في سبيل البعث - الجزء الأول: (الباب السادس:) وحدة النضال ووحدة المصير(42)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث - الجزء الأول: (الباب السادس:) وحدة النضال ووحدة المصير(42) الجمعة ديسمبر 30, 2011 4:50 am
في سبيل البعث - الجزء الأول: الباب السادس: وحدة النضال ووحدة المصير(42) بعد نكبة فلسطين التاريخية(1) تأتي حوادث المغرب العربي واهمال بقية الاقطار العربية لهذا الشطر الكبير من وطننا، ومساومة حكومات بعض هذه الاقطار على نضاله، دليلا جديدا على الحدة التي بلغها تناقض أوضاعنا القومية. لقد صمد المغرب مدة قرن وأكثر لأشد أنواع الاستعمار هولا ووحشية، الاستعمار الفرنسي الغاشم الذي كانت خطته إبادة العرب في الشمال الافريقي وإلحاق هذه البقعة العربية الغالية بالارض الفرنسية. وكان المغرب طوال تلك الحقبة يكافح وحيدا اعزل، لا يدري به العالم، ولا يستطيع عرب المشرق الخاضعون مثله لنير الاستعمار أن يمدوه بأي عون. وفي السنوات الاخيرة، أستأنف المغرب معارك حريته مؤملا في عون الجامعة العربية ودولها المستقلة، الا انه لم يلق غير الوعود والجحود. إن الشعب العربي مؤمن بوحدة مصيره وبضرورة توحيد نضاله كشرط أساسي لتوحيد أقطاره في المستقبل القريب. فما هي العوامل والاسباب التي تؤدي الى تشويه ارادته على هذا الشكل الذي نرى فتجعل جهوده تتبعثر بدلا من ان تتوحد، وقواه تتناحر بدلا من ان تنسجم؟ ذلك ان وحدة النضال التي نحاول تحقيقها عبثا، لا تكون ممكنة الا بنضال الوحدة أي بتكوين عقيدة واضحة عن الوحدة العربية تصبح الموجه الاول لتفكيرنا، والناظم الرئيسي لكل ناحية من نواحي نضالنا. يحسب الكثيرون أن فكرة الوحدة العربية فكرة بديهية قد تتهيأ كل الشروط في مجتمعنا لانتشارها ونجاحها، والواقع انها اقل الافكار وضوحا وأكثرها صعوبة وان كل شيء في واقعنا يعاكسها. فواقعنا المتأخر المتردي قائم على احدى الدعائم الكبرى للتأخر والتردي، الا وهي التجزئة، يفكر بعقلية التجزئة ويعمل بدوافعها حتى عندما يفكر بالوحدة ويعمل لها. وليس أشد الافكار خطرا على الوحدة العربية هي الافكار الاقليمية والشعوبية الصريحة المفضوحة، انما هي الافكار التي يروجها دعاة الوحدة الرائجة، أي "وحدويو التجزئة". فكرة الوحدة العربية هي الفكرة الانقلابية بالمعنى الصحيح، لا يدانيها في انقلابيتها التحرر من الاستعمار على ما فيه من جدية وقسوة، ولا التحرر الاجتماعي الاشتراكي الذي يصدم في المجتمع أضخم المصالح وأقوى العادات والنظم. ذلك ان التحرر الخارجي يستفيد من عاطفة الشعب السلبية المباشرة، والتحرر الاجتماعي يعتمد على مصلحة الشعب المادية المباشرة، وكلا التحررين الخارجي والاجتماعي يلتقيان باتجاه هذا العصر السائر في طريق تصفية الاستعمار والاستثمار الطبقي. في حين ان فكرة الوحدة لا تحمل في طياتها أي معنى من معاني السلبية، ولا تتراءى فيها المصلحة المادية الا جزئية آجلة غير مباشرة، فهي ايجابية كلها، وروحية قبل ان تكون مادية، وإرادية أكثر منها عفوية، تغالب السهولة والمصالح الآنية، وتخاطب العقل والايمان العميق وتطلب التضحية بالحاضر في سبيل المستقبل وتقتضي تهيئة جدية، وتربية جديدة. يعتبر وحدويو التجزئة الوحدة شيئا آليا يبلغ بالتوحيد السياسي عندما تتهيأ الظروف وتسنح الفرص، وانها لا تحتاج إلى تهيئة سابقة اللهم الا التهيئة السياسية بالمفاوضات والمناورات. وأما التهيئة