في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب السادس:) نظرتنا للوحدة العربية الوحدة والنضال الشعبي(43)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب السادس:) نظرتنا للوحدة العربية الوحدة والنضال الشعبي(43) الجمعة ديسمبر 30, 2011 4:53 am
في سبيل البعث - الجزء الأول: الباب السادس: نظرتنا للوحدة العربية الوحدة والنضال الشعبي(43) ايها الاخوان: بدأ حزبنا قبل خمسة عشر عاما، ونادى بفكرة، اعتقد بأنكم تعرفون خلاصتها، والوحدة العربية أبرز شيء فيها. وبالرغم من أن حلم الوحدة يراود العرب جميعا في مشرقهم ومغربهم الا ان الكثيرين حتى من المثقفين ومن العاملين في الحقل القومي كانوا ضعيفي الإيمان في أمر الوحدة، وكانوا ينسبون الى دعوتنا "الخيالية"، ويعتبرون بأننا نطالب بأشياء نظرية، وان هذا الحزب المؤلف من شباب وطلاب لم يختبر الواقع ولم يعرف حدود الامكانيات وحقيقة الصعوبات، لذلك فهو يستسهل الارتجال وطرح المطالب الصعبة. ولكن اليوم بعد خمسة عشر عاما أعتقد بأن أكثر الذين كانوا يأخذون علينا هذا التطرف في المطالب عرفوا بالتجربة بأننا لم نكن حالمين ولا متوهمين، وان الوحدة العربية ليست مجرد حلم وخيال بل حقيقة حية سائرة في طريق التحقيق، وانها قد قطعت شوطا كبيرا في هذه السنوات، ولكن أمامها أيضا أشواطا كثيرة. لكي أقرب الى أذهانكم هذا الموضوع لا بأس من أن أذكر لكم كيف يتصور بعض الساسة والمثقفين فكرة الوحدة العربية وأسلوب تحقيقها، وكيف أننا خالفنا هذا التفكير منذ البدء. تعرفون بأن البلاد العربية طرأ عليها منذ قرون عدة تفكك وانحلال. ولسنا بحاجة الآن للرجوع الى التاريخ. والمفروض أنكم تعرفون هذه الاشياء. اذن عاش العرب مئات السنين مجزئين سياسيا الى أقطار ودويلات متنافرة، وفقدوا في كثير من أقطارهم سيادتهم، وفقدوا -حتى في الاقطار التي احتفظت بالسيادة- فقدوا الابداع، ملكة الابداع، ملكة التقدم والحضارة، أي أن المجتمع انتابته عوامل الجمود والتفكك فلم يعد قادرا على ان يتابع التقدم، فصار ينحل شيئا فشيئا ويعيش عالة على غيره.. على حضارة الآخرين، أو على بقايا حضارته القديمة. ففي هذه الحالة الوحدة المفقودة هي الوحدة القومية وليست الوحدة السياسية، لأن الوحدة السياسية، نتيجة، ولكن المهم في مثل هذه الحالة أن العرب في المشرق والمغرب لم يعودوا يشعرون انهم أمة واحدة.. الشعور العميق الجدي، الشعور الايجابي، وبالتالي لم يعودوا يشعرون بمسؤولية رسالة لهم في الحياة، وفي التاريخ. تكونت الأنانيات وتراكمت المشاغل المادية والنفعية والآنية على نفوسهم. ولم يفقدوا كل شعور بالرابطة القومية لانهم ظلوا يشعرون ويعرفون بأنهم كانوا قديما أمة واحدة، ولهم دولة واحدة، وانهم مازالوا يتكلمون لغة واحدة، ولا يزال في مجتمعهم بعض التقاليد والعادات المشتركة، هذا طبعا بقي، الا ان العناصر الايجابية فقدت، لان الوحدة الحقيقية لا تكون بالتشابه السلبي: أن يتشابه الجميع بالتأخر، بالجمود، بالأمراض.. الوحدة الحقيقية هي وحدة ايجابية: أن يتشابهوا بالعمل، القدرة على العمل والانتاج، أن يتشابهوا بنظرة دائمة مبدعة للحياة تتجدد دوما وتوحي لهم بالاعمال المستمرة في شتى الميادين. ففي مطلع قرننا هذا كان فقدان الوحدة الروحية هو الأساس الذي يجب أن ينصب عليه التفكير لإعادة الوحدة القومية والسياسية. لكن السياسيين