن نرى بوضوح أن ليس كل ماكان فى حزيران ( يونيو ) 1967 كان سيئا . لقد كان اسوأ مافيه أن الامة العربية ، ذلك الطرف الاصيل الذى لم يكن ممثلا فى المعركة ، قد دفعت من أرضها ، وأبنائها ، وكرامتها ، ثمنا فادجا لاخطاء القوى الاقليمية . غير أنه فى مقابل هذا كشفت الهزيمة العاجلة للدول العربية عن عجزها الذى لا مفر منه عن تحرير فلسطين . وأدى هذا الى أن دخلت الجماهير العربية ساحة المعركة فى يومى 9و10 حزيران ( يونيو ) 1967 لتفرض الصمود أولا . ثم لتستمرفى القتال بعد هذا فى شكل منظمات جماهيرية مسلحة . وهذا كسب لاشك فيه . فلأول مرة فى التاريخ العربى المعاصر توجد فى الارض العربية قوة مقاتلة لاتحمل هوية أية دولة عربية . هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى انهار الزكام الذى حاولت قوى كثيرة أن تدفن تحته قضية تحرير فلسطين . لم يعد أحد يذكر الاسباب التى كانت ذرائع القتال فى حزيران ( يونيو 1967) . ونسى الناس خليج العقبة وحق المرور فيه . وتجاوزت المعركة ازالة آثار العدوان . وفرض على الدول العربية الا تسترد أرضها الى أن تحدد لها موقفا صريحا من تحرير فلسطين . وهكذا برغم كل شئ. برغم المناورات ، وبرغم التآمر ، وجد جميع الاطراف أنفسهم وجها لوجه أمام حقيقة المعركة : أما الوجود العربى واما الوجود الا سرائيلى فى فلسطين،وهو كسب لاشك فيه . .كسب من حيث أننا قد عرفنا ، ولو بعد دفع ثمن فادح للمعرفة ، أن أحدا فى الوطن العربى لايستطيع أن يزعم لنفسه الحرية قبل أن تتحرر فلسطين .أو أن يحلم احلام الرخاء فى جوار الوجود الاسرائيلى فى فلسطين . وعندما فرضت معركة تحرير فلسطين ذاتها على الناس ، عاد الحديث عن علاقة الوحدة بتحرير فلسطين . ورفع فى الساحة شعار مختلف يقول:":ان تحرير فلسطين هو الطريق الى الوحدة العربية وليست الوحدة العربية هى الطريق الى تحرير فلسطين ". وزاد أصحابه فأسموه " استراتيجية ". وهو قول غير واقعى ، ومتسرع معا . أما انه غير واقعى فلان القوى المعادية هى التى بدأت معركة احتلال جزء من الارض العربية فى فلسطين سنة 1948 وفى غيبة دولة الوحدة . . وهى التى بدأت معركة تأمين الوجود الاسرائيلى سنة 1956 وفى غيبة دولة الوحدة .ثم انها هى التى بدأت معركة فرض الاعتراف بدولة اسرائيل سنة 1967 وفى غيبة دولة الوحدة أيضا . فحتى لو كانت هزيمة الدول العربية فى حزيران ( يونيو ) سنة 1967 ، ورفض الجماهير العربية للهزيمة واستمرارها فى القتال ، قد حول المعركة مما أراد بها الصهاينة الى معركة تحرير فلسطين ، فان هذا لايغير شيئا من حقيقة أن العدو هو الذى اختار وحده تاريخ المعركة ، وفرضها فى الوقت الذى اختاره وحده . وعلى هذا يمكن القول بأن القوى المعادية قد استعجلت معاركها سنة 1948 وسنة 1956 و سنة 1967 لتثبيت الوجود الاسرائيلى " داخل حدود آمنة ومعترف بها " فى غيبة دولة الوحدة لان تلك القوى تعرف أن الوحدة العربية هى الطريق الموثوق الى تصفية الوجود الاسرائيلى وتحرير فلسطين ،وأن غيبة دولة الوحدة تقدم لها أكثر الظروف ملاءمة لتحقيق غاياتها العدوانية . ان هذا يبدو لنا أكثر اتفاقا ، واتساقا ، مع الواقع الذى نعرفه ، من الزعم الذى يوحى بأن القوى العربية ، أو أية قوة عربية ، هى التى اختارت أن تبدأ وتخوض المعركة القائمة من أجل تحرير فلسطين وفى غيبة دولة الوحدة تنفيذا " لاستراتيجية " أعدت من قبل على أساس أن " تحرير فلسطين هو الطريق الى الوحدة العربية وليست الوحدة العربية هى الطريق الى تحرير فلسطين ". وهو قول متسرع ، لان أصحابه لم يصبروا على أنفسهم ، ولا على الظروف حتى يتبينوا :أولا ـ مااذا كان النضال القائم فى سبيل تحرير فلسطين سيحقق غايته فى غيبة دولة الوحدة أم أن تطورات المعركة المسلم بأنها طويلة ومعقدة ، وصعبة ، ستضعهم ـ ربما أقرب كثير مما يتصور الكثيرون ـ أمام خيار حيوى : فاما اقامة دولة الوحدة التى توفر لهم العمق الاستراتيجى اللازم لمواصلة القتال واما هزيمة