الفكرية فلا تعدو أن تكون -في أحسن الاحتمالات- تبشيرا عاما بالوحدة يتسع لشتى الارتجالات والتناقضات. وفي حين تمسي الوحدة في نظر هؤلاء هذا الشيء الآلي السطحي المشوش الذي تعوزه الجدية ويأتي في أدنى درجة من درجات الاهمية بالنسبة الى المشاغل القطرية التي تستأثر عمليا باهتمامهم كله، فان الوحدة في نظرنا فكرة اساسية لها نظريتها كما للحرية والاشتراكية نظريتهما، ولها مثلهما نضالها المبدئي اليومي المنظم المستمر، ومرحلها العملية التي تزيد في قوة النضال وتمهد الطريق للنصر الاخير. جميع الاحزاب العربية تقول بالوحدة العربية، وكذلك الحكومات، ومع ذلك فان هذه الاحزاب المتماثلة الهدف لا تلتقي ولا تتعاون، اما الحكومات فانما تلتقي لكي تتخاصم. ذلك لان الاحزاب والحكومات تعتبر الوحدة العربية محصلة ونتيجة لنضال كل قطر من أجل حريته ونهضته، في حين ان العكس هو الصحيح. فحرية كل قطر عربي ونهضته هما محصلة ونتيجة لنضاله من اجل الوحدة. فالايمان بالوحدة والنضال في سبيلها هما اللذان، بتوجيههما نضال القطر وجهوده الوجهة الصحيحة، أي بتذكير القطر باستمرار انه جزء من كل، لا كل قائم بذاته، يجعلان من حرية القطر حرية سليمة أي خطوة ووسيلة الى حرية مجموع الامة، لا انفصالا وعقبة في طريق هذه الحرية الشاملة، ويرسمان لنهضة القطر ملامحها وحدودها لتكون تهيئة وتمهيدا للنهضة العربية العامة دون تبذير او تصادم في الجهود والمصالح. ان اهداف العرب الكبرى (الحرية والاشتراكية والوحدة) تشكل كلا لا يتجزأ ولا يجوز فصل بعضها او تأجيله عن بعضها الاخر. وهذا يكفي للقول بأننا نفهم من الوحدة العربية غير ما ينشده بعض العاطفيين الخياليين الذين يعتقدون بامكان توحيد العرب في ظل السيطرة الاجنبية، او بعض النفعيين واصحاب المصالح الكبرى الذين يأملون من وراء التوحيد تدعيما للحكم الرجعي الذي يستطيع ان يحمي مصالحهم من ثورة الجماهير. وتبعا لهذا المنطق نفسه -منطق وحدة الاهداف القومية وتداخلها- فان ارتيابنا بأولئك الذين يحسبون أن شيئا جديا صادقا من الحرية والاشتراكية يمكن أن يتحقق في نطاق القطر الواحد ليس اقل من ارتيابنا بدعاة الوحدة الخياليين او النفعيين. انها دعوة مشبوهة تلك التي تحاول ان تسبغ على الاستقلال القطري، صفات الاستقلال التام الكامل، لتجعل منه مرادفا للانفصال وعقبة في طريق الوحدة القومية. وهي نظرة ضالة سطحية تلك التي تسمي الاصلاحات الجزئية التي تحققها بعض الاقطار ثورة وانقلابا، في حين انه لا ثورة جدية الا في نطاق الامة العربية الواحدة. ان الحرية التي يطالب بها حزب مصري او عراقي، والاشتراكية التي يعمل لها حزب سوري او لبناني هما غير الحرية والاشتراكية التي تحتاجها وتقدر على تحقيقها الامة العربية كأمة ذات تراث حضاري واستعدادات وامكانيات لنهضة جديدة أصيلة. فالحرية التي يسعى اليها كل قطر عربي على حدة لا يمكن ان تبلغ من العمق والشمول والمعنى الايجابي ما تبلغه الحرية التي تنزع اليها الامة العربية عندما تضع مصيرها ومصير الانسانية موضع التساؤل، كما ان الاشتراكية التي تتقلص وتتشوه في حدود القطر الواحد، حتى تقتصر على اصلاحات جزئية خادعة، تأخذ كل مداها النظري والتطبيقي عندما يكون مجالها الوطن العربي كوحدة اقتصادية وكوحدة شعبية نضالية. ان امكانيات الامة الواحدة ليست مجموعا عدديا لامكانيات أجزائها في حالة الانفصال، بل هي اكثر في الكم، ومختلفة في