والمفكرين السطحيين يأخذون المظاهر والنتائج دون ان ينفذوا منها الى الاسباب والاسس والاعماق. يظنون ان وحدة العرب مرهونة بالقوة المادية، بالقوة العسكرية، بقوة دولة من دويلاتهم، تستطيع أن تفرض سلطتها على الآخرين وتوحد شتاتهم. هذا ما خلفناه نحن عندما نظرنا إلى الأسس: بأنه لا يمكن تحقيق الوحدة العربية تحقيقا جديا ومتينا وصامدا للزمن الا اذا حدث انبعاث روحي في المجتمع العربي. أي -بكلمة مختصرة- الا اذا عاد العرب فشعروا بأنهم لم يوجدوا عبثا في الحياة، ولم يوجدوا ليعيشوا على فضلة الآخرين، وليكونوا عبيدا للآخرين، وليكونوا أفرادا وجماعات متنافرة تتنافس على المادة والنفع الحقير، انما وجدوا -ككل شعب- ليعطوا خير ما في نفوسهم وعقولهم، ليعيدوا للحياة ما أعطتهم اياه، ليعبروا أكمل تعبير عن إنسانيتهم، ليرتفعوا فوق المشاغل الحقيرة وفوق الأنانية وفوق النظرة التي لا تؤمن بالقيم والخلود، ليرتفعوا الى مستوى روحي يصهر نفوسهم من جديد وينسيهم خلافاتهم ويبدل ضعفهم قوة ليشعروا بأن عليهم مسؤولية جدية تامة بأن يحرروا أنفسهم ليحرروا غيرهم، وأن يرتفعوا بأنفسهم، بمستوى معاشهم، بنظام مجتمعهم، ليستطيعوا فيما بعد أن يغنوا المجموع البشري بقدرتهم وكفاءاتهم. لذلك تصورنا الوحدة العربية تصورا انقلابيا ثوريا.لم نتصورها تصورا سياسيا بأنها جمع اعداد... جمع كميات بعضها الى بعض، لان الاشياء الميتة اذا جمع بعضها الى بعض فلا تنتج حياة، ولكن اذا حركنا الروح.. بعثنا الروح في هذا الشعب.. في هذا المجتمع، عندما يكون الجمع مجديا ومقويا، وعندها يكون الجمع ممكنا. اذ لا امكان للتوحيد في حالة التأخر والجمود وهبوط الروح. لا يمكن ان يتحد اثنان اذا لم يكن فيهما بذرة مهما تكن بسيطة من النزوع الروحي ليعرفا ان في الحياة شيئا أثمن من الانانية المحضة، وبالتالي يمكن أن يجتمع اثنان في سبيل غاية مشتركة أعلى من أنانية كل منهما على حدة. فالوحدة العربية في نظرنا اذن هي نتيجة للانقلاب الروحي في المجتمع العربي، وهي ايضا في نفس الوقت سبب من أسباب هذا الانقلاب. هي نتيجة له، ولكن هي بحد ذاتها يمكن ان تكون دافعا مثيرا من دوافع الانقلاب، لذلك لم نقل مع القائلين: لنسع أولا الى إصلاح حال كل قطر، وبعد أن تصلح أحوال هذه الاقطار عندها تجتمع. لم نقل هذا القول، لان القطر الواحد -الجزء- اذا لم يعرف منذ البدء بأنه جزء فقط وبالتالي بأنه ناقص، وبأنه عاجز ومفتقر الى ما يكمله، وانه لا تستقيم حياته ولا تستقيم نظرته الى الحياة اذا لم يتصور نفسه حلقة في سلسلة، وجزءا من كل، وعضوا في جسم كامل، وان لهذا الجسم معنى في الوجود ورسالة في الحياة، فلا يستطيع القطر أن يصلح شؤونه اصلاحا عميقا. لذلك كان علينا ان نبدأ من البدء بإثارة فكرة الوحدة ليس فقط على نطاق التبشير ولكن في النضال والعمل. ونحن عارفون أن التحقيق النهائي للوحدة يتطلب وقتا ومشقات، ونعرف أن بين الاقطار العربية تفاوتا في الاوضاع والظروف الخارجية والداخلية، ونعرف أن الوحدة تتحقق على مراحل.. كل ذلك ندركه ولكن رغم ذلك وجدنا أن من الضروري ان يقترن نضال كل قطر في سبيل مشاكله الخاصة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، بفكرة الوحدة والنضال من أجلها، ليعرف كل قطر عندما يبدأ بتطوير حياته واصلاح شؤونه ان مهمته أعظم بكثير من مهمة هذا الجزء وان التصميم او الخطة التي