اخرى . وحتى يتبينوا ـ ثانيا ـ مااذا كان بعض المناضلين فى سبيل تحرير فلسطين سيكفون عن القتال ليقيموا على الارض المحررة دولتهم الفلسطينية المسماة " ديموقراطية " أم أنهم سيواصلون القتال الى أن تقوم دولة الوحدة الديموقراطية . ذلك لانه اذا كانت المعركة تدور الان فى ظل تأييد ودعم " حلف الخرطوم " الذى انعقد بين الدول العربية فى آب ( أغسطس) سنة 1967 من أجل " ازالة آثار العدوان " فان هذا الحلف موقوت ـ على أحسن الفروض ـ بغايته . وعندما تنتهى مرحلة " ازالة آثار العدوان " . على أى وجه تكون نهايتها ، يكون الحلف قد استنفذ اغراضه فينفض . حينئذ تبدأ " فعلا " معركة تحرير فلسطين . ولم يقل لنا أحد ـ بعد ـ كيف تستمر المعركة وقد كفت الدول العربية ، راغبة أو كارهة ، عن دعم المعركة . وأغلقت حدودها . وصفت أو حاولت تصفية قواعد المناضلين ؟.. نقول كيف تستمر الا اذا سقطت الاقليمية العربية المتراجعة واقيمت على انقاضها دولة عربية توفر للقتال أسباب الاستمرار حتى النصر . انها عندئذ دولة الوحدة النواة أو نواة دولة الوحدة . ومن ناحية أخرى ، لم يقل لنا أحد ـ بعد ـ كيف يكون تحرير فلسطين طريقا الى الوحدة العربية خاصة اذا كان ذلك الشعار المسمى " استراتيجية " متضمنا كهدف اقامة دولة فلسطين المسماة " ديموقراطية " كيف تكون تلك الدولة الاقليمية طريقا الى الوحدة العربية ؟.. ماهى المعطيات الجديدة المتوافرة أو التى يمكن أن تتوافر لدولة فلسطين . ولم تكن متوافرة لدول عربية كثيرة تحررت ولم تتوحد . ان كل مانعرفه من المميزات الخاصة بدولة فلسطين المسماة " ديموقراطية " هو ان نسبة اليهود غير العرب فيها سيكون أكبر منها فى أية دولة عربية أخرى . فهل يصلح هذا سببا جديدا لتكون طريقا الى الوحدة ؟.. ان هذه اسئلة لاتكفى النوايا ـ ولو كانت حسنة ـ للاجابة عليها . أين الحقيقة اذن ؟. هل ثمة علاقة بين الوحدة العربية وتحرير فلسطين ؟ وان وجدت فما هو مضمونها ، وأين تقع ، وكيف تتجسد فى هذه المرحلة التاريخية التى يمر بها النضال العربى ؟. فى الاجابة على هذه الاسئلة نجتهد بقدر مايطيق هذا الحديث المحدود . عندما يكون الحوار دائرا بلغة واحدة ثم لاينتهى الى اتفاق فلابد من أن يكون ثمة خلاف فى مضامين الكلمات التى يستعملها المتحاورون . وتكون الخطوة الاولى أن نعرف مايعنيه كل طرف بالكلمات التى يقولها . والحوار حول علاقة الوحدة بتحرير فلسطين يدور بين الذين ينكرون الوحدة ولاينكرون تحرير فلسطين ، فلابد اذن من أن يكون ثمة خلاف بين مايعنيه كل منهم " بالوحدة العربية " أو " بتحرير فلسطين ". ونحن نعتقد أن مرجع الغموض وعدم التحديد فى هذه العلاقة الى الذين يتحدثون عن الوحدة العربية أو أنهم هم المسؤولون عن القدر الاكبر منه . ولولا هذا لما رأينا أن كل الناس - فيما يقولون - راغبون فى الوحدة العربية ومن دعاتها ، ومع ذلك ماتزال الوحدة أبعد الاهداف العربية عن التحقق . بل أن أغلب الناس لايعرفون كيف تتحقق وماهو الطريق اليها . ولو عرفوا لعرفوا موقع تحرير فلسطين من هذا الطريق . وآية هذا أن كثيرين من اولئك الذين يتحدثون أو يكتبون عن الامة العربية . وعن القومية العربية . وعن الوحدة .. الخ .حديثا يبدو كالمناجاة الذاتية . ويعز معه الحوار . لاننا لانستطيع أن نعرف مما يقولون كيف عرفوا مايتحدثون فيه الا أن يكون عن طريق شعورهم بالانتماء القومى ، أى حالتهم النفسية ، والشعور بالانتماء القومى دلالة صحيحة على وجود امة ينتمى اليها المتحدث ولكنه لايصلح منطلقا الى تحديد أهداف المستقبل . ونحن نعرف هذا مثلا من قول مطروح ومتردد فى الادب القومى العربى . فى كل الادب القومى العربى تقريبا كما لو كان بديهيا . ذلك القول بأننا مادمنا امة عربية واحدة " فيجب " أن تكون لنا دولة سياسية واحدة . أو أننا مادمنا أمة عربية واحدة " فيجب" أن نساهم جميعا فى تحرير فلسطين . والشعور بالانتماء القومى يبرر أننا امة عربية واحدة. اما لماذا " يجب" مابعد