في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب السادس:) حصيلة مرحلة من النضال(45)
كاتب الموضوع
رسالة
بشير الغزاوي
المساهمات : 726 تاريخ التسجيل : 11/12/2010
موضوع: في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب السادس:) حصيلة مرحلة من النضال(45) الجمعة ديسمبر 30, 2011 4:59 am
في سبيل البعث - الجزءالأول : الباب السادس: (1) حديث مع طلبة المغرب العربي. حصيلة مرحلة من النضال(45) حلف بغداد، وملامح اليقظة العربية: يمكن أن نسمي حلف بغداد هجوما استعماريا دفاعيا لجأت اليه بريطانيا لوقف نمو اليقظة العربية وتدارك نتائجها قبل وقوعها، فصاغت هذا الحلف في تصميمه وبمراميه على نحو يكون فيه لكل وجهة من وجهات الحركة العربية الجديدة وجهة تقابلها فتشوهها او تحرفها او تعطلها. فاذا كان من ملامح اليقظة العربية انها تسعى للخروج من حالة التخلف الاقتصادي، بتخطيط سياسة اقتصادية تقوم على أسس شعبية تقدمية ثورية، فتوجه معظم الجهود لرفع مستوى العدد الاكبر من ابناء الأمة العربية وتنصب على الأمور الجوهرية كتقوية الدفاع وإنشاء الصناعات الاساسية لتحرير البلاد من التبعية الأجنبية، كل ذلك ضمن منطق الوحدة العربية الذي يرتب عليه ان يكون الاقتصاد العربي متكاملا ومتمما بعضه لبعض ومفتوحا للخطوات التوحيدية ومساعدا عليها، فان حلف بغداد ايضا يحاول ان يقدم انتعاشا مصطنعا متلائما مع المصالح الاستعمارية تشرف عليه الطبقة الرجعية، ومشاريع اعمار يكون نصيب الشعب منها النصيب الذي قد يخدره دون أن يطلق طاقته ويرفع مستواه. واذا كان من ملامح اليقظة العربية تسليح تضال الشعب بالسلاح المادي وانماء القوة العسكرية كي يتمكن الشعب من نفسه ويزداد ثقة بنجوع نضاله، فحلف بغداد أيضا يمني نفسه الأماني الكاذبة بالقوة العسكرية ويعمد لفصل القوة المسلحة عن نضال الشعب، وبث التناقض والتشكك كي يقيم بينهما توازنا. واذا كانت الحركة العربية الجديدة تهدف الى توحيد الاقطار العربية، ولكن مفهومها للوحدة ان نسيجها هو وحدة نضالية شعبية يكون من ثمراتها الوحدة السياسية، فحلف بغداد يقدم ايضا وحدة هي وحدة الطبقة الرجعية والخونة والعملاء من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي، اي وحدة الطبقة المتمسكة بالتجزئة والمستغلة لها والمتآمرة على شخصية الامة العربية ووجودها. فساسة الحلف لا يكتفون بالضغط على سورية والاردن ولبنان لربط هذه الاقطار بحلف يغداد، بل يتصلون ببعض ساسة المغرب العربي ويشجعونهم على ربط المغرب بحلف الاطلسي والتنكر التام للعروبة. واذا كانت الحركة العربية الجديدة تتجه في المجال الدولي الى اقامة السياسة العربية على اساس استقلال الامة العربية عن سياسة التكتلات الدولية وحياده ودورها الايجابي الخاص بالنسبة الى الانسانية، فحلف بغداد اتخذ هدفا آخر هو الانحياز التام الى المعسكر الغربي بحجة مكافحة الشيوعية، ومقاومة خطر الاتحاد السوفياتي، ولعب على فكرة خطر اسرائيل وضرورة مقاومتها في حين أنه بتبعيته للاستعمار يمكن لاسرائيل ويؤمن وجودها وبقاءها على حساب الوجود العربي. وأخيرا اذا كانت الحركة العربية تهدف الى وقاية السلام وتدعميه فحلف بغداد تقدم بهدف آخر حين كون اتجاها نحو سياسة المعسكرات والاحلاف العسكرية والحرب. فشل الاستعمار وظفر العرب: ولكن الاستعمار رغم خطته هذه التي ظنها متكافئة لليقظة العربية ورغم ما حرك من فئات من العرب سلحها بمنطق كامل من المغالطات لتزييف اهداف هذه اليقظة وطريقها، فقد فشل في قطرين، سورية والاردن، وصعق امام ثورتين في الجزائر