سيضعها لتطوره ولنهضته ايضا يجب ان تكون جزءا من كل... ان يعرف بانه وجد ليتمم الاجزاء الاخرى وان يحسب لها حسابا. هنالك نظرة سقيمة منحرفة وخطرة عرضت لجانب منها، وهناك جانب آخر هو نظرة السياسيين المعروفين: بأن الوحدة العربية او الرابطة العربية ليست شيئا ينبعث من أعماق حياة العرب في كل اقطارهم، وانما هي نقاط التقاء مشتركة بين هذه الاقطار، أي ان كل قطر: سوريا، مصر، العراق، تونس، مراكش، الجزائر، كل قطر له حاجاته، له مشاكله عليه ان يعالجها، ثم في مستوى اعلى من مستوى المشاكل الخاصة بكل قطر، توجد مواضيع مشتركة يمكن ان تلتقي عليها الاقطار العربية كلها او بعضها. والواقع -كما تعرفون- ان هنالك نوعين من التجمع، تجمع الاقطار العربية المشرقية وتجمع الاقطار العربية المغربية وعلى هذا الاساس قامت الجامعة العربية: ان بين اقطار الشعب العربي بعض النقاط المتشابهة في السياسة، أحوالهم متشابهة يمكن ان يجتمعوا ليبحثوا هذه الشؤون في الاقتصاد ويتعاونوا في الثقافة وهكذا. هذا معناه ان كل قطر بشخصيته الخاصة ومشاكله الخاصة هو الأصل والأساس وانه في الفروع... في النتائج... في أمور سطحية ليست عميقة يمكن ان يلتقي مع الاقطار كلها أو بعضها. مثل هذا الالتقاء قد يقع بين الشعوب مختلفة، لا تتكلم لغة واحدة ولا ترجع الى اصل واحد، موجودة في قارة او جزء منها، تفرض عليها ظروفها ان تتعاون، وهذا ما يريد الاستعمار ان يحدث في الشرق الاوسط.. في الأقطار العربية المشرقية.. تعاون سطحي في بعض أمور لا تنفذ الى صميم حياة الشعب، ولأن هذا التعاون سطحي فان فائدته ستذهب الى الاستعمار، وليس الى أهل البلاد. لذلك كان الاستعمار هو المحرض على انشاء الجامعة العربية، هو المقترح لها، ولم يخَفْ عواقبها. والاستعمار يعاود الكرة دوما لكي يوجد تعاونا اقتصاديا وعسكريا بين هذه الاقطار بشرط أن يكون هو حاضرا فيها لكي يستغلها. هذا تصور خاطئ للوحدة -ليس خاطئا فحسب بل ضارا- لاننا نكون بهذا الشكل أعطينا شرعية وترسيخا للتجزئة، وسمحنا لعناصر الاختلاف والتباين الموجودة في الأقطار ان تنمو وتتوسع. وهكذا تكون الجامعة ستارا حاميا للتجزئة، للتفرقة، للتباين، في ظله تنمو التجزئة في امان، وهذا ما يريده الاستعمار لنا: بأن نصل الى زمن نتناكر فيه، ينكر بعضنا البعض الآخر وينادي كل جزء بشخصيته الخاصة التي لا يمكن ان يتنازل عنها ونعيش في تناحر وتنافس. النظرة الصحيحة الى الوحدة -في اعتقادي- هي ان يكون أساس النهضة العربية الجديدة، أساس الانقلاب العربي المنشود، قائما على هذا المبدأ الذي لا يجوز التفريط فيه او التهاون فيه: بأن العرب أمة واحدة، وبأنهم في أي جزء من أجزائهم، وفي أي مشكلة تعترض أي جزء يجب ان يشعروا أو يفكروا ويعملوا بهذا الواقع، بهذا التصور، بأنهم ان لم يكونوا عمليا موحدين فانهم روحيا موحدون، وانهم يعالجوا مشاكلهم على أساس انهم سائرون نحو الوحدة ويعملون لها بجد وبنضال. فحزبنا في سورية مثلا، وهذا ينطبق عليه في كل الاقطار التي له فيها فروع، بدأ حياته منذ تأسيسه وبدأ بنضاله يعالج مشاكل الشعب في الجزء الذي وجد الحزب فيه ولكن على أساس عربي. لما بدأ الحزب في سوريا كان يناضل ضد الاستعمار الفرنسي ولكنه في كل خطوة خطاها في نضاله ضد الاستعمار كان يذكر الشعب بأن هذا الجزء هو جزء من كل.. من الوطن العربي، وان الاستعمار موجود في أجزاء