هذا فلا جواب . أو أن ثمة اجابات غير وافية . او اجابات غير صحيحة وان كانت هى ذاتها غير مبررة قوميا . مثل تلك الاجابة التى تقول " يجب" أن تقوم الوحدة لانها الطريق الى تحرير فلسطين ، لان دولة الوحدة ـ وحدها القادرة على توفير المتطلبات اللازمة لتح! قيق نصر عسكرى ضد الصهيونية . وهو قول صحيح . ولكن المسألة هى كيف عرفنا أنه صحيح . ان كنا عرفناه عن طريق ممارسة القتال الفاشل عشرين عاما ضد اسرائيل . لاأكثر . ثم تنفض الوحدة بعد أن تكون قد أدت مهمتها . وفى هذه الحالة تكون الوحدة غير لازمة بالنسبة الى الدول التى لاتحيط باسرائيل ، بل وتكون الوحدة العسكرية بين الدول التى تحيط بها بديلا صالحا من الوحدة السياسية لا نها توفر المتطلبات اللازمة للتفوق العسكرى أو يمكن توفرها . بل نزيد فنقول ان حتى الوحدة العسكرية لاتكون لازمة لو احسنت بعض الدول العربية استخدام امكانياتها المتاحة ماديا وبشريا . اذ لو احسنت لكانت قادرة على هزيمة اسرائيل . وفى كل الاحوال ستكون علاقة الوحدة بتحرير فلسطين موضوعا من " صلاحية " العسكريين ، قادة المعركة ، الذين يقررون مضمون تلك العلاقة ، وأين تفع، وكيف تتجسد طبقا لتطورات استراتيجية أو تكتيك القتال ضد اسرائيل . اما اذا كنا قد عرفنا أن " الوحدة العربية " لازمة لتحرير فلسطين عن طريق البحث العلمى فى تلك الظاهرة الاجتماعية التى تسمى " أمة "واكتشاف العلاقة الموضوعية بين الوجود القومى والوحدة القومية . فان الوحدة تكون لازمة لزوما موضوعيا ، فنلتزمها غاية فى معركة تحرير فلسطين ، وفى غير معركة تحرير فلسطين ، ولانعفى منها أحدا مهما يكن بعيدا عن ساحة معركة فلسطين ، ولانتراجع عنها حتى بعد أن تتحرر فلسطين . هنا يكون موقفنا من الوحدة وتحرير فلسطين موقفا عقائديا ، وليس موقفا انتهازيا . والموقف العقائدى القومى يقوم ـ باختصار ـ على خمسة أسس متكاملة : اولا: ان الامة جماعة بشرية تكونت تاريخيامن جماعات وشعوب كانت مختلفة لغة وتراثا ومصالح ومتصارعة ومتفاعلة خلال ذاك الصراع ، انتهت بعد مرحلة تاريخية طويلة من المعاناة الى أن تلتحم لتكون شعبا واحدا ذا لغة مشتركة وتراث مشترك ومصالح مشتركة . وهذا لاخلاف عليه . انما الخلاف حول الارض الخاصة والمشتركة كعنصر من عناصر التكوين القومى . ونحن نرى أن الاختصاص برقعة مشتركة من الارض هو العنصر الجوهرى المميز للامة . ذلك لان كافة العناصر الاخرى مثل وحدة اللغة التى تركز عليها النظرية الالمانية ، ووحدة المصالح الاقتصادية التى تركز عليها النظرية الماركسية . أو وحدة الثقافة التى تشيد بها الكتابات العربية . أو حتى وحدة الارادة التى تركز عليها النظرية الفرنسية .. الخ .كل هذه عناصر ممكن أن تتوافر ، وأن تجتمع ، لجماعات بشرية لاترقى الى مستوى " الامة " كالمجتمعات القبلية مثلا . انما تجاوزت المجتمعات الطور القبلى ودخلت طور التكوين القومى بالاستقرار على أرض معينة . ثم اكتملت تكوينا باختصاصها بتلك الارض المشتركة ، وبهذا أصبحت أمة . ثانيا : يترتب على هذا أن الامة تكوين واحد من الناس ( الشعب) والارض ( الوطن) معا . فنحن عندما نقول أننا أمة عربية ثم نتحدث عن الوطن العربى لايكون حديثنا عن شيئين منفصلين بل عن الكل ( الامة ) الذى يتضمن الجزء ( الوطن ) فالشعب العربى ( الناس ) والوطن العربى ( الارض ) يكونان معا الامة العربية . التى ماتحولت من شعوب لاتختص شعبا بعينه الى أمة الا عندما التحم الشعب العربى بالوطن العربى واختص به ليكونا وجودا اجتماعيا واحدا هو الامة العربية . من هنا ندرك انه عندما يتعرض الوطن العربى ، كله أو بعضه ، للابادة أو الطرد من أرضه . وعندما يتعرض الوطن العربى كله أو بعضه للغزو الاستيطانى أو الاقتطاع أى عندما تقوم أية محاولة لفصل الناس ( الشعب ) عن الارض ( الوطن ) لانكون بصدد خطر يتهدد بعض أبناء الشعب العربى يمكن تعويضهم عنه أرضا بأرض ، ولا بصدد خطر يتهدد جزءا من الوطن العربى يمكن الاستغناء