ومصر، فانكمش على نفسه وتحدد عمله بشراء بعض اضمائر واستئجار بعض العملاء والخونة للتخريب والتفرقة وإثارة الفتن، ولم يجد مناصا من تمزيق أقنعته واللجوء الى العدوان السافر فسجل على نفسه فضيحة تاريخية وسجل العرب بمقاومتهم تحولا تاريخيا. اثر كارثة فلسطين: واذا كان الوعي والنضال العربيان قد فككا هذه الخطة المحكمة واستبانا اغراضها الخفية وهدماها، فان كارثة فلسطين هي التي اعطت أحدهما العمق والنفاذ والآخر الصلابة والتنظيم. فقد حزت الكارثة في الضمير العربي وواجهت الشعب بوجوده ومصيره فكانت منطلقه الى اعادة النظر في التكوين الداخلي لكل قطر وفي نوعية التضامن بين الاقطار العربية وفي تحديد موضع العرب من الانسانية والعالم، وهكذا طرحت على الشعب العربي من أعماق المأساة مشكلات وجوده الموحد وصورة هذا الوجود الاجتماعية الموضوعية وعلاقته بالوجود الانساني، فانبثقت ثورتا مصر والجزائر وارتبطت مصر بالمصير العربي بشكل واع وجدي، وبرزت السياسة المتحررة. وما كانت كارثة فلسطين لتحدث كل هذا الأثر العميق ولتعطي كل هذه النتائج الايجابية لو لم يسبقها قبل يضع سنوات في سوريا والاردن والعراق ولبنان اتجاه عربي واضح الاهداف قائم علي أسس نظرية ونضالية جديدة، عبر عن وجهة العرب العميقة في هذه المرحلة من تاريخهم وتاريخ الانسانية وهو الاتجاه الذي مثلته حركة البعث، وقد جاءت الكارثة مثالا حيا مؤكدا صحة هذا الاتجاه فأغنته وفتحت امامه سبل امتداده كما كان هو من اهم العوامل التي حولت موقف العرب امامها من ان يكون موقفا سلبيا ينتهي الى التفكك والانحلال الى موقف ايجابي يحيل الكارثة الى مرتقى في طريق النمو العربي. وحين اكره الاستعمار على الانتقال من معركة السياسة والتآمر للقضاء على اليقظة العربية، الى معركة العدوان السافر على مصر وعلى تمزيق جميع اقنعة الرياء التي كان يلتف بها، وحين اكرهت اسرائيل على ان تنكشف امام العالم بأسره.. وتبدو على حقيقتها اداة للاستعمار وجزءا منه، وكانت معرفتها من قبل مقصورة على الشعب العربي، بل على قسم منه، أتى كل ذلك برهانا على مدى القوة التي بلغها التيار العربي الجديد، ومدى الخطورة التي أحس بها الاستعمار واسرائيل على وجودهما. واذا كانت ثورية السياسة العربية المتحررة وجرأتها قد جلبتا بعض الخسائر فقد جلبتا ايضا أضعاف هذه الخسائر من المكاسب للقضية العربية، إن بالنسبة للشعب العربي وإن بالنسبة للعالم. لقد كانت المعركة ثمينة وكانت تجربة مصر القاسية ثمينة، وكأنما كان العرب في حاجة الى هذا العدوان، ولقد كان شيئا حيويا بالنسبة اليهم في مرحلتهم الحاضرة. لقد حسمت المعركة بضربة واحدة سياسة دامت عشرات السنين كلها مساومات وانصاف حلول وكلها تهرب من المعركة الحاسمة، وكلها نضال يقوم به الشعب بعفويته ويفرضه فرضا على الحكام والزعماء، فيثلمونه ويخدرونه ويمنعونه من الوصول الى غاياته. أما في هذه المرة فقد تعهد قادة الثورة في مصر اتجاهات الشعب العفوية وطاقته النضالية بالتجاوب معها والرعاية والتنظيم فازدادت الاتجاهات وعيا وعمقا ونفاذا وشمولا، واكتسب النضال ثباتا وطمأنينة وكان امتحانا لاستعدادات الشعب تخمرت منذ سنوات، واجتاز قسم من الشعب العربي هذا الامتحان المرير ببطولة. لقد أتى هذا العدوان برهانا حسيا على صحة الاتجاه الجديد القائم على الشعب، ودور الشعب في المعركة، وسيكون له نتائج ضخمة حين يعمم ما برهن عليه الشعب في مصر على الاقطار العربية جميعا. وقد ارتدت تجربة الاتجاه الجديد، في الاعتماد على الشعب والاستلهام منه وتنظيم طاقته الثورية، ومصارحته