أخرى، وان طرده من هنا واضعافه سيساعد الاقطار الاخرى على التحرر، وان بقاءه هنا في سورية يساعد الاستعمار على الضغط والاستبداد باخواننا في أقطار أخرى. وهذا الشيء متجسم في سورية لان فرنسا كانت تحرص على سوريا بصورة خاصة ليسهل استعمارها للمغرب وليطول أمد هذا الاستعمار، ولكي تضمن عدم وصول حركات وأفكار التحرر والمساعدات الاخوية من عرب المشرق إلى المغرب اذا هي ضمنت سيطرتها في هذه البقعة. وبعد الانتهاء من مرحلة الاستعمار في سورية واجهنا مشكلة اخرى لم نكن نجهلها قبلا، ولم نسكت عنها كل السكوت زمن الاستعمار، ولكن لم نستطع أن نعطيها حقها من المعالجة ما دام الاستعمار هو العدو الاول: مشكة الطبفة الحاكمة او الفئة المتزعمة. فبعد التخلص من الاستعمار الفرنسي هنا وجه الحزب نضاله ضد هذه الطبقة لأنها كانت زمن الاستعمارية سببا في استمرار بقائه، لانها زيفت النضال، وأضعفته عندما تزعمت النضال وساومت الاستعمار مرارا عليه. دعت الشعب الى النضال، وما كان الشعب ليخطو خطوة او خطوتين حتى كانت هذه الفئة نفسها توقفه في منتصف الطريق، وتخاف من جموحه واسترساله في النضال واظهار كل قواه وامكانياته، لانها كانت مهددة في مصالحها وفي زعامتها. وآخر الامر تغلب الشعب على الاستعمار وعليها وعلى مساومتها، فوجدت ان تحل محل الاستعمار في حكم البلاد متذرعة بتضحياتها زمن النضال الوطني، وبأسبقيتها في مقاومة الاستعمار وغير ذلك. ولا اعتقد انكم بعد كل هذه التجارب التي مرت على العرب في عشرات السنين الماضية، لا اعتقد انكم تجهلون حقيقة ادعاء هذه الطبقة التي هي ذاتها في كل قطر عربي، الوجهاء، الاغنياء، الزعماء التقليديون، والني تقاوم الاستعمار كمنافس ليس كمستعبد للوطن والامة: وانما كمنافس على الزعامة والاستثمار، وترضى منه بالمشاركة في كثير من الحالات.. أن تقاسمه المنافع والزعامة. ولما استطاع نضال الشعب أن يخرج الاستعمار من هنا انفضحت هذه الطبقة انفضاحا تاما، وظهر مفهومها للنضال والوطنية لأن نوعا من البيع والشراء حصل، لأنها دفعت الفلس لتأخذ مئة، وانها تعبت سنة لترتاح عشرين، وانها ضحت ببعض المنافع وحرمت من بعض المناصب لكي تستأثر فيما بعد بالحكم ومنافعه، ونظرتها إلى الشعب نظرة احتقار وتضليل لا تقيم له وزنا، ولا تشركه في قضيته ولا تطلعه على سياسة البلد، تسيره بالبطش تارة وبالحيل والاكاذيب والتضليلات تارة اخرى. فهل كنا في نضالنا ضد هذه الطبقة.. هل كنا نعمل لسورية كبلد قائم بذاته مستقل، لا تصله بالبلاد العربية صلة..؟.. كلا.. كنا نعرف ان نضالنا ضد هذه الطبقة هو نضال ضد مرض واحد ابتلي به العرب في كل أرضهم، واننا اذا نجحنا في تغيير هذه العقلية وهذه الاساليب في الزعامة والحكم، وفي تهديم القيم القديمة التي تجيز استعباد الشعب وخداعه واستثمار، وخلقنا قيما جديدة تعترف للشعب بالحقوق الكاملة، بالاحترام، وبأن يكون له الحق في الاطلاع على شؤونه وفي ممارسة تصريف هذه الشؤون.. عندما ننجح في تهديم هذه العقلية القديمة وخلق عقلية جديدة نكون قد قدمنا للعرب عامة تجربة وقدرة. هذا لم يكن مكتوما، بل اعلناه. قلنا ان هذه الطبقة واحدة، وهذه العقلية واحدة في كل وطننا -عقلية الانحطاط والتأخر- ويجب ان تزال. وعندما قاومنا الدكتاتورية العسكرية لم نكن نعالج حادثا اقليميا وانما ظاهرة عربية، لأننا نعرف بأن وطننا العربي يمر في مرحلة