عنه أو المساومة عليه ، بل نكون بصدد خطر يتهدد الوجود القومى العربى ذاته . وهكذا تقدم لنا القومية أول ضوابط الموقف العقائدى من الغزو الصهيونى لفلسطين . ثالثا : ثم أنه لما كانت الامة تكوينا تاريخيا فان اشتراك الشعب فى الوطن هى مشاركة تاريخية تحول من ناحية دون الشعب وأن يتصرف فى وطنه أو جزء منه فى أية مرحلة تاريخية معينة لان الوطن شركة تاريخية بين الاجيال المتعاقبة . وتحول من ناحية أخرى دون أى جزء من الشعب وأن ( يتصرف ) فى الاقليم الذى يعيش عليه أو فى جزء منه بالتنازل عنه للغير أو تمكين الغير من الاستيلاء عليه ( علاقة خارجية ) وتحول من ناحية ثالثة دون أى جزء من الشعب وأن يستأثر بأى اقليم عن بقية الشعب ( علاقة داخلية ). ومن هنا نصل الى عدة نتائج هامة وملزمة قوميا . أولها أن فلسطين كجزء من الوطن العربى اقليم مملوك ملكية مشتركة للشعب العربى كله وليس ملكا خاصا لشعب فلسطين . ثانيها؛ ان الشعب العربى كله ، ومن باب أولى شعب فلسطين وحده ، لايملك الحق فى التنازل ، أو التفريط ، أو المساومة ، على حرية فلسطين . ثالثهما : ان مسؤولية تحرير فلسطين واقعة على الشعب العربى كله وليس على شعب فلسطين وحده . رابعا: ان كل الاتفاقات ، او المعاهدات أو القرارات ، والدساتير ، والقوانين ، والمواقف ، والتصريحات ،سواء كانت صادرة من دول أجنبية أو دول عربية ، فى الماضى أو الان أو فى المستقبل ، تمس حرية فلسطين ، غير مشروعة قوميا ، فهى ليست حجة على الامة العربية ولاقيدا على حقها فى تحرير فلسطين . ان الامة كتكوين تاريخى لم تتكون اعتباطا أو مصادفة . بل تكونت من خلال بحث الناس عن حياة أفضل . فاذا كنا قد بلغنا خلال المعاناة التاريخية الطور القومى ، أى مادمنا أمة عربية واحدة فان هذا يعنى أن تاريخنا ، الذى قد نعرف احداثه وقد لانعرفها ، قد استنفذ خلال بحث اجدادنا عن حياة أفضل كل امكانيات العشائر والقبائل والشعوب قبل أن تلتحم معا لتكون أمة عربية واحدة وانها عندما اكتملت تكوينا كانت بذلك دليلا موضوعيا غير قابل للنقض على أن ثمة " وحدة موضوعية " قد نعرفها ، وقد لانعرفها بين كل المشكلات التى يطرحها واقعنا القومى ، أيا كان مضمونها ، وأنها بهذا المعنى ، مشكلات قومية لايمكن أن تجد حلها الصحيح الا بامكانيات قومية ، وقوى عربية ، فى نطاق المصير القومى . قد يحاول من يشاء أن يحل مشكلاته الخاصة بامكانياته القاصرة ، ثم يقنع بما يصيب ولكنه لن يلبث أن يتبين ، فى المدى القصير أو الطويل ، أن الحل الصحيح المتكافئ مع الامكانيات القومية المتسق مع التقدم القومى ، قد أخطأه عندما اختار أن يفلت بمصيره الخاص من الوحدة الموضوعية للمشكلات التى تشكل حلولها المصير القومى الواحد. وهكذا بينما احتاج الاقليميون الى الهزيمة المرة فى حزيران ( يونيو ) 1967 ليتعلموا أن أحدا لايستطيع أن ينتصر فى معركة التحرر مادامت فلسطين محتلة لايحتاج القوميون الى تجارب مريرة ليعرفوا أن أحدا لن ينتصر فى معركة نحرير فلسطين مادام للاستعمار قدم وقاعدة فى الوطن العربى ، وأن فلسطين لن تتحرر بغير امكانيات قومية ، وقوى قومية ، فى نطاق معركة التحرر العربى واطار المصير القومى . خامسا : وأخيرا ، فان هذه الوحدة الموضوعية بين المشكلات التى يطرحها الواقع القومى بما نعنيه من أن حلولها الصحيحة المتكافئة مع المقدرة القومية غير قابلة للتحقق الا بامكانيات وقوى قومية فى اطار المصير القومى .تفرض الوحدة العربية كأداة يستحيل بدونها وضع كل الامكانيات والقوى القومية ، واستعمالها ، فى سبيل حل كل المشكلات العربية ، وتحقيق المصير العربى الواحد . ان هذا لايعنى أن الاقليميين ودولهم عاجزون تماما عن تحقيق أى نجاح فى مواجهة المشكلات التى يتصدون لها ، بل يعنى تماما انهم لاينجحون الا مؤقتا وأنهم لن يلبثوا أن يتبينوا ، فى المدى القصير أو الطويل ، أن الوحدة لازمة لاطراد النجاح أو الحفاظ عليه وهكذا نعرف من الان . أن فلسطين لن تتحرر فى غيبة دولة الوحدة ، وأنها حتى لو تحررت لن تستطيع أن تحافظ على تحررها الا فى ظل دولة الوحدة . كيف اذن فشلت وحدة 1958 فى تحرير فلسطين ؟ .. لاسباب بسيطة . لانها كانت استجابة قومية ولكنها لم تكن وحدة قومية فشلت فى أن تتحول الى وحدة قومية . كانت اشتراكا بين اقليمين فى الرئاسة وفى الحكومة ، وبقى الاقليمان منفصلين جماهيريا ، واقتصاديا ، وماليا ، وعسكريا فلم تكن تجسيدا لوحدة المصير داخلها . ثم انها اقتنعت بالاقليمين وتوقفت عن الامتداد ، فارتضت التجزئة ولم تجد وحدة المصير خارجها وهكذا انقلبت الى دولة اقليمية فى اقليمين ، بدلا من أن تكون دولة الوحدة النواة ففقدت أساسها العقائدى ومضمونها القومى ، ففشلت . الى هنا نكون قد عرفنا الموقف القومى العقائدى من الوحدة وعلاقتها بتحرير فلسطين .غير أن هذا لايكفى ، لان الموقف القومى العقائدى تعبير سلبى فى مواجهة الواقع ، ويبقى أن نعرف كيف يحدد قوانا ويضبط حركتها الايجابية ، أى كيف تتحول القومية من وعى على الواقع الى حركة لتغيير الواقع وأين تقع العلاقة بين تحرير فلسطين والوحدة العربية فى تلك " الحركة " . وأرجو الا يكون غائبا عنا أن حقيقة المشكلة التى نعالجهاآخذة فى الوضوح خلال الحوار فنحن الان لسنا أمام القضية الشكلية الاولى : أيهما ا لطريق الى الاخر ، الوحدة أم تحرير فلسطين ، بل نحن أمام الحقيقة الموضوعية لتلك القضية ، علاقة النضال من أجل الوحدة بالنضال من أجل تحرير فلسطين . ولما كانت الحركة النضالية ، أية حركة لتغيير الواقع تتضمن خمسة عناصر هى : المنطلق والغاية والقوى والاستراتيجية والتكتيك ، فسنرى فيما يلى ـ باختصار شديد ـ كيف تحدد لنا القومية العناصر الخمسة للحركة القومية وموقع معركة تحرير فلسطين منها . (1) اما عن المنطلق فهو محدد بالوجود القومى ذاته ، بالامة كواقع موضوعى ، وبواقع الامة فى مرحلة الانطلاق ، وفى الواقع العربى وقائع كثيرة أولها أننا أمة واحدة ولكن مجزأة و أن فلسطين جزء من الامة العربية ولكن مغتصبة ، من هنا تكون البداية . (2) أما عن الغاية فهى محددة بوحدة الوجود القومى التى تعنى اختصاص الشعب العربى كله بالوطن العربى كله ، فيما يتفق مع تلك الوحدة يبقى ومالايتفق معها يجبأن يزول . ولما كانت لصهيونية تغتصب جزءا من الوطن العربى وكانت كل دولة عربية تستأثر بجزء من ذلك الوطن . وكان هذا وذاك لايتفقان مع وحدة الوجود القومى ، فان غاية النضال القومى تكون استرداد الارض العربية من غاصبيها ، والغاء تجزئتها واقامة دولة عربية واحدة عليها، بما فيها فلسطين . (3) أما عن القوى فمحددة بوحدة المصير القومى . ولما كانت وحدة المصير القومى تعنى أن الحل الصحيح لايمكن أن يتحقق الا بامكانيات قومية وقوى قومية . فان القوى المناضلة من أجل الوحدة لن تكون قادرة على النصر النهائى الا اذا كانت قوى قومية . أى الا اذا كانت مجسدة فى ذاتها هدف الوحدة . وهى لاتكون كذلك اذا قبلت التجزئة الاقليمية فيها ، أى اذا قبلت أن تكون قوى اقليمية ولو كانت متحالفة . وهكذا تكون وحدة القوى القومية شاملة المناضلين فى معركة فلسطين ، ولكنها تنفى تجزئة القوىالى قوى قومية وقوى فلسطينية .
(4) اما عن الاستراتيجية فهى محددة بالوحدة الموضوعية للمشكلات التى يطرحها الواقع القومى فلابد من أن تكون استراتيجية واحدة تصل بين الواقع القومى والمصير القومى . ولما كانت الوحدة العربية الشاملة لاتقوم الا بعد التحرر الكامل لكل اجزاء الوطن العربى فان التحرر يشكل المرحلة الاولى من استراتيجية النضال من أجل الوحدة . وهى استراتيجية ملزمة للمناضلين فى كل جزء : التحرر كمرحلة اولى من نضال غايته الوحدة . وهكذا تدخل معركة تحرير فلسطين فى نطاق المرحلة الاستراتيجية الاولى من النضال القومى من أجل الوحدة العربية : مرحلة التحرر . ويصبح القول بأن تحرير فلسطين هو الطريق الى الوحدة بشرط أن نفهمه على أنه طريق دخول " فلسطين " الى دولة الوحدة العربية . ومن ناحية أخرى فان