ومشاركته في تخطيط سياسة بلاده وتحمل مسؤولية مصير الوطن، على الشعب ذاته، فاستيقظ الوعي لدى ابعد الطبقات ونفذ الى حيث كان من المستبعد ان ينفذ بسهولة ويسر، وانصب على طريق النضال قوى لم تكن في الحسبان. كما ان هذا العدوان، والمستوى الذي بلغه الشعب كانا سببا لطرح القضية العربية طرحا واضحا على الرأي العام العالمي، فتحركت كافة القوى الحرة الثورية في اقطار الارض كافة ونهضت للاشتراك بالمعركة. لقد فرض عليها الخروج عن جهلها أو اهمالها او حيادها وشعرت بارتباط مبادئها ومصالحها في المعركة القائمة في ارض العرب. وكان ذلك من المكاسب الكبرى. وأكد هذا التفهم الانساني والدعم للقضية العربية الاتجاه القومي العربي نحو الانسانية. ففي الواقع، وهذا دليل على سلامة الاتجاه العربي في هذه المرحلة التاريخية، انه في الوقت الذي تفتحت في الشعب العربي أواصر وحدته القومية انكشفت امامه بوضوح وعمق أواصر ارتباطاته الانسانية وبالتالي دوره في التاريخ الانساني، وفي هذا وفي تمتين هذه الصلات الانسانية اكبر ضمانة لسلامة المستقبل العربي. القومية والانسانية: وليس مستغربا ولا من قبيل المصادفة ان تتضح صلتنا بالانسانية وتقوى في الوقت نفسه الذي تتضح فيه مقومات وحدتنا العربية ويقوي أندفاعنا في طريق تحقيقها. فنحن كلما اقتربنا من انفسنا زاد قربنا من الانسانية، وكلما اطمأننا على شخصيتنا ازدادت هذه الشخصية انفتاحا على الآخرين. وان تجربتنا العميقة القاسية لحاضرنا تؤهلنا لان نفيد من تجارب تاريخنا، ومن تجارب التاريخ كله، ولان نتحاشى الاخطاء والانحرافات في ماضينا وماضي الامم الاخرى، فتربط ربطا مبدئيا حيا بين قوميتنا وانسانيتنا ولا نسمح بأي انقطاع او مسافة بينهما، لانه لن تصل القومية الى الانسانية اذا اعتبرت مبدئيا؟ منفصلة عنها او مرحلة لها، فالانسانية هي في القومية لا قبلها ولا بعدها، وليس ثمة قومية وانسانية، بل قومية انسانية "وهي الصحيحة" وقومية منحرفة مشوهة لانها منفصلة عن الانسانية. وكل ما ظهر في تاريخ القوميات من تعصب واتجاه نحو الاغتصاب والاستعمار انما مرده الى انه سلم فيها بالبدء بانفصال القومية عن الانسانية او بامكان البدء بالقومية وانمائها للوصول في مرحلة أخرى الى الانسانية. لقد ربح العرب معركة لم تكن هينة كما خسر الاستعمار معركة جدية ولكنها ليست اقسى معاركه ولا آخرها. فما هي العبرة التي حصلنا عليها والتي تفيدنا في تخطيطاتنا المقبلة وفي وعينا ونضالنا لمواجهة المعارك المحتملة دائما وبالتالي في اعداد مستقبلنا؟ لقد برزت قوة مصر في اتجاه عربي سليم وكان ذلك اكبر ظفر للعرب في هذه المرحلة. ولئن استحقت مصر في عهدها الجديد مكان الصدارة في القيادة العربية فلا يجوزان يلقى العبء كله عليها، لاننا نكون كأنما نال الاستعمار على هدفه الذي اذا اصابه بمقتل حل كل مشكلاته في الوطن العربي، ولذلك يجب ان يتحقق في كل قطر عربي ما تحقق في مصر من حيث العمل الداخلي، من رجوع الى الشعب ومصارحته وتأمين حاجاته الاجتماعية وتطهير جبهته الداخلية من الخيانة المرض. وحدة النضال: كانت المعركة الاخيرة مناسبة لدفع وحدة النضال العربي خطوة جديدة جريئة الى الامام ولكن لا بد من الاعتراف بأننا ما زلنا مقصرين عن الوحدة النضالية المنظمة الخلاقة. فكثيرا ما تستبهم الحدود بين توحيد النضال وتوحيد السياسات الرسمية، ويستعاض عن ذاك بهذا، في حين ان الاصل والاساس هو الاعتماد على نضال الشعب العربي ومن ثم يمكن الاعتماد على السياسات الرسمية، بمقدار ما تتجاوب مع هذا النضال وتتأثر به، وليس توحيد النضال