تاريخية يتدرب فيها على الحكم من جديد، يتدرب على الاستقلال بعد ان أضاع قياد نفسه مئات السنين، فاذن هو معرض، هذا الشعب العربي في كل بقعة، ان يضلل وان تغريه الأفكار الخاطئة السطحية عن الحكم العسكري والابطال المغامرين الاقوياء، علينا أن نفضح هذه الخرافة، ونفع هذه التجربة سيعود على كل العرب. علاوة على اننا كنا في هذا النضال سواء زمن الفرنسيين او زمن الحكم الوطني او زمن الدكتاتورية، نجد رابطة بين الاشياء التي نقاومها وبين المصلحة العامة. قلت لكم ان الفرنسيين جاؤوا الى سورية ليضمنوا بقاءهم في المغرب والدكتاتورية العسكرية قد ساومت على قضية المغرب من أجل صفقات سلاح وخذلت قضية تونس وهي في ابان نضالها المسلح قبل أربع سنوات، ومنعت كل تأييد وكل تظاهر وكل معونة وكل حدث في سبيل نصرة النضال في المغرب فكانت مقاومتنا للدكتاتورية ليس فقط لانها تبطش بالشعب العربي في سورية وليس لأنها تبتز أمواله، بل وبصورة خاصة لانها أجازت لنفسها ان تساوم على قضية قومية خطيرة. تجدون اذن ان المصلحة العربية واحدة لا تتجزأ، وانها ليست كما يتصورها او كما يريد ان يتصورها الاجانب والسياسيون التقليديون في بلادنا: المصلحة العربية هي بعض أشياء مشتركة سطحية.. وانما هي في صميم نضال كل قطر، وبالتالي ان الوحدة العربية ليست مرحلة من نضالنا يمكن ان نوقتها فنقول: بعد ان ننتهي من الاستعمار في القطر الفلاني، وبعد زوال الاقطاع في قطر آخر والدكتاتورية في قطر ثالث نفرغ للوحدة. العمل للوحدة يبدأ منذ البدء والاستعمار موجود والاستغلال الاقطاعي موجود والحكم الرجعي الانتهازي موجود. علينا ان نوضح للشعب العلاقة بين مشاكله الجزئية وبين أساس المشاكل كلها: المشكلة القومية. اذا أردنا أن نجيب على سؤال: ما هي الخطوات العملية نحو الوحدة العربية؟ فجوابنا هو بالدرجة الأولى والاهم هذا الذي ذكرت: النضال الموحد. فالوحدة العربية قبل ان تصل الى طور التحقيق السياسي والانشائي يجب ان تبنى في جو النضال.. في صميم النضال.. ولا يجوز لنا ان نغفل هذه الناحية، وهذا ما يريد السياسيون ان يغفلوه لانهم لا يريدون الوحدة لأنها تقضي على زعاماتهم.. لأنها تطيح بهم وتخلق مستوى رفيعا من الوطنية والوعي والانتاج عند الشعب لا يعود متلائما مع وجود هذه الزعامات البالية، فهم يريدون تثبيت التجزئة.. يصورون الوحدة ان دورها لم يأت بعد.. الواقع هو ان دور الوحدة موجود دوما. اقطار المغرب العربي التي عرفت من ألوان الاستعمار وثقل ضغطه وبطشه ما لم تعرفه الاقطار الاخرى، وربما ما لم يعرفه بلد آخر في العالم.. هذه الاقطار اذا قدرت لها قيادة واعية مخلصة -وهي موجودة لا شك- فانها تستطيع ان تعمل للوحدة والاستعمار مسلط فوقها، اي ان تبني نضالها على اساس الوحدة. هذا لا يمنعها من معالجة مشاكل المغرب كما لم يمنعها من معالجة مشاكل سورية. ولكن بهذه الروح يجب ان يكون النضال. فنحن اذن واضحون جدا في هذه النقطة. الوحدة العربية هي قبل كل شيء نضال ووحدة في النضال، ثم، كمستوى آخر قد يرافق هذا المستوى الاول وقد يتبعه، تأتي ظروف تكون فيها شروط بعض الاقطار السياسية والاجتماعية مهيأة لان تخطو خطوات انشائية في سبيل الوحدة مع متابعة النضال. وحدة النضال يمكن ان تنشئ بين اقطار علاقات توحيدية في السياسة والاقتصاد والشؤون العسكرية. وهذا ممكن ومتيسر في اقطار الشرق العربي، ولو