وحدة الاستراتيجية تعنى أنه كلما انتصرت القوى القومية فى ساحة معركة ألقت بقوتها فى الساحات الاخرى الى أن تحقق الوحدة العربية الشاملة . وهكذا يكون النضال القومى ملتزما بسحق الاقليمية والغاء التجزئة فى الاجزاء المحررة واقامة دولة الوحدة النواة ثم الدخول بها معارك تحرير وتوحيد باقى الاجزاء وتضاعف المقدرة على النصر ـ هنا ـ لاشك فيه ، ولكن ليس مصدر الالتزام بتحقيق الوحدة النواة والدخول بها معركة التحرير ، بل مصدره الموقف القومى العقائدى . وعلى هذا يصح القول بأن الوحدة هى الطريق الى تحرير فلسطين بشرط أن نفهمه على أنه طريق الوحدة النواة الى الوحدة الشاملة . (4) أما عن التكتيك فلا يتوقف على القوى القومية . ولكن على ظروف المعارك ،وقوى الاعداء ، وأساليببهم ، وغايتهم ، والقوى القومية مطالبه فى هذا بأن تلتزم الاسلوب العلمى فى المواقع التكتيكية لهزيمة القوى المعادية . ولكن ـ وهذا بالغ الاهمية والخطورة ـ فى نطاق الالتزام الاستراتيجى أى الا تترك للقوى المعادية فرصة استدراجها من خلال المناورات التكتيكية الى خارج خطها الاستراتيجى ، أو أن تندفع هى الى قبول أى نصر تكتيكى يكون على حساب الغاية الاستراتيجية . وهكذا لايجوز أن نتننازل أو نتراجع عن هدف الوحدة العربية من أجل النصر التكتيكى فى أية معركة ولو كانت معركة تحرير فلسطين . وهكذا يستقيم لنا ـ كما أرجوـ فهم العلاقة بين الوحدة وتحرير فلسطين فى هذه المرحلة ، على وجه يمكن تلخيصه فى جملة قصيرة : التحام القوى القومية فى قوة مناضلة واحدة تخوض معركة تحرير فلسطين وتفرض الوحدة فى الاجزاء المتحررة ثم تدخل بها المعركة لتأمين النصر النهائى فى معركة تحرير فلسطين حتى تستطيع أن تكسب فلسطين لدولة الوحدة . فهل هى علاقة صحيحة ؟ هنا يأتى دور الممارسة لتكون محكا لاختبار صحة المعرفة العلمية . فماذا تثبت الممارسة ؟. (5) أما على الجانب العربى فلم يكف أى قادر على الكلام ، منذ حزيران ( يونيو )1967 عن القول بأن معركة تحرير فلسطين معركة عربية ، وأن مسئولية تحرير فلسطين تقع على الامة العربية كلها ، وأن التعامل مع " الواقع الملموس" ـ كما قالت احدى النشرات الصادرة من الجبهة الشعبية أثبتت أنه :" من الواضح أن النضال من أجل تحرير فلسطين ليس مهمة الشعب الفلسطينى وحده بل مهمة الشعوب العربية كلها وان انجاز هدف التحرير وتصفية الكيان الاسرائيلى لايمكن أن يكون الا حصيلة نضال الشعوب العربية كلها فى حرب شعبية طويلة الامد ضد الامبريالية والصهيونية على امتداد الارض العربية .". وأنه مالم تتم تعبئة طاقات الجماهير العربية كلها فان سحق العدوان الاسرائيلى وتدمير جذوره يبقى حلما غير قابل للتحقيق ( الجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين ) ـ حركة المقاومة الفلسطينية فى واقعها (الراهن).كلهم كل المساهمين فى المعركة ، قادة ، وقواعد ، وحكومات لايكفون عن الاستغاثة بالمائة مليون عربى ، وتحميلهم مسؤولية معركة التحرير التى لايمكن أن يتم النصر فيها بغير قوة الجماهير العربية . حتى الاقليمية الفلسطينية تدعو الجماهير العربي! ة الى أن تحشد نفسها فى جبهة مساندة . اذن " فالواقع الملموس" قد أثبت أن النصر لايتم الا بالتحام الجماهير العربية وفاء لمسؤولياتها عن تحرير فلسطين ، وهو صحيح . ولكن الذين يستغيثون بالامة العربية ، وبالمائة مليون عربى . ويحملونهم مسئولية تحرير فلسطين لم يقولوا شيئا عن حقوق المائة مليون عربى فى فلسطين ( المتحررة ) أو فى ازالة آثار العدوان .لم يقل أحد كلمة واحدة اجابة عن السؤال الذى يهم الجماهير العربية : لماذا يموتون من أجل تحرير فلسطين ؟ أليست المسؤولية هى الوجه الاخر للحق ؟ فأين حق الامة العربية فى فلسطين وكيف يتجسد ؟ ان من أغرب ماقرأنا فى هذا ماقاله اولئك الذين اصدروا نداءهم المنشور عن حلم التحرير الذى لايتحقق الا بنضال الشعوب العربية تبريرا لدخول الجماهير معركة التحرير ، قالوا :لان الجماهير الكادحة لاتملك الحياة ، مع أنها تملك مع الحياة أمل الوحدة والتقدم . ويستغيثون بالجماهير العربية دفاعا عن الكرامة العربية . والكرامة العربية عزيزة وتستحق القتال دفاعا عنها . ولكنها ليست كلمة فارغة ، انها تعنى حياة كريمة مطهرة من المذلة ولايريد أحد أن " يعد" الجماهير العربية حتى بالحياة الكريمة المطهرة من المذلة ولو بعد التحرير ،ربما لانهم يعرفون أن ذلك لايتحقق الا فى دولة الوحدة العربية وهم لايريدون أن يلتزموا بوعد الوحدة بعد التحرير . ان الجما! هير العربية ليست بلهاء وقد كان لها فى حزيران ( يونيو ) 1967 عبرة لاتنسى ، فاذا كان أحد يظن أنها ستقاتل حتى الموت الى أن تتحرر فلسطين لمجرد أن يعود الامر فى الوطن العربى الى ماكان عليه قبل حزيران ( يونيو ) 1967 فسيتعلم أن الغباء لاينفع صاحبه أبدا . والغباء وباء فى الاقليمية العربية .بدليل انهم مازالوا يتصرفون على أمل أن كل شئ سيبقى كما كان . بل أن منهم من هو مشغول عن المعركة بمخططات التوسع بعد المعركة فهو يدخر قواه ليبنى فى الارض العربية امبراطوريته الخاصة . وكل هذه أوهام . لا يساويها وهما الا توقع استجابة الجماهير العربية لدعوة الالتحام من أجل الموت لاشئ أكثر ، واستنفارها بالحديث عن المسؤولية بدون التزام بحقها فى الارض العربية ولما كان هذا الالتحام لايتم الا على هدف الوحدة فان هذا " الواقع الملموس " يقدم دليلا من الممارسة على أن النصر لايتم الا بالتحام تحرير فلسطين بالوحدة العربية .
أما عن الجانب الآخر ، جانب القوى المعادية فان الامر أكثر وضوحا . فهى تخوض معركتها ضد الامة العربية وليس ضد أية دولة عربية . وهذا واضح من أن الحركة الصهيونية عندما وضعت مخططاتها لغزو الوطن العربى فى مؤتمر بال سنة 1897 لم تكن هناك أية دولة عربية قائمة لافلسطين ولاغير فلسطين . قد تصطدم الصهيونية تكتيكيا مع دولة عربية قائمة أو اخرى تبعا لما تتبينه من مخاطر مؤقته . ولكن خطتها الاستراتيجية تستهدف اقامة دولة يهودية من الفرات الى النيل ، بصرف النظر عما هو قائم على تلك الارض من دول أو نظم أو قوى . الغزو الصهيونى موجه اذن الى الامة العربية . فهى الطرف الاصيل فى المعركة وهذا يقتضى أن تكون قواها فى المعركة قوى قومية ملتحمة . واذا كانت الحركة الصهيونية ذات أهداف محددة واستراتيجية خاصة ، فان من عناصر تلك الاستراتيجية التحالف مع القوة الاستعمارية المتفوقة . تحالفت مع المانيا أولا ، ثم مع بريطانيا ثانيا ثم مع الولايات المتحدة الامريكية أخيرا ، تبعا لانتقال قيادة الاستعمار العالمى . وللاستعمار العالمى موقف عدائى لم يتغير ضد الوحدة العربية . هو الذى صنع التجزئة ابقاء للتخلف حتى يظل مسيطرا على مقدرات الامة العربية . وهو الذى يحرس التجزئة حتى لاتقوم دولة الوحدة . وهكذا التقت المصالح الاستعمارية مع المصالح الصهيونية لاقامة دولة يهودية على الوطن العربى تحقق أهداف الصهيونية وتحول دون الوحدة معا . قرأنا كلنا عن تقرير كاميل بونومان سنة 1907 الذى انتهى الى أن حماية المصالح الاستعمارية فى الوطن العربى تستلزم اقامة حاجز بشرى قوى وقريب يفصل المشرق العربى عن المغرب العربى ويحول دون الوحدة العربية المتوقعة .ولقد كنت مهتما بالتعرف على هذا التقرير فى مصدر رسمى تحقيقا لصحة الاشارة اليه فى الكتابات الخااصة ، الى أن اطلعت على ملخص له منشور فى وثيقة عربية رسمية ، فأصبح حقيقة تمكن الاشارة اليها . ولكنها ليست الحقيقة الوحيدة ، فقد كان من ضمن المكاسب التى تحققت بعد هزيمة حزيران ( يونيو ) 1967 أن أصبح للقضية العربية أنصارا من الدارسين فى أوروبا وخاصة من الفرنسيين . وعرفنا مما كشفوه من وثائق علاقة الغزو الصهيونى بالوحدة من هذه الوثائق مانشره بيير ديستريا فى كتابه " من السويس الى العقبة " صفحة 56 نقلا عن كتاب نشر فى فرنسا سنة 1937 بعنوان " الله أكبر" ألفه " محمد أسعد بك" وهو اسم مستعار لاحد عملاء الصهيونية فى الوطن العربى . والكتاب