النوع. فالثراث العربي القديم لو وقع على كاهل قطر بمفرده، اما ان يقف منه هذا القطر موقفا ايجابيا فينوء تحت عبئه ولا يخرج منه بغير الغرور والابهام، واما ان يقف منه موقفا سلبيا فيتنكر له ويحرم من فوائده ومن كل صلة حية بماضيه فنفسية التجزئة هي التي تفسر الى حد بعيد ليس فوضى الاتجاهات المتنافرة المتناقضة فحسب، بل ايضا سلبية هذه الاتجاهات وعجزها عن كل بناء. هي نفسية الفرار والعجز، فرار الى التوسع الوهمي (كالاممية الشيوعية والدينية) او التقلص الصنعي (الاقليمية السورية واللبنانية والمصرية). كأن ربط العرب بعجلة عالم اوسع من عالمهم يغنيهم عن التحرك الذاتي او كأن الجهد الروحي الذي يبذل لبعث الحياة في قسم منهم لا يكفي لبعثهم جميعا. أما نفسية الوحدة فهي التي تحمل مسؤولية التراث السلبي دون تبرم، وتتفتح لخيرات التراث الايجابي دون غرور. نفسية التجزئة (تحلم) بالثورات الصاخبة العاصفة، وتقنع بالاصلاحات الرخيصة والترقيعات الهزيلة المضحكة، (تتكلم) عن المبادئ والقيم الروحية وتعني اقتسام المناصب والدفاع عن زعامة الاحياء والقرى. فلم يعد اذن عمل الاحزاب القطرية والحكومات مرحلة توصل الى الوحدة بل اتجاها جديدا وطريقا مختلفا يبعد عنها ويضعف امكانياتها. والوحدة ليست عملا آليا تتم من نفسها نتيجة للظروف والتطور، فالظروف لا تخدمها والتطور قد يسير معاكسا لها، نحو تبلور كاذب للتجزئة. فهي بهذا المعنى فاعلية وخلق، ومغالبة للتيار، وسباق مع الزمن أي انها تفكير انقلابي وعمل نضالي. ان هجوم الاستعمار والصهيونية يكاد يتركز على الوحدة العربية، هذا هو الهدف الذي يلتقي عليه الاستعمار الغربي والاحزاب الشيوعية الستالينية (وهو ما يفسر اتفاق الطرفين على خلق دولة اسرائيل كحائل كبير في طريق الوحدة) ولا يحتاج الاستعمار الى تدخل مباشر لتزييف الاستقلال والديمقراطية والتقدمية فالتجزئة كفيلة بذلك ما دام وضعها ومنطقها يغريان كل جزء بأن يستغلها لبلوغ بعض الفوائد الخادعة على حساب الاجزاء الاخرى، وهكذا فبالرغم من وحدة حاجات الشعب العربي في جميع اقطاره فان معظم نضاله يهدر ويبعثر، لان دماءه التي تسيل في مكافحة الاستعمار في بقعة تستخدم وسيلة للمساومة على صفقة سلاح او زيادة ارباح شركة في بقعة اخرى، ولان (الديمقراطية) في قطر تهلل للدكتاتورية في قطر آخر، ولان (الجمهورية) يحميها الملوك... فمنطق التجزئة لا يمنع الحركات المتماثلة في الدول العربية من التوحيد والتعاون فحسب، بل يدفعها الى التعاكس والتناقص. وهكذا نصل الى هذه النتيجة: لا يحقق الشعب العربي وحدة النضال، ما لم يمارس نضال الوحدة. في الايام الجدية العصبية، اذ يشتد الخطر وتنزل المحن وتتعاظم التضحيات، تحظى الامة بلحظات خاطفة نادرة، تسترد فيها وعيها لمصيرها الحقيقي، ويصبح الجو النفسي العام اكثر ملاءمة وتقبلا لموقف التجرد وكلمة الحق. وعسى أن تكون البطولة الشماء والايام الدامية التي يحياها قسم من شعبنا في المغرب العربي وخاصة في الجزائر، مناسبة صالحة وثمنا كافيا لبعض الحق والتجرد يدخلان جونا ويساعداننا في مختلف أقطارنا على النظر الى مصيرنا بمنظار جديد يهيئ لنا سبيل تحول أساسي في تفكيرنا وعملنا. آب 1955 (1) خطاب القي في مهرجان بوم الجزائر ني مقهى الرشيد، دمشق. منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
في سبيل البعث - الجزء الأول: (الباب السادس:) وحدة النضال ووحدة المصير(42)