بمجرد تنسيق لاشياء موجودة بل هو خاصة خلق للنضال حيث لا يوجد، تنظيم له ورفع لمستواه حيث يوجد، ثم من بعد ذلك هو تنسيق. الثقة بالنفس والمبادئ: كانت المعركة الاخيرة مجالا ايضا لظهور الوجه الايجابي الاصيل للحركة الثورية العربية. فبينما كان الكثيرون يخشون على مصر ورجال ثورتها من ردة انهزامية نتيجة لتآمر بعض الحكومات العربية عليها ولضعف تضامن بعض الحكومات الاخرى معها، جاء خطاب الرئيس عبد الناصر على اثر المعركة يؤكد سلامة الاتجاه العربي في مصر وعمقه عندما اعلن ان الشعب العربي في جميع اقطاره تضامن تضامنا فعالا مع مصر العربية وان معركة مصر كانت معركة العروبة. فهو اذن لم يحكم على الشعب العربي من خلال الاوضاع الشاذة التي يفرضها عليه الاستعمار والطبقة الرجعية وهو بهذا الموقف الواثق بالامة العربية وإمكانياتها والمؤمن بالمبادئ الثورية الشعبية، لم يكتف بأن سجل واقعة عن تضامن الشعب العربي مع مصر، بل قوى هذا التضامن وغذاه وفتح امامه مستقبلا لا حد له. وهذا الوجه الايجابي لحركتنا الثورية هو اكثر ما نحتاج اليه في مرحلتنا الجديدة لكي نتجنب المواقف المنفعلة القصيرة النظر، ونبني احكامنا وتصرفاتنا القومية على اساس الثقة والتفاؤل بإمكانيات شعبنا وأصالته. كما اننا في مرحلتنا الجديدة بحاجة الى هذا الوجه الايجابي الاصيل في موقفنا من العالم. فنحن بعد اليوم مسؤولون عن العالم وسلامة اتجاهه وأوضاعه بقدر ما هو مسؤول عنا. وقد مضى الزمن الذي كنا فيه نكتفي بنقد الدول والامم الاخرى ومحاسبتها على ابتعادها او مناقضتها للمبادئ التي تدعيها، ونثق بهذه المبادئ او نتشكك فيها، بمقدار ما نجد عند الاخرين من انصاف لنا او اجحاف بحقوقنا. فهذه المبادئ لم تعد وقفا على غيرنا، وان تبنينا الايجابي لها سيؤثر حتما في نجاحها وفي تدعيم صف الحرية والعدالة في العالم. البنيان الداخلي هو الاساس: لقد اصبح واضحا ان العرب حققوا في مختلف اقطارهم خطوة في التقدم، وظاهر هذه الخطوة انها ظفر على الاستعمار وكسب للحرية، اما مادتها الباطنية فهي انها تقدم شعبي داخلي في الفكر والاقتصاد وفي التربية السياسية والتنظيم، ولولا ذلك ما أمكن احراز هذا الانتصار على الاستعمار. فالموضوع اذا دائما هو بنياننا الداخلي، بنياننا القومي، هو دائما انشاء مجتمعنا وبناؤه لأن الاستعمار في الاساس انما نفذ الى مجتمعنا من ثغرات ضعف البنيان الداخلي والتخلف والامراض الاجتماعية. فاذا كان مفروضا علينا دائما ان نكافح الاستعمار، واذا كنا نعلم ان معاركه المقبلة معنا ستكون اقسى واكثر اتساعا من معاركه السابقة، فيجب ان نعلم ايضا ان مادة هذه المعارك ومادة الانتصارات انما هي في سد الثغرات في جبهتنا الداخلية، انما هي في الانشاء والبناء الداخلي. ان علينا كلما ازددنا تقدما في تحررنا الخارجي، ان نزداد جرأة في مواجهة امراضنا الداخلية ومعالجتها. وابرز ما في بنياننا الداخلي الوضع الاجتماعي، فواجبنا ان ننقذه من تناقضاته الجارحة وان نقضي على التفاوت بين الطبقات والاستغلال الطبقي لنوصله الى السلامة والانسجام والازدهار. كما ان هناك امراضا فكرية ونفسية كالعصبيات في مختلف صورها العنصرية والطائفية والعشائرية، والجهل وسواها، يجب ان تحسن مواجهتها بالعلاج الناجع. لقد ربحنا معركة، فعلينا ان نوجه جزءا من الربح الى داخل البيت لنصلحه، فنكون اشد مناعة وأكثر تهيؤا لمواجهة الاخطار والمعارك المقبلة. كانون الاول 1956 منتدى ملاك صدام حسين فكري - ثقافي - سياسي
في سبيل البعث - الجزء الأول:( الباب السادس:) حصيلة مرحلة من النضال(45)