عبارة عن تقرير كان مقدما الى حد قادة الحركة الصهيونية العالمية هو المستشرق النمساوى الدكتور فولفجانج فايست . يقول كاتبه : " ان خلاصة الاسباب الجدية للكفاح من أجل الارض المقدسة هو موقعها الاستراتيجى وتأثيره فى مستقبل المنطقة . فلو عادت فلسطين الى دولة عربية موحدة تضم مصر لقامت هناك قوة عربية مسلحة تستطيع أن تتحكم فى قنال السويس والطريق الى الهند . اما اذا ظلت فلسطين مستقلة ، أو أصبحت دولة يهودية ، فانها ستقوم عقبة فى سبيل انشاء الدولة الكبرى حتى لو تمت الوحدة بين دولة عربية وأخرى على جانبى فلسطين . ان دولة صغيرة " حاجزة " تقوم على 100000 كيلو متر مربع على ضفتى نهر الاردن ستحمى كل دولة عربية ضد تدخل أية دولة عربية اخرى .. ان توازن القوى حول قنال السويس يتوقف اذن على استقلال فلسطين بالنسبة الى العالم العربى ، يتوقف على دولة فلسطين تكون كسويسرا عند ملتقى القارات الثلاث . ان هذا الاستقلال يتفق تماما مع طموح الاستعمار اليهودى ، ذلك لان اليهود وحدهم هم الذين ستكون لهم مصلحة فى هذا الاستقلال وليس العرب اذ ان هؤلاء سيكونون من الدعاة المتحمسين للاندماج فى دولة عربية كبرى ". ان هذا الكلام القديم يبدو حديثا ، لانه يعبر عن استراتيجية معادية وضعت قديما وماتزال تحكم تكتيك القوى المعادية . ومن حين الى آخر يعبرون عنها بوضوح وقوة . فى تشرسن الثانى ( نوفمبر ) 1958 أى بعد قيام وحدة 1958 نشرت مجلة " الابسر فاتور دى مويان اوريان " مقالا بمناسبة الذكرى الثانية لحرب 1956 قالت فيه :ان التفوق الاسرائيلى قدم ضمانا لحماية الوضع القائم ضد المحاولات الوحدوية . لقد أصبح واضحا أن حفظ التوازن فيما بين الدول العربية المجاورة لاسرائيل والدول العربية عموما مهمة يتولاها الاسرائيليون وتدخل فى نطاق واجباتهم . اننا نقوم هنا ، اذا صح التعبير ، على تنفيذ " مبدأ مونرو " خاص بالشرق الاوسط . ان القرار الذى اتخذناه بهذا الخصوص منذ عشر سنوات ( أى منذ 1948 ) قد أدى الى الاستقرار والسلام بدلا من الخوف " وفى كانون أول ( ديسمبر ) سنة 1966 قال ليفى أشكول فى رسالة بالراديو أن سياسة اسرائيل منذ سنة 1958 ( أى منذ الوحدة ) أن تحول ولو بالقوة دون أى تغيير يحدث فى الوضع القائم للدول العربية " . وفى شباط ( فبراير ) سنة 1967 قال أبا ايبان فى تصريح أدلى به فى لندن :" يجب أن يكون واضحا أن مصير ا! لمنطقة العربية لايمكن أن يكون الوحدة . بالعكس انه الاستقلال القائم على التجزئة ". وهكذا تثبت الممارسة ـ ممارسة المعركة ضدنا ـ أن القوى المعادية قد غزت فلسطين مقدمة لغزو مزيد من الاراضى العربية لاقامة دولة يهودية وظيفتها أن تحول دون الوحدة العربية لشاملة كهدف استراتيجى لتلك القوى المعدية . وهذا يعنى أن طبيعة معركة تحرير فلسطين التى تفرض التحام الجماهير العربية تحتم أن يكون التحامها من أجل الوحدة كهدف استراتيجى للقوى العربية . وبهذا تقدم طبيعة المعركة الدليل على صحة الموقف القومى من العلاقة بين الوحدة وتحرير فلسطين . اذا كان هذا هو الحل الصحيح : فماالذى يحول دونه ؟. أولا: وقبل كل شئ ، عدم وفاء القوى القومية بمسؤولياتها ، فلو أرادت الوفاء لما حالت أية قوة على الارض دون أن تلتحم فى قوة مناضلة لتحرير فلسطين واقامة دولة الوحدة . ثانيا : الاقليمية العربية ، والاقليمية كنقيض للقومية تقوم على أساس أن لكل اقليم عربى تكوين اجتماعى (مجتمع ) قائم بذاته مستقل بمصيره ، ولما كان الاستقلال علاقة ذات طرفين أو أكثر ( الاستقلال بالذات عن الغير ) فان دلالة الاقليمية تتجاوز أى اقليم لتصبح علاقة قائمة على تبادل الاعتراف بتجزئة الوطن العربى تجمع الاقليمين فى كل مكان ، حتى الذين لاينتمون الى دولة عربية ، لتضعهم جميعا فى مواجهة الشعب العربى فى موقف مضاد لوحدته القومية . وتتجسد هذه الاقليمية منتدى/ ملاك صدام حسين sahmod.2012@hotmail.com
منذ أن اغتصبت الصهيونية جزءا من الارض العربية فى فلسطين سنة 1948