كانت للفئات الحاكمة في الشرق العربي عقلية متحررة ومؤمنة وواثقة بالشعب وبعيدة عن المصالح الخاصة، المصالح الطبقية، لحققت خطوات جديدة في طريق التوحيد منذ زمن. ولكن هناك مجالات سياسية تتطلب دقة، وحيطة وحذرا، لا يجوز ان تتوحد السياسة وهناك استعمار في الداخل ونفوذ استعماري، ولكن يمكن ان يتوحد الاقتصاد، وان تتوحد الثقافة. فنرى نحن بأن كثيرا من الاشياء يعجز عنها الحكام او يتهربون منها لا لأن الاستعمار يحول بينهم وبيننا بل لأن مصالحهم تحول بينهم وبينها، او لأن عقليتهم المتأخرة تمنعهم من تحقيقها. الشيء الذي يهمنا جميعا الآن هو نضال المغرب ووحدة المغرب، فعلى الاساس الذي وصفناه اقول بأن وحدة المغرب لا يمكن ان تتحقق الا في وحدة نضاله، وأي تجزئة لنضال المغرب ستمنع في المستقبل التوحيد السياسي والاقتصادي. فالوحدة السياسية هي التي تتم في النضال. لأن النضال هو الحياة الصحيحة للعرب، ككل امة فقدت قياد نفسها في الماضي وتأخرت وتريد ان تستأنف سيرها، تريد ان تنهض. الحالة السليمة التي تعبر عن حقيقة الامة هي النضال. خذوا العرب بدون نضال، تروهم بين الشعوب المتأخرة. وخذوهم في حالة النضال: هم في مستوى أرقى الأمم. النضال هو المعبر الصحيح عن الامة. فاننا في النضال نبني أسس حياتنا المقبلة، في النضال تزول عوامل الانحطاط، في جو النضال الجدي لا يبقى نفع خاص، ولا تبقى مادة، ولا يبقى تنافس حقير، ولا تبقى انانيات. لأن النضال يبني مستوى جديدا اما ان ترقى اليه النفوس او تسقط من الحساب. ومن ناحية عملية، لا يخفى عليكم ان تجزئة النضال اكبر سلاح بيد الاستعمار، وان حيلة الاستعمار التقليدية -في الماضي والحاضر- عندما يغلب على امره، عندما تثور الشعوب في وجهه، ان يلجأ الى التفريق. خذوا أمثلة من حالة الشرق العربي: الاستعمار عندما يتراجع امام ثورة الشعب في قطر عربي، امام هذه الموجة الطاغية من الوعي والاستبسال في التمسك بالحقوق، حقوق السيادة والحرية، يكون محتارا بين امرين: اما ان يقاوم الى النفس الاخير، هذا يكلفه مالا وأرواحا وسمعة سيئة في العالم، واما ان يلجأ الى الحيلة فيسلم للشعب بالاستقلال، ولكن قبل ان يعطي الاستقلال يسحب منه حيويته.. يشترط الانفصال، وهذا ما حدث في السودان وفي سورية ولبنان. الدول الاستعمارية وافقت على الاستقلال في سورية ولبنان بشرط التجزئة. وأوجدوا لهم الجامعة العربية، كل دولة تنافس الاخرى، وتضع العراقيل في سبيل أبسط المشاريع التوحيدية. حتى ان الجامعة التي مضى على تأسيسها احدى عشرة سنة لا تزال مشاريع بسيطة جدا نائمة في مكاتبها، كالغاء الجوازات والغاء الرسوم الجمركية، وهذه اشياء تتحقق اليوم بين أمم متباينة كانت بالامس يحارب بعضها بعضا: لم يعد بينها جمارك وجوازات. ولكن الجامعة تعقد اجتماعات وتدرس ولا تنفذ، لأن الاستعمار الذي شعر بضعفه في هذه البلاد وجد هذه الحيلة: ان يعطي استقلالا شكليا فاقدا لأكثر نواحيه الايجابية المبدعة، عندما يجرد هذه اليلاد من الوحدة. لذلك وبعده هذه التجارب المرة التي عانيناها لم نستطع السكوت على ما يجري في المغرب من تجزئة للنضال بفعل الاستعمار والذين يوافقونه من السياسيين الانتهازيين، لأننا نعرف قصة هذه السياسة ونتائجها. عام 1956 منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب السادس:) نظرتنا للوحدة العربية الوحدة والنضال الشعبي(43)